افتتحت الدورة الأولى للسنة الثالثة من الولاية التشريعية يوم الجمعة الثانية لشهر أكتوبر بتاريخ 13 منه. وتتميز الخصوصية الدستورية لهذا الافتتاح في عقد جلسة عمومية مشتركة لمجلسي البرلمان برئاسة فعلية لجلالة الملك والاستماع إلى خطابه السامي الموجه له، تطبيقا لأحكام الفصلين 65 و68 من الدستور ومقتضيات النظام الداخلي التي تعزز الرمزية التراثية لحدث سنوي بإجبارية حضور جميع عضوات وأعضاء البرلمان مرتدين اللباس المغربي الوطني الكامل. ومما يضفي على هذه السنة طابعا خاصا واستثنائيا مهما، كونها مطوقة بالتقيد بمنهجية تفرض مضاعفة الجهد الجماعي لتدبير المرحلة الجديدة ومعالجة الصعوبات التي تعيق نماء الوطن وخدمة المواطن، مع تعزيز المكتسبات الديموقراطية والتنموية بإصلاحات حقيقية ملموسة ومشاريع كبرى منتجة. إذ سبق أن حدد خطاب العرش السابق متجهة حاسمة رصينة تكمن في استعجالية رفع منسوب ' الجدية والتفاني في العمل". ومن البديهي في هذا الصدد، إثارة أهمية تتبع مستويات التفاعل البرلماني والحكومي في فضاء مؤسسة دستورية، يتعين أن تعكس صورتها نموذجا حقيقيا لروح الجدية البانية وأن تنبعث من جلساتها ولجانها وكواليسها تجليات العمل المتفاني المثمر، بما يبصم لرصيدها حصيلة ذات نفع عام مجدي وأثر ملموس لتقدم المجتمع ومواكبة انتظاراتها الكبرى. وتأتي هذه السنة في ظرفية دستورية وسياسية تقترن بموعد منتصف ولاية حكومية موسومة، من زاوية نظر رائجة، بخاصية هيمنة روح تدبير حكومي تقنوقراطي وعوز في نهج التدبير الحكومي السياسي الجدي والمبادر، وكمون ملفت في رصيد النقاش السياسي الحقيقي. كما لا يمكن إغفال معادلة وجهة نظر اختلال التوازن الكمي والنوعي للخريطة البرلمانية الحزبية والسياسية وسيادة عوز عددي لمعارضة منقسمة على نفسها بتطلع بعض أصواتها لموقع خارجها وشح في الخبرة النضالية والاحتجاجية لبعض نخبها. مع زاوية أثر مقلق لتراجع وهشاشة التأطير التمثيلي والحزبي الرصين لفائدة سيادة ورواج الارتباطات النفعية المصلحية و الاقتصادية. ومن جهة أخرى، يسجل افتتاح الدورة الأولى لهذه السنة بعد فاجعة زلزال الحوز الذي خلف أضرار بشرية ومادية كبيرة وأبان مرة أخرى عن عمق التضامن والتلاحم المغربي وريادة المجتمع المدني وسرعة وجدية التفاعل الملكي ونجاعته. كما كشف من جهة عكسية واقع مثير لتفاوتات مجالية وترابية ومحدودية الأثر الفعلي لمشاريع وبرامج وتدابير حكومية وقطاعية على المعيش اليومي والواقع الترابي لعدد كبير من المناطق. كما أنها تأتي في سياق غمرة الحدث التاريخي الكبير الذي زف فيه جلالة الملك ببلاغ ديوانه الفرحة الكبيرة للشعب المغربي خبر اعتماد ملف "المغرب- إسبانيا-البرتغال" كترشيح وحيد لتنظيم كأس العالم 2030 لكرة القدم. ومن الثابت أيضا استحالة إغفال استمرارية سمات مميزة أخرى، توافق صبغة سياق عام للولاية الحكومية، ومن أبرزها كما يتضح بالمعلوم والمشهود و الغالب السائد والمعاش: هيمنة روح الغلاء الفاحش في المحروقات وأسعار المواد في كل المجالات تقريبا وتنامي مظاهر القلق المجتمعي الشعبي والنخبوي الظاهر والمكبوت والمسند بتجليات الاحتجاج و الغضب الالكتروني والاحتجاج البين بشأنها في وسائل التواصل الاجتماعي ولقاءات مباشرة للنقاش العمومي، ومن حيث المناخ العام الخارجي، يبرز تقدم كبير يطبع تعزيز التعاون الخارجي ومكاسب الديبلوماسية المغربية في عدة محاور ثنائية وقارية وإقليمية ودولية رغم استثناء بروز حالة تشنج ظرفية تطبع مختلف العلاقات القائمة مع فرنسا في بيئة عالمية تزايد فيها الاحتقان وهشاشة الاستقرار الاقتصادي والصحي والأمني. وقبل بسط أهم رهانات الجدية وانتظارات الدخول البرلماني ، يجدر التأكيد على ضرورة مضاعفة الجهد العمومي والمؤسساتي وتقوية إسناد ودور القوى المدنية والإعلامية الضاغطة لإبداع وتنفيذ الحلول المواطنة الناجعة الكفيلة ببلوغ أهداف محددة في الخطاب الملكي الموجه في أول دورة من الولاية، والمتمثلة في: سيادة صحية وطاقية وغذائية، وإنعاش الاقتصاد وتحفيز الاستثمار المنتج، واعتماد حلول ومشاريع تنموية وإصلاحية كبرى. كما أن بوصلة إثبات جدية ونجاعة الأداء البرلماني تكمن في التنفيذ الحقيقي والمبدع لأحكام الدستور والالتزامات الحكومية، ومواكبة سرعة ونجاعة التفاعل الملكي مع قضايا الوطن والمواطن والتفاني في تحقيق مختلف الأوراش التنموية المفتوحة، وفي مقدمتها الاستعجالية إعادة إعمار وتنمية المناطق المتضررة من الزلزال وإبداع معالجة ناجعة للتفاوتات المجالية والترابية وتنمية العالم القروي والجبلي والالتفاف الحقيقي لقرى وسكان مغربنا العميق . ودون أن ننسى كذلك أهمية جعل غاية تنظيم كأس العالم لكرة القدم وباقي التظاهرات النوعية الكبرى حافزا مرشدا لإطلاق وتفعيل مشاريع وبرامج تنموية وإصلاحية ومواكبة لذلك. لذلك سنحاول مقاربة أهم رهانات الجدية المنشودة وانتظارات الدخول البرلماني الجديد في في وظائف التشريع والمراقبة والتقييم ومجال الديبلوماسية البرلمانية على ضوء استقراء إجمالي لمؤشرات الأداء المرحلي. أولا: من حيث رهانات الجدية التشريعية فبخصوص المبادرات التشريعية الحكومية، تبرز استمرارية قاعدة هيمنة الإنتاج التشريعي بمبادرة حكومية وتحقق المصادقة النهائية على ما مجموعه 83 مشروع قانون، مع تسجيل غنى وتنوع تشريعي موسوم في عمومه بطابع تقني عادي وتم تمريره واعتماده في أجواء غير مشحونة وبعد نقاش برلماني توافقي وسلسل لم يواكبه جدل برلماني حقيقي واختلاف سياسي كبير. ويمكن فرز تصنيف مشاريع القوانين المعتمدة كما يلي: – 34 قانون يوافق بموجبه على اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف. علما أن الهيمنة العددية لهذا الصنف من القوانين المهمة، تعد ظاهرة تشريعية صحية ومتوترة وتبرز الانفتاح المغربي، بيد أن هذا المعطى المتواتر ينبغي استثماره لفتح رهان برلماني شبه مفقود لتتبع ومناقشة وتقييم تائج وآثار الرصيد الاتفاقي المتنوع للمملكة ورصد آفاقه المطلوبة والممكنة؛ – 5 قوانين تنظيمية، منها4 ذات طبيعة معدلة وواحد مؤسس للدفع بعدم دستورية القوانين في انتظار ترتيب الأثر القانونية لقرار المحكمة الدستورية بشأنه، وتجديد النظر التشريعي فيه للمرة الثالثة بعدما قضت بعدم دستوريته بعلة عدم استكمال تداول المجلس الوزاري فيه قبل إيداعه بالبرلمان. بالإضافة إلى قانوني إطار مؤسسين لميثاق الاستثمار والمنظومة الصحية الوطنية، ويقتضي تفعيلهما إثارة رهان تسريع الإجراءات التشريعية والتنظيمية التي تحفز الاستثمار وانتعاش قطاعات حيوية ومهن مستقبلية وتيسر الولوج للخدمات الصحية؛ – 10 قوانين ذات طبيعة مالية، كتلك التي تهم قانوني المالية والتصفية والمراقبة المالية على المؤسسات العمومية ورقمنة المعاملات الإلكترونية؛ –14 قانون عادي مؤسس، ومنها ما يخص التنظيم القضائي والتحكيم والوساطة والتبرعات و مكتب الكهرباء والماء وتربية الأحياء البحرية، بالإضافة الى 14 قانون معدل لقوانين قائمة كتلك التي تهم حقوق الأمومة بالقطاع العام وتعويض نظام المساعدة الطبية بنظام التأمين الإجباري الجديد؛ —قانونان للمصادقة على مرسومين بقانون حل وكالة حساب تحدي الألفية وتمديد العضوية بالمجلس الوطني للصحافة. ويضاف إلى الرصيد التشريعي المذكور 4 مراسيم اثنين منها قبيل افتتاح السنة الجديدة، ويعدل أولهما قانون الأكاديميات لسن مقتضى إخضاع أطرها للنظام الأساسي لموظفي التعليم. أما ثانيهما فيتعلق بإحداث وكالة تنمية الأطلس الكبير، للسهر على تنفيذ برامج إعادة البناء وتأهيل المناطق المتضررة من زلزال الحوز. بيد أن معطيات الإنتاج التشريعي لا تحجب إثارة الانتباه إلى أهمية استدراك تسجيل شح شديد في تفعيل إحالة مشاريع القوانين، التي ورد الالتزام بها في البرنامج الحكومي والعروض التقديمية للميزانيات الفرعية، إذ يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى أن ما لا يقل عن 90 % من قائمة الالتزامات التشريعية (أزيد من 60 نصا جديدا ملتزما به ) لازالت قيد الانتظار البرلماني والمجتمعي . ومن المناسب في هذا الصدد الاشارة الى أن زاوية دفع وزاري بشأن الاكتفاء أحيانا بمنجز إحالة بعض مشاريع القوانين الملتزم بها على مصالح الأمانة العامة للحكومة لا تسعف حجة في قصور التفعيل الضروري لتنفيذ الالتزامات التشريعية الحكومية وضرورة مضاعفة الجهد الملائم لإحالة مشاريع النصوص على البرلمان. لاسيما أنه من الأجدر الحرص على جودة تقدير إكراهات الزمن التشريعي المتبقي من الولاية الحكومية. ومن بين النصوص المهمة المدرجة في طاولة قائمة الالتزامات الحكومية، يمكن الإشارة إلى مشاريع قوانين في مجال العدل والتشريع وحقوق الإنسان كالمسطرتين المدنية والجنائية ومجموعة القانون الجنائي ومدونة الأسرة وعدة مهن كالمحاماة والموثقين والمفوضين القضائيين، ومدونة حقوق الطفل وقانوني الجمعيات والتشاور العمومي. وفي مجالات الشباب والثقافة والتشغيل نشير إلى مشاريع قوانين لحماية مراكز الطفولة وحماية التراث الثقافي والمحافظة عليه ومدونة الشغل وتنظيم النقابات. وفي مجالات الطاقة والبيئة والتجهيز والتعمير والإسكان كمشاريع قوانين تهم المناجم، والحصول على الموارد الجينية والتقاسم المنصف للمنافع الناشئة عن استخدامها، والملك العمومي البحري والتعم. المذكورة ضرورة التحلي بالجدية الكافية لتجاوز الكوابح المقاومة والمعرقلة لمناقشة 4 مشاريع مهمة معروضة قبل ولاية الحكومة، وتهم تنظيم الإضراب وتعديل مدونة الصحافة والنشر والتعاضد ومهن محضري ومناولي المنتجات الطبية. كما أن بقية النصوص الحكومية الموجودة قيد الدرس البرلماني لن تثير في الغالب جدل برلماني سياسي أو عرقلة لتمريرها بيسر. وتضم القائمة الجامعة للنصوص المعروضة 23 مشروع قانون فقط ، منها 13 مشروع قانون حظي بموافقة أحد المجلسين في دورة أبريل في انتظار تمام استكمال دراسته بالمجلس الآخر ودراسة النصوص الأخرى التي تحال لاحقا على البرلمان. أما بخصوص المبادرات التشريعية البرلمانية، فإن الرهان يظل قائما بشأن كيفية التعامل البرلماني مع الرصيد الإجمالي لعدد مقترحات القوانين المعروضة للدراسة باللجان الدائمة والذي وصل ما مجموعه 289 مقترح قانون، في انتظار تسجيل مقترحات قوانين اضافية.. ويبين الفحص الموضوعي لقائمتها ومقارنتها أهمية الدفع في معالجة ظاهر التكرار المثير في العديد منها وسيادة البعد الكمي في إنتاجها وعدم انسجام بعضها مع أحكام الدستور أو تجاوزها نطاق التشريع أو اقترانها بأثر مالي مكلف وعدم تقدير جدواها القانوني والعملي، بما لا يعدم جدية وصواب مقترحات أخرى ومن بينها تلك التي أبدت الحكومة موقفا لقبولها . ومن المعلوم، أن 240 مقترح قانون في انتظار برمجت تقديمها ومناقشتها على مستوى اللجان (بما نسبته 83 %)، مع تجاوز وضعية الاكتفاء السلبي بتقديم عدد محدود من مقترحات القوانين مقارنة بع تزايد عددها الإجمالي، لاسيما أن البرلمان هو المعني بالدرجة الأولى بالتحلي بروح الجدية في التعامل مع مبادراته التشريعية وتفعيل برمجتها، بغض النظر عن طبيعة أي موقف حكومي مسبق بشأن التعبير عن قبولها أو رفضها, لأن البرمجة والتصويت تعد في جميع الأحوال شأنا برلمانيا خالصا. ومن جهة أخرى، فإن رهان رفع عدد مقترحات القوانين المصادق عليها من لدن البرلمان يظل مستمرا في ظل تسجيل شح كبير في العدد المسجل سابقا، إذ لم يتجاوز مجموعه مقترحات القوانين المصادق عليها نهائيا 4 مقترحات، أي ما يناسبه معدل مقترح وحيد في كل الدورة التشريعية. ثانيا: من حيث رهان الجدية الرقابية والتقييمية فبشأن جلسات الأسئلة، تفاعل رئيس الحكومة في 17 جلسة شهرية مع 134 سؤالا ضمن 16 محورا لمواضيع السياسة العامة،مع تسجيل تفضيل بين لهذا التفاعل الشهري لرئيس الحكومة مع النواب مقارنة بالعدد الأدنى لجلسات المستشارين. وبغض النظر عن جدية تجاوز أي دفع يمكن إثارته بشأن رصيد الأسئلة البرلمانية الخاصة بالسياسة العامة والمحتمل تعزيزها بأسئلة إضافية وتقدير علاقتها القانونية والموضوعية بهذا المجال، فإن التحلي بروح الجدية الرقابية يقتضي من زاوية أخرى السعي لتكريس دورية متوازنة للبرمجة الشهرية لرئيس الحكومة في مجلسي البرلمان وتخصيصها للتفاعل مع قضايا السياسة العامة الحيوية التي تحظى باهتمام الرأي العام وتطلعه لمعرفة ومراقبة المنجز الحكومي بشأنها وما تضمنه البرنامج الحكومي حولها. ومن أبرز محاور السياسة العامة التي يمكن لفت النظر الرقابي بشأنها يمكن الإشارة إلى إشكاليات التنمية القروية والجبلية والعدالة المجالية والترابية والاجتماعية التي زكى زلزال الحوز أهمية لفت الاهتمام لها وكذا حالة الطبقة المتوسطة التي التزمت الحكومة بتوسيعها وحمايتها ووضعية الفقر والهشاشة وواقع الشفافية العمومية في التدبير المرفقي العمومي وتكافؤ الفرص. ومن جهة ثانية, أجاب الوزراء على 2435 سؤالا شفهيا خلال 102 جلسة أسبوعية بالبرلمان، ولم تجاوز الأسئلة الآنية التي برمجت حول قضايا راهنة ما نسبته 40%، مع تسجيل تفوق المستشارين في برمجة الأسئلة الآنية مقارنة مع النواب الذين لم يتجاوزو في متوسط المرحلة الأولى من الولاية تخصيص ما نسبة 31 % فقط للأسئلة الآنية من أسئلتهم المجاب عنها. كما سجل تفاعل نسبي محدود مع طلبات التحدث في موضوع عام وطارئ في نهاية الجلسات، فلم تبرمج منها سوى 62 طلبا تجاوبت معه الحكومة لتنوير الرأي العام بشأنه بمعطياتها، مع بروز تفوق عددي كبير للمستشارين بشأن طلباته المبرمجة (51 طلبا). وتكريس منهجية جديدة لحجب طلبات النواب وتصفية مكتب المجلس لها قبل معرفة موقف الحكومة. ومن جهة أخرى شهد الحضور الرقابي للوزارات وبرمجتها في الجلسات الأسبوعية تفاوتا مثيرا، ويكفي الإحالة في الصدد إلى أن ما لا يقل عن 7 وزارات كانت أضعف حضور وبرمجة بمجلسي البرلمان (بين 2 و6 مرات في كل مجلس طيلة سنتين تشريعيتين). وإذا كانت روح الجدية الرقابية تفرض رهان التطلع لمعالجة حقيقية لمشكل التوازن المفقود في حضور وبرمجة الوزراء للمساءلة الأسبوعية، فإننا نثير ضرورة عقلنة الحيز الزمني المخصص لها وتجنب رتابة واستنساخ وتكرار مواضيع الأسئلة البرلمانية وأجوبتها الوزارية، مع اقتراح اعتماد تجربة برمجة أسئلة قطاعية محورية لمناقشة قضايا حيوية تثير اهتمام ومتابعة الرأي العام وبشحنة سياسية حقيقية وتكريس جاهزية الحضور الدوري والبرمجة المتوازنة والمتكافئة للوزراء وفي المجلسين معا. وبخصوص الأسئلة الكتابية، ومن زاوية إجمالية لمعطياتها قبل جمعة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية (إلى متم 11 أكتوبر 2023) يتبين أن الرصيد الحالي يشمل ما مجموعه 11831 سؤالا كتابيا مجابا عنه (بما نسبته 68. %) وما مجموعه 5547 سؤالا كتابيا متبقيا في انتظار الجواب (بما نسبته 32 %)، دون إغفال استمرارية تباين مستويات التفاعل الرقابي للوزارات، حيث يتجاوز الرصيد المتبقي لأربعة وزارات أزيد من 400 سؤال كتابي دون جواب، مع تثمين الجهد المبذول لتكريس التطور الإيجابي في نسب الأسئلة المجاب عنها. وتكريسا لروح الجدية الرقابية، يبرز رهان مواصلة ومضاعفة المجهود الجماعي لرفع نسبة الأسئلة الكتابية المجاب عنها وتوخي الحذر من تراجعها، لاسيما مع احتمال تزايد كبير في إقبال أعضاء البرلمان على تفضيل هذه الآلية التقليدية مع تجويد مضامينها واعتماد نشرها العمومي ورفع السرية والخصوصية المبالغ في شأنها، وذلك حرصا على تثمين معرفتها وبيان جهد يبذل في بلورتها والتفاعل معها وإفادة الرأي العام وذوي الاهتمام والاختصاص بشأنها. أما بشأن اللجان الرقابية، فقد عرفت المرحلة السابقة مناقشة عدة مواضيع رقابية راهنة بحضور ومشاركة حكومية، ووصل عدد الطلبات المبرمجة حوالي 230 طلبا مع تقدير نسبة التجاوب الحكومي الإجمالي مع هذا الصنف الرقابي في حدود 40 %، حيث بلغت برسم السنة الأولى 36.8 %مع تفوق كبير في عدد طلبات النواب المقدمة والبرمجة مقارنة بالمستشارين وكذا تفاوت في مستويات التجاوب الحكومي حسب الوزارات. وحيث يتعين لفت الأهمية لرهان تقوية وتثمين هذا الأداء الرقابي للجان ومعالجة أوجه التفاوت المسجل على مستوى مجلسي البرلمان وعلى مستوى الوزارات ، فإننا نجدد إثارة ضرورة تحويلها إلى برلمانات علنية حقيقية حاضنة للنقاش البرلماني العمومي وتفاعله المتواصل والمواكب لمختلف القضايا الحيوية المثيرة والمستأثرة باهتمام المواطن والرأي العام وتفرض تسليط الضوء عليها وتقريب بيان المواقف البرلمانية والحكومية بشأنها، مع عقلنة اختيار مواضيعها وجودة اقتراحها ورفع جاهزية التفاعل الحكومي معها واستثمارها لكونها فرصة مهمة لتوضيح وتثمين المجهودات المبذولة حولها والاسترشاد وملاحظات واقتراحات أعضاء اللجان بشأنها. وعلاقة بالدور الاستطلاعي للجان ، فمن المتعين استثمار السنة التشريعية لمتابعة مسطرة عرض ومناقشة تقارير المهام الأربعة المنجزة حول تسويق المواد الفلاحية وعملية مرحبا والمخيمات والأحياء الجامعية، وذلك على مستوى الجلسة العامة لاطلاع الرأي العام على أشغالها وملاحظاتها بما يسهم في تجويد وتقويم الأداء الحكومي، مع استكمال تفعيل تنفيذ الالتزام البرلماني بالقيام بمهمتين ل"مقالع الرمال والرخام" و"الشركة الوطنية للطرق السيارة" دون إغفال باقي المهام التي يمكن أن يتحقق الاتفاق عليه لاحقا. كما يتعين في هذا الاتجاه بلورة منهجية عقلانية في تحديد نوعية المهام التي تحظى بأولوية مقدرة واهتمام عام ونهج جودة بلورة توصياتها بتركيزها على اقتراح توجهات مختصرة ومقلصة بديلا للتوصيات المبالغ فيه عددها كما تبين من تتبع تجربة مهام استطلاعية سابقة. ومن زاوية مقارنة خالصة، فإننا نثير رهان معالجة خلو الرصيد البرلماني للمستشارين من أية مبادرة تهم إنجاز مهام استطلاعية في المرحلة السابقة. كما نلفت النظر إلى هيمنة تفضيل برلماني للقيام بمهام استطلاعية والعمل بالمجموعات الموضوعاتية، بما يفرض إثارة رهان معالجة حالة غير موضوعية تخص تغييب بوادر حقيقية لتشكيل لجان مؤقتة لتقصي الحقائق. بما يتيح الاطلاع الكافي على بعض قضايا التدبير الإداري والمالي العمومي، لاسيما أن هذه الآلية الرقابية تكتسي قيمة رقابية اكثر جدية ونجاعة. أما بشأن التقييم البرلماني للسياسات العمومية، فيتوقع تخصيص جلسة سنوية لتقييم النواب ل "ظروف تطبيق قانون محاربة العنف ضد النساء " والمستشارين ل"التنمية الجهوية ومناخ الأعمال"، فضلا عن مواصلة أشغال مجموعات موضوعاتية أخرى معنية بتسريع أشغال التحضير لتقييم سياسات عمومية محددة ك " كالخطة الوطنية لإصلاح الادارة" و" مخطط المغرب الاخضر". و من جهة أخرى فإن هذه الوظيفة تثير حاجة جدية لمتابعة تفعيل خلاصات التقارير التقييمية السابقة وتقوية قدرات توظيف المنهجية العلمية والمقاربات الحديثة في هذا الشأن، حرصا على تجويد الأداء البرلماني وبلورة اقتراح معالم التوجه الإصلاحي الملائم والقابل للتنفيذ وتجويد السياسات العمومية بما يجعلها ناجعة وذات أثر مثمر. كما يتعين من جهة أخرى تعميم بتفعيل الأحكام الدستورية والقانونية التي تهم برمجة مناقشة سنوية بحضور الحكومة لتقارير الأداء السنوي لمؤسسات وهيئات والحكامة والتقنين. وذلك بغاية الاطلاع على مختلف وجهات النظر البرلمانية والحكومية بشأنها، لاسيما مع استحالة تحييد هذه التقرير الخاصة عن جوانب تعني بالضرورة قضايا وإجراءات التدبير العمومي الحكومي، كأعمال المجلس الوطني لحقوق الإنسان والوسيط والمجلس الأعلى للتربية والتكوين والهيأة العليا للاتصال ومجلس المنافسة والهيئة الوطنية لضبط الكهرباء. وإذا كان من المناسب التنويه في هذا الصدد بمناقشة النواب، لأول مرة تقرير هيئة ضبط الكهرباء في جلسة عمومية وتوجههم لاستكمال اعتماد لجنة مراقبة المالية تقرير مناقشتها لتقرير أعمال الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، في أفق إتمام مسطرة رفعه للمكتب للنظر في برمجة إحالته لاحقا على الجلسة العامة، فإن التحلي بروح الجدية يقتضي تكريس نفس المنهجية لتحقيق المناقشة السنوية لأعمال المؤسسات والهيئات الأخرى وعلى مستوى مجلسي البرلمان. ثانيا: من حيث رهان الجدية الديبلوماسية البرلمانية ومن جهة أخرى فإن تكامل التقدير الموضوعي لرهانات الدخول البرلماني الجديد يقتضي عدم إغفال أهمية مواصلة الدينامية الديبلوماسية البرلمانية وتعزيز مساهمتها الجدية في ترسيخ الانفتاح المغربي وتفرده في ميزة غنى علاقاته المتعددة في محيطه الدولي والقاري والاقليمي والثنائي، مع تركيز جهدها وفق أولويات ومحاور استراتيجية محددة ببوصلة غاية الدفاع عن الوحدة الترابية والثوابت الوطنية الجامعة بقيادة ملكية حكيمة مبادرة وحازمة وكذا الحرص عل إبداع حلول واقتراحات لتطوير الخبرة الديبلوماسية لأعضاء البرلمان وتوريثها للأجيال البرلمانية المقبلة، وعقلنة عمل مجموعات الصداقة البرلمانية المتنوعة. وعلاقة بذلك يتعين تثمين وتعزيز الرصيد المغربي في مجال تنظيم واحتضان منتديات ومؤتمرات وأنشطة برلمانية ذات بعد عالمي وإفريقي لترسيخ التوجه المغربي وسعيه المتواصل لتكريس التعاون والتكامل الافريقي وذلك في انسجام تام وتكامل مع التدبير العمومي الاستراتيجي لمختلف محاور السياسة الخارجية القائمة على مركزية استقلالية وحرية قرار المغرب بعمق سيادته ووحدته الترابية وخصوصية التوافق والاجماع الراسخ لقواه الحية على ثوابته الوطنية الجامعة ورفض التبعية والتأثير الخارجي الموجه، مع السعي الحثيث لاستثمار كل الفرص المتاحة والممكنة لتقوية مجالات الشراكة والتعاون الاقتصادي والديبلوماسي. واذ يسجل من جهة، جدية وسرعة التفاعل البرلماني وشجبه الحازم والمقدر لطيف التوجه الأوربي المعادي بخنوع للسيادة الوطنية، فإن ذلك يقترن بأهمية وضرورة مضاعفة الاداء الديبلوماسي البرلماني لتعزيز التأثير الإيجابي والحضور المنتج لفائدة ترويج النموذج المغربي ووحدته التربية، وفي مختلف محاور ومجالات التعاون الأوربي وغيره ، من أجل تعزيز وتوسيع خريطة التوجه الداعم للمغرب والقضية الوطنية والواعي بأهمية تجربته التنموية ورسوخ تعديته وتعايش قواه الحية وتراكم بناءه الديموقراطي وانفتاحه الثقافي والإعلامي، ودون اغفال مسؤولية مواصلة نهج اليقظة الديبلوماسية البرلمانية المواكبة للقضايا الدولية والإنسانية العادلة والتي تستوجب مواكبة ناجعة في التعبير عن الموقف البرلماني بشأنها بتكامل مع التقدير الرسمي للدولة المسند بحرية تعبير قواها الحية ، ومن أهم تلك القضايا البارزة، مساندة ودعم الشعب الفلسطيني في سعيه وكفاحه المتواصل والمتجدد لاسترجاع أرضه وسيادته المغتصبة. وإذ لا نستبعد من جهة أخرى ، تزايد وتيرة الأداء الديبلوماسي البرلماني، وغنى الزيارات البرلمانية والاستقبالات للوفود الأجنبية المتعددة، مع اقتران ظاهرة التشنج المرحلي في العلاقات مع فرنسا بظرفيتها السياسية الاستثنائية واحتمال العدول فيها عن التوجه المتحامل على سمعة المغرب وسيادته، فإننا نثير زاوية ملحة لتعزيز وتقوية القدرات البرلمانية وتوسيع مستويات الكفاءة الديبلوماسية وتعميم وتوريث ثقافتها بين مجموعات الصداقة البرلمانية وللأجيال البرلمانية المقبلة ، دون إغفال معالجة إشكالية عوز إنتاج وتوثيق تقارير الزيارات والأنشطة البرلمانية بالتفصيل الكافي والعمق المفيد، وكذا إبداع الأليات القانونية والعملية الممكنة لتكريس حق أعضاء البرلمان والرأي العام والمهتمين في الاطلاع والمناقشة لحصيلات الأداء الديبلوماسي التفصيلي للبرلمان ومجموعاته الديبلوماسية وشعبه الوطنية بالمنظمات والمؤتمرات البرلمانية. لاسيما أن السعي لتثمين وتقويم الجهد الديبلوماسي البرلماني الذي يشغل حيزا كبيرا في الأجندة البرلمانية، يمكن أن يعد من زاوية أخرى معيار اختبار آخر لجدية ونجاعة وكفاءة النخب الحزبية والبرلمانية في عالم تأثير فيه ولا سلطة رمزية دبلوماسية دون خبرة وعمل متفاني. وبالجمال، فإن رهانات وانتظارات الدخول البرلماني متعددة وذات أهمية قصوى وتستوجب تكريس روح الجدية البرلمانية والحكومية، بالنظر لتعدد وثقل التحديات ولحجم التطلعات المجتمعية الموضوعية والمتزايدة. كما تفرض رفع منسوب الحزم البرلماني لتأمين تجاوب حقيقي ومثمر مع خصوصية المرحلة الاستثنائية بعناصر قوتها وضعفها وفي أبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال مبادرات تشريعية ورقابية وتقييمية نوعية وناجعة تبدع حلولا ملموسة يكون لها أثر ونواتج في معاش ونظر المواطنات والمواطنين ، بما يثبت ويعزز الرضى العام وثقة المجتمع في نجاعة وجدية مؤسساته وقدرتها على استثمار التحديات والمشاكل لإبداع الحلول المواطنة والمثمرة وتنزيل النموذج التنموي الجديد. .