بدا والدا جيمس فولي، هذا الصحافي الأمريكي الذي دفع رأسه ثمنا لإخبار الناس بما يجري من ممارسات دموية في الأراضي التي سيطر عليها رجال داعش، متزنين وهما يتحدثان إلى الصحافة بعد علمهما بمقتل ابنهما بتلك الطريقة الوحشية. وحاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما، أن يحافظ ما أمكن على رباطة جأش، إذ يفرض عليه منصبه الحسّاس ذلك، لمّا تحدث إلى الشعب الأمريكي في الموضوع وحاول أن ينأى بالإسلام، عما يصدر عن جماعة أبو بكر البغدادي، وقال إن هذا التنظيم الإرهابي لا يمثل أي دين. بيد أنه لا أستبعد البتة أن ينخرط والدا جيمس، مثل كل أبوين فقدا ابنهما بهذه الطريقة المأساوية، في لعن ذلك الملثم الذي نفذ الإعدام في فلذة كبدهما بدم بارد وبطريقة وحشية، ولعن كل من يمت إليه بصلة سواء أكانت عرقية، أو دينية، وربما امتد بهما الأمر إلى أكثر من ذلك. كما لن أستغرب إن تسرب فيما بعد أن الرئيس أوباما انخرط، فور الابتعاد عن أعين الكاميرات والتحرر من إكراهات البروتوكول الذي يفرض التعامل بلباقة مضمخة بما تيسر من نفاق، في صب جام غضبه، وبكلمات وعبارات يمكن للمرء أن يتخيلها بسهولة، على هذا القاتل الوحشي وعلى أصله وفصله وأصل وفصل تنظيمه، وكل من لهم صلة به عرقيا أو دينيا. ولا شك أن هذا الغضب غمر كل الأمريكيين وكل الآخرين الذين علموا بمقتل جيمس وشاهدوه وهو يلقي كلمته الأخيرة قبل أن تمتد يد القاتل، الذي زاد لثامه من سواد وحشيته، إلى عنقه. ولا شك أن هذا المشهد سيكرس أكثر في أذهان كل هؤلاء، الذين لا يعرفون عن الإسلام والمسلمين، إلا ما يصلهم عبر الإعلام، أن هذه العقيدة «دين قتل وعنف» وأن معتنقيها مجرد «كائنات دموية» لا تتقن الحديث سوى بالسكين والسيف والرصاص. والأمر الخطير بالنسبة إلى صورة كل الذين يعيشون في المناطق التي يعمها الإسلام، أن القتل عند المنتمين إلى «داعش» (وكل التنظيمات المتطرفة) لا يتم بدافع غريزي، مثل البقاء على قيد الحياة كما هو الأمر عند الحيوانات مثلا، بل إن سفك الدماء أصبح عندهم معطى «ثقافيا» له تأصيل «شرعي» عندهم يجعله حقا، بل واجبا يجب احترامه عند التعامل مع من يخالفهم في الرأي والرؤية. فمن لا يؤمن بما يؤمنون به لا يستحق العيش، وأصبحت رؤية الدم مسفوكا «حاجة نفسية» لا يمكن العيش بدونها تماما مثلما لا يمكن للمدمن الفكاك من سيجارته، أو جرعته من الهيروين. والأكثر خطورة أن من تتسرب إليه ثقافة القتل هذه وتتجذر فيه، لا يمكن أن يرتقي البتة إلى مرتبة الفرد الكامل في فردانيته (individualité) لأن الفرد يحب الحياة ما استطاع إليها سبيلا، أما الكائن المغموس في ثقافة القتل فيسعى دوما إلى نشر الموت حوله.. الموت المادي بقتل الآخرين.. والموت الرمزي بقتل المعرفة والعلوم وكل ما يمت إلى الإبداع بصلة.