لا أخفي سرا إن قلت بأن مرد كتابة هذا المقال، نابع أساسا من تذكري ونحن صغار، بأن الأم الكريمة وأحسب مجموع ربات بيوت بلدنا الحبيب، كن دوما ما يرددن بأن على الأسرة أن تتحوط من "دوران الزمن"، خصوصا عندما يكون البلد في غمرة "الليالي" والأيام الممطرة في فصل الشتاء، حيث لا يكون هنالك "لاداخل ولاخارج"، ساعتها يصبح من واجبات الأسرة أن تكون قد تحوطت سلفا من هاته الأيام، في شكل مشتريات لبعض المواد الطاقية والغذائية والتي تسعف كثيرا في أمثال هاته اللحظات والنوازل. تذكرت أيضا قصة "الصرار والنملة" والتي كنا دوما ما نستعملها في الاستهزاء بأشباه "الصراصير" منا نحن البشر، والذين يستمتعون بتبذير المال في مختلف لحظات حياتهم بشكل كامل، دونما أي تفكير مستقبلي، دونما إصغاء إلى المقولة الشهيرة "اخدم آصغري على كبري" أو التحوط من دوران الزمن، كما تفعل النملة التي "تجد وتكل" على زمن فصل الشتاء، فحتى إذا ما جاء فصل الصيف تجدها سعيدة وناشطة، على عكس الصرار الذي يكون قد ضيع "رصيده" في فصل الصيف غناء فحتى إذا جاء فصل الشتاء تجده وقد انسحب كليا من المشهد بحكم أنه لم يحسن تدبير الوقت والزمن بشكل جيد. ما من شك في أن جزء كبيرا من المغاربة يعرفون بشكل جيد المعنى الحقيقي لهاته الكلمتين ""دواير الزمان"، إن لم أقل أن معظمنا إما قد لدغ أو قد يكون قد عاش "تجربة اللدغ" مع صديقه أو مع أحد أقربائه، لا قدر الله وحين تدق الساعة مع مرض من الأمراض على سبيل المثال ومع عدم الانتباه وأخذ الإجراءات التحوطية والاحترازية اللازمة مسبقا، وفي غياب تغطية صحية شاملة ومعممة للجميع (وهذا إشكال ونقاش مغربي آخر)، تجدنا أو تجد صاحبنا إلا وقد انقلبت حياته رأسا على عقب، وربما يقع هذا التغير في ظرف وجيز، قد يتحول المرء من إنسان كله سعادة ابتسامة إلى إنسان كئيب يشفق عليه وربما تجمع له الأموال "بالصينية" وفق نفس المفهوم المغربي ويصير حكاية تحكى في الدرب والحومة جراء الانقلاب الطارئ في الحياة. سياق هذا الحديث، الأزمة الصحية الأخيرة التي عشناها مع كورونا، حيث فجأة أغلقت الأبواب والمداخل والمخارج سيما مع باقي الدول، وقد رأينا بأم اعيننا كيف كان اشتداد التسوق والاحتياط من نفاذ المواد والسلع سيما الأساسية منها رغبة في تأمين الحد الأدنى من "مستلزمات الحياة"، ومن حسن الحظ أن المغرب كان بحمد الله وقوته مهيئا بشكل جزئي لهذا الحدث الطارئ، كما أن الإغلاق لم يكن بشكل كلي مع الدول أي أن بعض البواخر استمرت ولو بشكل جزئي في تأمين جزء من السلع التي كان يطلبها البلد. ولنا أن نتصور مع كل الكوارث والصراعات الدولية التي بدأنا نعيشها حاليا لو أن "حدثا مهولا عظيما" ضرب الكرة الأرضية كيف كنا سنستمر في تأمين أبسط مستلزمات حياتنا، والمغرب كما يعرف الجميع، ما يزال يؤمن جزء كبيرا من احتياجاته الحياتية الأساسية من الخارج، الحرب الروسية الأوكرانية، وارتفاع موجة التضخم، والارتفاع الذي بدأت تعرفه سلاسل التوريد الدولية كلها عوامل وشروط موضوعية دولية تعطي إشارات تنبيه إلى أن المغرب "وجوبا" عليه أن يستقل بنفسه ويربح رهان "أمنه الغذائي والطاقي والصحي الضروري" حتى لا قدر الله وحصل أي مكروه ستجد البلد قد هيأ أرضيته وقام بإجراءاته الاحترازية اللازمة التي ستجنبه المكاره، وهي مناسبة أيضا للتفكير في تعويض جزء مما نستورده بالعملة الصعبة بمنتوجات محلية، فالأرض والسواعد المغربية بحمد الله موجودة بقي أن نحسن التوظيف والتخطيط لنكون في الموعد. وحسنا فعل ملك البلاد حين ذكر بأهمية تأمين الاحتياطات الاستراتيجية للبلد سواء تعلق الأمر بالاحتياطات المتعلقة بالغذاء أو الدواء أو الطاقة، وهي مستلزمات ضرورية لكي يأمن المواطن المغربي احتياجاته المستقبلية في هذا الزمن العصيب، حيث قيم الجشع والتسلط والاستغلال غير المنضبط للأخلاقيات هي العملة السائدة. وربما يكون مفيدا في هذا الصدد فعل المتعين فيما يخص إعداد وبناء الخزانات التي تسعف في "تخبئة" مستلزمات الحياة الأساسية تأمينا للاحتياجات المستقبلية، مصفاة تكرير لاسمير على سبيل الذكر مثالا حيا للخزانات التي كان بإمكانها أن تلعب دور "عجلة السكور" التي يستعان بها في انتظار نزول واستقرار أثمنة المحروقات دوليا، حيث بالإمكان الاستعانة بها أو بأمثالها في تخبئة المنتوج في لحظات الرخاء للاستعانة به في لحظات الشدة، في استعادة لنفس التجارب الثمينة التي لقنتنا إياه تجارب الأمهات مع الحياة.