يندرج هذا الحوار في سياق إعلان محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، «معاهدةالسلام» بين الدولتين، تحت رعاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. أثار هذا الإعلان جدلا واسعا في العالم العربيوالإسلامي، بين مؤيد ومعارض. وما زاد الجدل حدة وصخبا، إشادة العلامة الشيخ عبد الله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، «المسعىالإيجابي والخطوة السديدة الموفقة التي اتخذتها قيادتنا في دولة الإمارات العربية المتحدة»، وتثمينه حكمة محمد بن زايد،وسعيه من أجل السلام العادل والدائم في منطقة الشرق الأوسط. وقد علل الشيخ موقفه هذا باعتبار أن «المصلحة هي المعيارالشرعي لتصرفات ولي الأمر، والذي هو وحده المقدر للمصلحة والمحقق للمناط في ما يتعلق بالحرب والسلام والعلاقات بينالأمم»، وأكد أن هذه المبادرة «هي من الصلاحيات الحصرية والسيادية لولي الأمر شرعاً ونظاماً». وُوجه هذا التعليل الشرعي بنقد ساخر من رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ أحمد الريسوني، وكتب مقالة: «إسرائيل الكبرى وإسرائيل الصغرى»، حيث اعتبر أن الإمارات طبعت العلاقات مع إسرائيل، لأنها تخاف من «الثوراتالعربية»، ولمواجهتها استنجدت «إسرائيل». واصل الريسوني معركته ضد من سماهم «شيوخ المطبعين»، حيث اتهمهمبتحريف معاني القرآن، وأسلمة الفرعونية، ثم دعا إلى مقاطعة دولة الإمارات، لأنها اختارت الاصطفاف مع العدو الصهيوني. إزاء هذا الجدل الحاد بين علماء الشريعة حول علاقة «المؤسسة الفقهية» و«ولي الأمر» في قضايا السياسة الداخليةوالخارجية، يأتي هذا الحوار مع الدكتور أحمد كافي. بعد إعلان ما سمي «معاهدة السلام» بين الإمارات والإسرائيل، علق الشيخ عبدالله بن بيه، رئيس مجلس الإمارات للإفتاءالشرعي، بقوله إن المبادرة من الصلاحيات الحصرية لولي الأمر شرعا ونظاما. ما مفهوم ولي الأمر؟ ولي الأمر هو من يتولى أحوال جماعة المسلمين، ويدبر أمورهم. وتجد ذكره في النصوص الشرعية قرآنا وسنة باستفاضة. فهومن المصطلحات السياسية التي شاعت في كتب السياسة الشرعية. ومن هذه النصوص الآية القرآنية الشهيرة: ﴿يا أيها الذينآمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليومالآخر ذلك خير وأحسن تأويلا﴾ (النساء: 59). وقوله تعالى: ﴿وأولي الأمر منكم﴾ تنبيه ناطق إلى وجود ولي أمر ليس منا وولي أمر منا. لذلك تحدث العلماء عن هذا القيد: ﴿منكم﴾، وتساءلوا: ما هي معايير كونه منا أو ليس منا؟ وقد تركز كلامهم بالمختصر المفيد على أن ولي الأمر لكي يكون منا يجب أن ينضبط بضابطين عظيمين: الضابط الأول: أن نختاره ونقبل به، فمن لم نختره، فليس منا. ولهذا تجد في جميع كتب السياسة الشرعية أن الإمامة عند أهلالسنة والجماعة تكون بالاختيار من جماعة المسلمين، وبه فإننا نحن أهل السنة على خلاف قوي مع الشيعة في هذه القضية،لأننا في الوقت الذي نصر على أن الإمامة بالاختيار، يصرون على القول إن الإمام معين بالنص الشرعي. ونحن نقول: من عنده نص شرعي فليخرجه لنا. وهذا المعيار هو الذي عرضَّ مالكا رحمه الله تعالى للأذى من لدن حكام زمانه، لأنهم رأوا أن قوله طعن في ولايتهم. وهذا جليفي الفتوى التي طلبت منه: هل يجوز قتال الخارجين على الخليفة؟ فقال: إن خرجوا على مثل عمر بن عبد العزيز وجب على الناس أن يقاتلوهم ويمنعوهم من طغيانهم. فقال السائل: فإن لم يكن الخليفة مثل عمر؟ فقال مالك: دعهم ينتقم الله من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما. فرفض الدفاع عن ولي أمر ليس مثل عمر بن عبد العزيز، ولم ترتضه الأمة لنفسها ولم تختره، بل أفتى بأن يترك وظلمه للإمامةوللمسلمين، كي يواجه معرة تصرفه بنفسه مع الظالمين، ينتقم بعضهم من بعض. وكان من نضاله على المشروعية أيضا، رفضه أن يمسك عن التحديث بأن ليس على المكره طلاق ولا أي تصرف. قال أصحاب التراجم والسير: وكان قول مالك هذا زمن خروج محمد بن عبد الله بالمدينة. ففهم الحكام أن رأيه ضدهم. هذا الذي أتكلم فيه: الاختيار، لا أعلم عالما مؤتمنا يقول بخلافه. جميعهم يقولون: إن ولاية الأمر تنعقد بالاختيار الحر، لابالإكراه. فإن وقعت بالإكراه، فقد وقعت بإذعان الناس، أو ما يسمى عند أهل العلم: بحكم المتغلب. وقد قالوا بجواز هذا الولي من باب الضرورة، فإمامته تحت الضرورة هي مثل المحرمات التي تجوز عند الضرورة وتقدربقدرها، كالخمر والميتة ولحم الخنزير... وغيرها من أنواع المحرمات. وعلى الناس أن يجتهدوا ويبحثوا عن كيفية الخروج منحالة الاضطرار إلى حالة الوسع والاختيار إذا قدروا على ذلك بأقل الأضرار. الضابط الثاني: أن يتصرف ولي الأمر عندما نختاره على وفق المصلحة. لذلك، قعدوا لهذا المعيار بالقاعدة الفقهية: التصرفعلى الرعية منوط بالمصلحة. وهذه المصلحة ليست شيئا هلاميا يعرفه ولي الأمر دون غيره من الناس. المصلحة يعرفها الناس جميعا، وكذلك المفسدة. حتىقال علماؤنا: المصلحة فطرة مركوزة في النفس البشرية يعرفها حتى الصبيان، كما يؤكد ذلك العز بن عبد السلام في قواعدالأحكام. وإذا قال البعض: إننا لا نعرف هذه المصلحة، ونحن قاصرون عن إدراكها، فهذا طعن في ولاية ولي الأمر إن تولى باختيارنا،أفنكون عقلاء إذا وليناهم، ثم نفقد عقلنا عندما نوليهم؟! وحيث إننا لا نعرف هذه المصالح، فلا عقد يربطه بالجمهور، لأنهم ليسوا أهلا لإبرام العقد، إن فقدوا الأهلية وحسن التصرف. إن هذه المصلحة هي التي جعلت الأئمة وعلماء المسلمين وعامتهم يخلعون دولا، ويواجهون ولاة أمور، ويستبدلون بهم غيرهم. في جميع الدول الإسلامية تجد أنه تعاقب عليها حكام مختلفون. فمن خلع هؤلاء وأتى بغيرهم؟ لقد خلعهم العلماء، وكتبوا عقودالخلع. وهذه التجربة التاريخية في جميع الدول الإسلامية تؤكد ما ذكرناه. هل هذان الضابطان ينطبقان على ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد؟ خذ هذين المعيارين، فطبقهما، وأخبرني عن النتيجة المنطقية التي تأتي منهما عند التنزيل على ابن زايد أو ابن ناقص؟ في كتاب «تنبيه المراجع على تأصيل فقه الواقع»، يؤكد بن بيه أن الفقيه لا يتدخل في الشؤون السلطانية إلا من جهة تفسيرالنصوص، أما تحقيق مناطاتها في الواقع السياسي فهذا من صلاحيات ولي الأمر. ما رأيك؟ الجواب: لا توجد عندنا كسروية ولا قيصرية ولا فرعونية في الإسلام. ومعنى هذا القول: لا يوجد عندنا قبول من الناحيةالشرعية لشخص يستخف الناس ولا يعبأ برأيهم. هذا الفعل شنعه الإسلام، فقال: ﴿فاستخف قومه فأطاعوه﴾ [الزخرف: 54]، ﴿ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد﴾ [غافر: 29]. عندنا في الإسلام أنه صلى الله عليه وسلم، وهو المعصوم الموحى إليه، كان لا يستغني عن مشورة أصحابه، بل وكان ينزل عنرأيه لرأي أصحابه إذا اجتمعوا عليه ما لم يكن عنده وحي حاسم في الموضوع. فهؤلاء القائلون بهذه المقولة الاستبدادية، يخالفون القرآن الكريم والسنة النبوية وسيرته صلى الله عليه وسلم وسيرة الخلفاءالراشدين. ويريدون لعقول الأمة وخيارها أن يقبلوا الاستخفاف، وأن يطيعوا الفرعنة التي لا حد لاستخفافها وشررها. إن الأمة التي تحبل بالعلماء والمفكرين والمثقفين وأصحاب الرأي والمشورة... عارٌ أن تروج بينها هذه المقالات الفاسدة. وأنت إذا نظرت في الدولة العبرية الغاصبة أو الدول الغربية، ستجد أنها لا تضع بيضها في سلة حكامها، ولا ترى غضاضةفي محاسبتهم، بل تقدمهم للمحاكمة وهم يمارسون مهامهم. كالذي حدث أخيرا مع رئيس الإدارة الأمريكية ومحاكمته أماممجلس الشيوخ. فهل نحن أمة أقل مكانا ومكانة من احترام الآخرين لشعوبهم، حتى نقذف بالملايين من الجماهير أن تكون تحت رحمة وليٍّ أمربر أو فاجرٍ. إن عقود البيعة التي كان يبرمها العلماء مع الحكام كانت تنص على حقوق الراعي وعلى حقوق الرعية، وتعتبر من أخل بواجباتهفقد عرض العقد للفسخ والنقض. ولم تكن العقود المبرمة تتضمن هذه التفاهات التي تسحب آدمية المسلمين، وتستخف بعقولهم. المدافعون عن التطبيع، يعتبرون عالم الشريعة لا قدرة له على الإحاطة بأسرار السياسة الدولية ومتغيراتها، ليميز بين المصلحةوالمفسدة. فما هو مفهوم المصلحة والمفسدة من منظور شرعي؟ نعم، مجال السياسة الشرعية مجال المصالح والمفاسد بامتياز، والعلماء هم الذي أصلوا لهذه المعاني وقعدوا لها، وبينوا أنالمصلحة هي الاختيارات التي إذا أقبل الناس عليها أسعدتهم وحققت لهم منافعهم التي يبحثون عنها، وهي التي تشرئبأعناقهم إليها، وينادون بوجودها. وأن المفاسد هي عكس ما سبق. وكونها مجال الترجيح، لا يعني أن من كان ولي أمر للناس فرجح المفسدة سيستغفلنا بالقول: إن هذا مجال المصلحة والتقدير. فإن هذا مما ذمه الله تعالى وحذرنا من هؤلاء القالة المزورين، فقال تعالى: ﴿وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحنمصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون﴾ [البقرة: 11و12]. هؤلاء المجرمون يمارسون المفاسد، ويعرفون أنها مفاسد، ولا يملكون الشجاعة للاعتراف بهبلهم، فتجدهم هم أيضا يقولونويرفعون عقيرتهم: ﴿إنما نحن مصلحون﴾. وقد رفض القرآن منطقهم، وفضحهم، فقال: ﴿ألا إنهم هم المفسدون ولكن لايشعرون﴾. لقد فقدوا الشعور بأن الناس يضحكون ويسخرون من قولهم، لأن الذكي هو الذي يعرف أغراض الناس، ويحترم ذكاءهم. طيب، إذا اختلفنا في موضوع التطبيع الذي هو سبب النزول، فما العمل؟ الجواب: إذا ارتبكتَ في المعرفة، واختلف الناس في مثل هذه الأحداث، فانظر إلى هوى الشعوب، أين يتجه؟ انظر إلى حنقالشعوب ورفضها للتطبيع من المحيط إلى الخليج إلى المحيط الهندي إلى أوربا وأمريكا، وحيث يوجد المسلمون، تجدهمرافضين مستائين. وانظر إلى أزيد من 500 عالم من علماء المسلمين وقعوا على رفض التطبيع. وانظر إلى الضفة الأخرى التي أصدرت ورقة يتيمة ثم اختفت عن الأنظار، من معهم؟ قالوا قولا وهم غير قادرين على شرحه وإقناع الناس به، لأنهم يعلمون أن هذا القول منهم لا يقنع. لذلك، تجد عندهم مشكلةنفسية في الخروج للبيان والنضال من أجل أفكارهم، لأنها في الحقيقة ليست أفكارهم ولا قناعاتهم. هؤلاء الذين يلوون أعناق النصوص والقواعد الشرعية يتخذون قرارات ضد شعوبهم، وضد العلماء، والمثقفين، والمفكرينوالمناضلين، بل ضد الشعب الفلسطيني وحكام فلسطين الرافضين لهذه الخطوات ولمنطق أصحابها. فباسم من يتكلم هؤلاء؟ ولمصلحة من يعمل هؤلاء؟ الذي يعلمه الناس أن اليهود هم الذين قبلوا خطوات التطبيع، وفرحوا بها، ولم يقبل بها جمهور المسلمين الأعظم. إذن، هؤلاء يعملون لمصلحة اليهود، ويتكلمون باسمهم، ويستعينون على جريمتهم هذه بخنق حريات شعوبهم، ويسحبونالوطنية من المعارضين، ولا توجد ديمقراطية حقيقية ولا مزورة عندهم، ولا يوجد قضاء عادل، ولا يوجد أي شيء من معانيالكرامة الإنسانية التي ينعم الناس بها في كثير من الدول. حتى تعلم المصلحة السوداء التي يتكلم عنها هؤلاء، وأنها لغةالمنشار وملاحقة الأحرار. استدل الدكتور فاروق حمادة، رئيس جامعة محمد الخامس بأبوظبي، بصلح الحديبية لتأصيل معاهدة السلام بين إسرائيلوالإمارات. ما رأيك في هذا الاستدلال؟ فاروق حمادة ألف في السيرة النبوية كتبه، والتي منها: «مصادر السيرة النبوية وتقويمها»، «أضواء على البعثةالمحمدية»... وهو كذاب في ما ذهب إليه من التأصيل للأسباب الآتية: 1- هذا الموقف الجديد يعارض أقواله السابقة، ومواقفه التي كتبها في كتبه، وكان يصرح بها. فما الذي وقع؟ هل تراجع الرجلعن سابق أفكاره، أم إن منصبه الجديد أملى عليه أن يبحث لولي أمره عن المسوغ الذي يخفف حدة الهجوم عن خادمه، كماوصف نفسه في إهدائه لأحد كتبه إلى ابن زايد؟ 2- لأنه يعلم جيدا صلح الحديبية، وأنه دليل عام لا ينجد خيانته للقضية الفلسطينية. فهل اكتشف صلح الحديبية اليوم عندمااحتاج ولي الأمر إليه؟ أين كان فاروق عندما كان يكتب ضد اليهود، ويزيف مزاعمهم من القرآن الكريم والسنة والسيرةالنبويين؟ 3- لندخل إلى كشف هذا الزيف، بالقول: ماذا وقع في صلح الحديبية حتى يشبهه الرهط بالتطبيع مع اليهود؟ أولا: اليهود اغتصبوا الأرض، وجاؤوا من شتى أصقاع الأرض، من أوروبا الشرقية، وأمريكا، ومن كثير من الدول العربية فيإطار صفقات سياسية، ومن يهود الفلاشا... لذلك، كانوا يقولون عنهم: إنهم شذاذ الآفاق، لأنهم تنادوا تحت راية الصهيونيةكل واحد منهم قدم من موطنه الأصلي المخالف لغيره، وكل واحد منهم بلسان ولغة مخالفة. تنادوا مع كل هذه الاختلافات غيرالطبيعية إلى التجمع في أرض فلسطين واغتصابها. ويختلف اليهود عن جميع الاستعمارات التي تبتلى بها الدول بأن استعمارهم واغتصابهم إحلالي، أي أنهم جاؤوا لكي يحلوامحل الشعب الفلسطيني صاحب الأرض واقعا وتاريخا. فاحتاجوا لاغتصاب الأرض إلى طرد أهلها الذين يعرفون بعربالشتات، واحتاجوا إلى ارتكاب المجازر المهولة للتخلص منهم، واحتاجوا إلى طرد شعب من أرضه بالخيانة والغدر، وأن يحلواهم في داره. الاستعمار اليهودي هو الاستعمار الوحيد في الكون الذي جاء لكي يحل محل أصحاب الأرض الأصليين، وإن بارتكاب جرائمالحرب، فهو استعمار إحلالي. أما كفار قريش، فلم يستعمروا أرض المسلمين، ولا كانت الحرب معهم حول الأرض. القرشيون الكفار هم أصحاب الأرضالأصليون. ومحمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه يعدون القرشيين أهلهم وعشيرتهم وقومهم. فهم أعمامه وأصهاره وإخوانه... نشأ معهم، وتربى معهم، وسافر معهم، واشتغل معهم، وتاجر معهم... فلما بعث عليه الصلاة والسلام اختلف مع قومه حول الأفكار التي أتى بها. فلم يختلف معهم حول اغتصاب أرض، بل حولأفكار جديدة على قومه. ثانيا: ومن المفارقات العجيبة أن القرشيين لم يطردوا محمدا وأصحابه، بل خرجوا من غير رغبة قومهم القرشيين، وعملوا ما فيوسعهم أن يمنعوه من الهجرة، وناضل كفار قريش من أجل منع هذا الخروج من أرضهم، أرض الآباء والأجداد. بل ومن خرجمنهم على حين غفلة التحقوا به في بلاد الشام والحبشة للقاء ملوك تلك البلاد وزعمائها من أجل أن يسلموهم المسلمين لردهمإلى ديارهم. فكان عمل المسلمين شبيها بالنفي الاختياري الذي يختاره أصحاب الأفكار عندما يعانون مع قومهم. فهل اليهود قوم من المسلمين وعشيرتهم كما القرشيون مع محمد صلى الله عليه وسلم وأهله؟ وهل اليهود الغاصبون يلاحقونالفلسطينيين في البلدان من أجل استرجاعهم وإعادتهم إلى وطنهم؟ ثالثا: عندما صالح النبي صلى الله عليه وسلم كفار قريش، فقد صالح قومه وأهله، وعقد الصلح مع عشيرته، وعاد إلى ديارقومه. ولم يقل عاقل: إن هذا الصلح اعتراف منه عليه الصلاة والسلام للمغتصب باغتصابه. لأن الخلاف لم يكن حول اغتصابالأرض، كان الخلاف بين محمد وكفار قريش حول: الحرية في ممارسة كل واحد من الناس معتقده دون الحرب عليه. وانظرفي بنود صلح الحديبية تجد أن موضوع شروطها هو الحرية للمسلم ولغير المسلم في أن يختار من يختار الإسلام دون قهر،ومن يختار صف القرشيين فله الحق في ذلك دون لوم أو تضييق. أما مشكلتنا مع اليهود فليست الحرية منها بسبيل. مشكلتنا معهم حول اغتصاب الديار والمقدسات. فكيف تتصالحون معالمغتصب الذي لم يقبل إلا السلام فقط، ويرفض إرجاع المغصوب ورده. واليهود أعرف بموضوع المشكلة مع المسلمين من الكذبة الفجرة، فعندما بعثوا وفدهم لتقصي الحقائق قبل الهجوم، قال كبيرهمفي تقريره لإخوانه: «العروس جميلة، لكنها متزوجة». وعندما عارض المسلمون وعد بلفور، كان شعارهم: وعد من لا يملك لمن لا يستحق. أو: إعطاء من لا يملك، لمن لا يستحق. فما أبعد صلح الحديبية عن دليل القوم. وقد فضحتهم الحديبية، وبينت أن أحكامها تفضح ما يريدونه من الزور.