عن سن يناهز 96 سنة، انتقل إلى رحمة الله، اليوم الجمعة، المجاهد عبد الرحمان اليوسفي، الوزير الأول السابق، وأحد أبرز الوجوه، التي عرفها المشهد السياسي، والحزبي في المغرب منذ فجر الاستقلال. اليوسفي، الذي أعلنت اليوم، وفاته، كان قد نقل خلال فترة الحجر الصحي أكثر من مرة إلى المستشفى، وخلال الأسبوع الجاري، أصبحت وضعيته الصحية حرجة، أدخل على إثرها إلى العناية المركزة. وحول الموت، والحياة، قال اليوسفي في مذكراته: “ترعرعت في وسط عائلة متعددة الأبناء والبنات انتقلو كلهم إلى عفو الله، وكان آخرهم أخي إدريس، الذي توفي في يوليوز 1998، بينما بقيت أنا “أمارس فضيحة الحياة” رغم الأمراض، التي عانيت منها، حيث تم استئصال رئتي اليمنى، من خلال عمليتين جراحتين عام 1955 بمدريد، ونهاية الثمانينيات تم اكتشاف المرض الخبيث بي، حيث تم إزالة 25 سنتيمترا من القولون”. اليوسفي يعتبر أكثر زعيم سياسي ينطبق عليه وصف “المخضرم”، وبمعان متعددة، فقد أدرك في سنوات عمره المديدة عهود ثلاثة ملوك حكموا المغرب، بالإضافة إلى ملك رابع رأى النور في ظل حكمه. كما أنه نشط في مجالات عدة، متنقلا في المهن بين المحاماة، والصحافة، وفي النشاط السياسي من المقاومة، إلى العمل النقابي قبل الاستقلال، ثم المعارضة وللقصر بعده، كما تنقل جغرافيا إلى المنفى الطوعي مرارا خارج البلاد، ثم عاد لقيادة تجربة “التناوب”، التي توقفت قبل أن تكمل دورتها. المولد ولد اليوسفي في 8 مارس 1924 في حي الدرادب في مدينة طنجة، حيث عاش طفولته، لأبوين ينحدران من منطقة الفحص، والده “أحمد اليوسفي” ووالدته “فاطمة الفحصي”، كما تؤكد مذكراته في كتاب بعنوان “عبد الرحمان اليوسفي: أحاديث في ما جرى”، الذي أعده الكاتب مبارك بودرقة. المسار الدراسي والمهني تدرج اليوسفي في مسار دراسي، وتوجه بالحصول على الإجازة في القانون، ودبلوم الدراسات العليا في العلوم السياسية، ودبلوم المعهد الدولي لحقوق الإنسان. عمل محاميا، ثم أصبح نقيبا للمحامين في طنجة عام 1959، كما تولى مهام الكاتب العام المساعد لاتحاد المحامين العرب من 1969 إلى 1990، كما عمل بالصحافة، وتحمل مسؤولية رئاسة تحرير جريدة “التحرير” . النشاط السياسي بدأ اليوسفي نشاطه السياسي باكرا، حينما انتقل إلى مدينة الرباط للدراسة في ثانوية مولاي يوسف عام 1943، إذ انضم إلى حزب الاستقلال، وأسس خلية نضالية هناك، ليطارده الاستعمار في مدن عدة، قبل أن يستقر به الحال في الدارالبيضاء، حيث نشط في تنظيم الطبقة العمالية. شارك اليوسفي، لاحقا، في تنظيم، وإدارة حركة المقاومة وجيش التحرير، خصوصا بعد عزل الفرنسيين للملك محمد الخامس عام 1953. وبعد الاستقلال سيبرز نشاط اليوسفي المعارض، بمشاركته رفقة كل من المهدي بن بركة، ومحمد البصري، وعبد الله إبراهيم، وغيرهم في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المنشق عن حزب الاستقلال عام 1959. وأدى النشاط المعارض لليوسفي، نهاية الخمسينات، إلى تعرضه لسلسلة من الاعتقالات، والمحاكمات، رفقة زملائه، لاسيما مع محمد البصري عام 1959، ورفقة قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بتهمة التآمر عام 1963، قبل أن يعفى عنه لاحقا. المنفى والمحاكمات في عام 1965 غادر اليوسفي إلى فرنسا لتقديم شهادته في قضية اختطاف المهدي بن بركة، واختار بعدها المنفى في باريس طوال 15 سنة، حوكم خلالها غيابيا ضمن محاكمات مراكش (1969-1975)، وطلب المدعي العام بإعدامه. في صيف 1980، سيصدر حكم بالعفو عن اليوسفي، ما مكنه من العودة في العام ذاته إلى المغرب، ليعود إلى المشاركة الفعلية في قيادة حزبه “الاتحاد الوطني للقوات الشعبية”، الذي تحول إلى “الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية”، ويحمل مسؤولية المندوب الدائم في الخارج، وعضو المكتب السياسي. عام 1992، انتخب اليوسفي كاتبا عاما للاتحاد الاشتراكي، بعد وفاة عبد الرحيم بوعبيد، لكنه ما لبث أن استقال سنة بعد ذلك، احتجاجا على نتائج الانتخابات التشريعية، التي جرت عام 1993، ليعود صيف ذلك العام إلى فرنسا. حكومة التناوب سنتان بعد ذلك، سيعود اليوسفي مجددا إلى المغرب، مستجيبا لضغوطات زملائه في قيادة الحزب، ولرغبة الملك الحسن الثاني في إشراك المعارضة في الحكومة،إذ قاد اليوسفي حكومة التناوب انطلاقا من مارس 1998. في عام 2002، احتل حزب الاتحاد الاشتراكي المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية، لكن الملك قرر تعيين التقنوقراطي إدريس جطو على رأس الحكومة، الأمر الذي اعتبره اليوسفي خروجا “عن المنهجية الديمقراطية”، واعتزل العمل السياسي، وعاد مجددا إلى فرنسا. الانسحاب والعودة بعد توار عن الأنظار لسنوات، عاد اليوسفي إلى الحياة العامة بشكل جزئي، كما نشر في مارس 2018 مذكراته في كتاب بعنوان “عبد الرحمان اليوسفي: أحاديث في ما جرى” من إعداد الكاتب المغربي مبارك بودرقة. تدهورت صحة اليوسفي، خلال السنوات الأخيرة الماضية، نقل خلالها مرارا إلى المستشفى، وزاره الملك محمد السادس في إحداها.