أياما قليلة بعد الإعلان الرسمي عن تفاصيل “صفقة القرن”، التي حازت بموجبها إسرائيل اعترافا أمريكيا بشرعية احتلالها لجل الأراضي الفلسطينية بما فيها القدس؛ تسارعت التحركات الإسرائيلية الرامية إلى انتزاع اختراقات نوعية في علاقتها بمحيطها العربي، والحصول على اعترافات تثبت فعالية هذه الصفقة. وتزامنا مع إعلان لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي برئيس المجلس السيادي السوداني الفريق عبدالفتاح البرهان بأوغندا؛ جرى تسريب أنباء عن تحركات إسرائيلية مكثفة في واشنطن، لحمل الولاياتالمتحدةالامريكية على فرض نسخة مغربية عن صفقة القرن، تقضي بتطبيع المغرب لعلاقاته الرسمية بالدولة العبرية، مقابل اعتراف أمريكي بسيادة المملكة التامة على الصحراء. ونقل موقع “أكسيوس” الأمريكي، الذي يتمتع بمصداقية كبيرة، عن مصادره التي قال إنها أمريكية وإسرائيلية، قولها إن تل أبيب تسعى جاهدة إلى إقناع واشنطن بإبرام صفقة مع المغرب تقضي بالاعتراف له بالسيادة الكاملة على الصحراء، مقابل تطبيعه الكامل لعلاقاته بإسرائيل. وتعمل إسرائيل على استصدار مثل هذا الموقف الأمريكي في عهد الرئيس الحال دونالد ترامب، والذي سيخوض نهاية العام الحالي انتخابات رئاسية من أجل الحصول على ولاية ثانية. وعلى غرار المصلحة المتبادلة بين ترامب ونتانياهو من وراء إعلانهما “صفقة القرن”، حيث يساعد كل منهما الآخر في مواجهة تهديدات سياسية وقانونية داخلية تلاحق كلا منهما، قال موقع “أكسيوس” إن ما تسعى إليه إسرائيل يمثل فائدة مشتركة لكل من الملك المغربي ورئيس الوزراء الإسرائيلي، مدعيا أن الملك محمد السادس سوف يجني مكاسب سياسية كبيرة، في حال حصوله على الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، فيما سينال نتانياهو دفعة كبيرة إذا حصل على تطبيع من جانب المغرب، خاصة أن “الصفقة” المفترضة تتضمن قيام نتانياهو بزيارة رسمية يستقبل خلالها في المغرب. وتشير هذه الأنباء إلى أن إسرائيل لم تيأس من محاولاتها الأخيرة لاستدراج المغرب نحو التطبيع، مستخدمة أسلوبي الترهيب والترغيب، حيث كان دخول نتانياهو على خط الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى المغرب مستهل دجنبر الماضي، وحديث الإعلام الإسرائيلي عن انتقاله إلى البرتغال التي كان بومبيو فيها في طريقه نحو المغرب من أجل حثه على انتزاع التزام مغربي بالتطبيع مع الدولة العبرية، قد أدى إلى إلغاء الاستقبال الملكي الذي كان مبرمجا لبومبيو في الرباط. كاتب الدولة الأمريكي في الخارجية، مايك بومبيو، غادر المغرب الذي حلّ به يوم 5 دجنبر الماضي، دون أن يلتقي الملك محمد السادس، حيث كان استقباله داخل القصر الملكي ضمن جدول أعمال الزيارة الأولي الذي أعلنته الخارجية الأمريكية. ورغم حرص واشنطن على الخروج في تصريحات وبيانات لنفي وجود فكرة التطبيع هذه في أجندة الدبلوماسية الأمريكية تجاه المغرب، فإن التسريبات الجديدة تكشف استمرار الإصرار الإسرائيلي على انتزاع خطوة تطبيعية من المملكة. وجاء الإعلان عن هذه التحركات متزامنا مع تصاعد موجة الغضب الشعبي والسياسي في المغرب، ضد صفقة القرن التي أعلنت الأسبوع الماضي. غضب ينتظر أن يتم التعبير عنه بشكل عملي يوم الأحد المقبل، في مسيرة شعبية دعا إليها طيف واسع من الهيئات السياسية والمدنية المغربية. حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، وبعد التصريحات القوية التي أصدرها أمينه العام، رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، نهاية الأسبوع الماضي، أصدر، مساء أول أمس، بيانا رسميا يدعو من خلاله إلى المشاركة المكثفة في هذه المسيرة. وقال البيان إن هذه الدعوة جاءت انسجاما مع الموقف الثابت لحزب العدالة والتنمية في مؤازرة الشعب الفلسطيني في نضاله من أجل نيل حقوقه، “وعلى رأسها إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشريف”، و”تعزيزا لكل المبادرات الوطنية المتواصلة، الشعبية والرسمية، الداعمة للقضية الفلسطينية. وانخراطا منه في كل الأشكال النضالية التي ترمي إلى تجسيد الإجماع الوطني المناصر لهذه القضية”؛ ورفضا “لِما سُمي بخطة السلام في الشرق الأوسط ول”صفقة القرن”، في السعي إلى الإجهاز على ما تبقى من حقوق الشعب الفلسطيني، ودعما لإجماع مكونات الشعب الفلسطيني الرافض لهذه الخطة وتلك الصفقة”. وحث الحزب مسؤوليه ومنتخبيه وعموم مناضليه ومناضلاته إلى المشاركة بكثافة وقوة وفعالية في المسيرة التضامنية مع الشعب الفلسطيني التي أعلنت عنها عدد من التنظيمات المدنية والحقوقية والنقابية، والتي ستنظم يوم الأحد المقبل انطلاقا من ساحة باب الأحد بالرباط. فيما قال البيان الصادر عن الهيئات الداعية إلى المسيرة، إنها جاءت تعبيرا من الشعب المغربي “عن رفضه القاطع والمطلق لما يُسمى صفقة القرن؛ وتنديده بمخطط ترامب/نتنياهو”. وأضاف النداء أن هذه الصفقة تستهدف تصفية القضية الفلسطينية “وجعل القدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، والقضاء على المقدسات الإسلامية والمسيحية بفلسطين، والإجهاز على الحقوق الوطنية لأصحاب الأرض الشرعيين في العودة، وفي إقامة الدولة الفلسطينية، وذلك بتواطؤ مع بعض الأنظمة العربية العميلة، وعلى أساس منطق القوة”.