كشفت دراسة جديدة استمرار فصول ومشاهد العنف الممارس ضد أعضاء هيئة التعليم بالمغرب، وأظهرت نتائجُ بحث ميداني شمل 9038 مشاركا ومشاركة من الهيئة التعليمية، على الصعيد الوطني، تشخيصا موضوعيا للعنف الممارس في الوسط المدرسي، والموجه تحديدا ضد الأساتذة، قبل أن تكشف معطياته طبيعة هذا العنف المتصاعد من التلاميذ ضد مربيهم، متحدثة عن أسبابه، كما طالبت الدراسة بتنفيذ توصيات من شأنها أن تحد من هذه الظاهرة الخطيرة، ومنها مطالبة أزيد من 88 في المائة من المشاركين الذين تعرضوا للعنف الجسدي، السلطات، بوضع كاميرات للمراقبة لتفادي تعنيفهم داخل الأقسام وفي محيط المؤسسات التعليمية، والذي تؤكد الدراسة أنه غير مؤمن. نتائج البحث الميداني الذي قدم نتائجه رشيد شاكري، نائب رئيس منظمة التضامن الجامعي المغربي، ومنسق الفريق العلمي الذي أنجز البحث الميداني، في ندوة صحافية يوم الجمعة الماضي، أظهرت أيضا أن مرتكبي العنف الجسدي في السلك الابتدائي هم، في المقام، الأول الآباء والأمهات والأولياء، في حين أن تلاميذ الثانوي الإعدادي والتأهيلي هم أكثر الفئات التي ارتكبت هذا العنف، مؤكدة أن أغلب حالات العنف اللفظي وقعت داخل المؤسسات التعليمية، فكلما تعرض المشاركون للعنف الجسدي، إلا وكانوا ضحية للعنف اللفظي بنسبة 80.3 في المائة. وذكرت الدراسة ذاتها أن 46.5 في المائة من المشاركين تعرضوا لحالة عنف واحدة على الأقل (لفظي أو جسدي أو تحرش( خلال مسارهم المهني، وكلما ارتفع عدد تلاميذ الفصل، ازداد عدد حالات العنف، وكلما كانت العلاقة جيدة بين الأساتذة والطاقم الإداري، غابت حالات العنف بنسبة 63 في المائة، وكلما كان محيط المؤسسة التعليمية مؤَمَّنا، انخفضت نسبة العنف من 65.5 في المائة لتصل إلى 34.5 في المائة. كما أن 47.7 من المشاركين الذين تعرضوا للعنف (لفظي أو جسدي أو تحرش) بلغوا عنه، و36 في المائة من المشاركين الذين تعرضوا للعنف سلكوا المساطر القانونية. وحسب نتائج الدراسة، فإن الإجراءات ذات الطابع القانوني، والمتمثلة في صياغة قوانين لحماية الهيئة التعليمية، شكلت معظم اقتراحات المشاركين، بنسبة 89 في المائة من المستجوبين، لتتجه أغلب اقتراحاتهم إلى المجال التربوي، كتطوير الأنشطة الموازية بالمؤسسة، وتشجيع التواصل الداخلي والخارجي، ومراجعة المضامين. ويمثل الذكور في الدراسة، التي توزعت عينة بحثها على 61 إقليما على الصعيد الوطني، ما يقارب ثلثي المشاركين بنسبة 62.4 في المائة من العينة، فيما تمثل الإناث أكثر من الثلث بنسبة 37.5 في المائة، ولم تتجاوز نسبة الأساتذة المشاركين في الدراسة، الذين يدرسون أقساما بها أقل من 30 تلميذا، 8.7 في المائة، في حين تصل نسبة المشاركين في البحث الذين يدرسون أقساما بها 40 تلميذا أو أكثر، إلى 64.2 في المائة. وكشفت دراسة العنف ضد أعضاء هيئة التعليم أن 52.2 في المائة من المؤسسات التعليمية لا تتوفر على قاعة للأنشطة، وأن 46.5 في المائة من المؤسسات التعليمية محيطها غير مؤمن، مؤكدة ضرورة تأمين محيط المؤسسة، وتطوير العلاقات بين الفاعلين التربويين والتلاميذ داخل المؤسسة التعليمية. وأظهرت النتائج المثيرة أن العلاقة بين المدرسين في الوسط المدرسي غير جيدة بنسبة 40 في المائة، مؤكدة أيضا أن العلاقة بين المدرسين والتلاميذ في الوسط المدرسي غير جيدة بنسبة 67 في المائة، معلنة أن 7.5 في المائة من المشاركين كانوا ضحية عنف جسدي بمؤسساتهم أو بمحيطها مرة واحدة على الأقل خلال مسارهم المهني، وأن 8 في المائة من حالات العنف الجسدي سجلت داخل المؤسسات التعليمية، وأن 17.5 منها وقعت بمحيطها، وأن 33 في المائة ممن تعرضوا للعنف الجسدي كانت لديهم حاجة إلى مساعدة طبية أو دعم نفسي لتجاوز آثار هذا العنف. كما كشفت الدراسة أن 13 في المائة من المشاركين في بحث العنف تعرضوا للتحرش الجنسي مرة واحدة على الأقل خلال مسارهم المهني، وأن 6 في المائة من المشاركين تعرضوا للتحرش الإلكتروني مرة واحدة على الأقل خلال مسارهم المهني. وطالبت دراسة التضامن الجامعي، السلطات، بالعمل على صياغة مواثيق وقوانين لحماية نساء التعليم ورجاله من العنف بمختلف أشكاله، وإحداث مناصب للمرشدين النفسيين والاجتماعيين بالمؤسسات التعليمية، لضمان تأطير وقائي استباقي، تفاديا للعنف في الوسط المدرسي. كما أكدت توصيات البحث الميداني حول العنف ضد أعضاء هيئة التعليم، ضرورة تحيين قاعدة المعطيات الخاصة بالعنف الموجه ضد الهيئة التعليمية، وتفعيل الحياة المدرسية، من خلال الأنشطة الرياضية والتربوية والثقافية بالمؤسسات التعليمية، وفرض إلزاميتها ضمن المنهاج الدراسي، وفق حصص ومواد دراسية. ودعت الدراسة أيضا إلى تخفيف عدد التلاميذ في الأقسام التعليمية، في حدود ثلاثين تلميذا على الأكثر، والعمل على وضع نموذج لتصميم بناية المؤسسات التعليمية، وفق معايير تراعي الموقع الآمن، والتوفر على المرافق الضرورية، ومنها قاعة الأنشطة. كما طالبت الدراسة، في توصياتها للحكومة، بالتدقيق في القوانين والمساطر التنظيمية التي تنظم سير العمل بالمؤسسات التعليمية، وتحدد اختصاصات العاملين بها ومهامهم، مع ضمان حسن تطبيقها، وكذلك، مراجعة القوانين الداخلية للمؤسسات التعليمية، وتوعية الفاعلين بالمؤسسة بمضامينها، مع إعادة النظر في أدوار مجالس المؤسسة ومنحها الصلاحيات التقريرية. كما أكدت الدراسة أيضا ضرورة تأهيل جمعيات آباء التلاميذ وأمهاتهم وأوليائهم لتكون شريكا فعالا في التخفيف من العنف في الوسط المدرسي، وتأطير أعضاء الهيئة التعليمية وتكوينهم في المجال التواصلي، وتدبير النزاعات بالطرق التربوية. وطالب معدو الدراسة بتعزيز أمن المحيط المدرسي، بتخصيص فرق أمنية لحماية المؤسسات التعليمية، وإشراك المنظمات والهيئات المختصة في مجال العنف في الوسط المدرسي في التخطيط والتنفيذ والتتبع والتقييم عند بلورة المشاريع ذات الصلة، كما أكدوا ضرورة ضبط زيارات الآباء والأمهات للمؤسسات التعليمية، وتحديد اتصالهم المباشر بالإدارة والأساتذة وفق قوانين منظمة وملزمة، واستثمار وسائل الاتصال الحديثة لتشجيع التواصل مع الآباء والأمهات والأولياء، وكذا بين مختلف الجهات الفاعلة بالمؤسسات التعليمية. ودعت الدراسة في الأخير إلى إحداث هيئة للوساطة وفض النزاعات بين الفاعلين التربويين في الوسط المدرسي.