خلال العقدين الأخيرين يتواصل الخط التصاعدي، لإقبال الطلبة المغاربة على جامعات أوروبا الشرقية، بشكل ملحوظ كغيرهم من الطلاب في الكثير من الدول السائرة في طور النمو، لأسباب واضحة متعلقة، أساسا، بالسمعة الطيبة التي تحوزها جامعات هذه الدول في العالم، وكذلك، المستقبل المهني الذي يمكن أن يبنيه الطالب بتلك الدول. وأخيرا، لتكلفتها “المعقولة” و”المنخفضة”، مقارنة مع جامعات أوروبا الغربية أو الولاياتالمتحدةالأمريكيةوكندا أو أسترالياوبريطانيا، التي تعتمد نظام الدراسة غير المجانية، وهو ما يضع هذه الدول على خط منافسة حقيقية لاستقطاب طلبة المغرب وشمال إفريقيا بشكل خاص. وتحل الجامعات الأوكرانية في مقدمة جامعات أوروبا الشرقية التي تثير شغف الطلبة المغاربة الحاملين لشهادة الباكالوريا وما فوقها لمتابعة دراستهم الجامعية، نظرا إلى صيتها والرتب المشرفة التي تحتلها بعض جامعات البلد على المستوى العالمي، وهو ما يعتبره حسن المرضي، “مسألة طبيعية، نظرا إلى الأهمية التي توليها الحكومة الأوكرانية للبحث العلمي والأكاديمي الهادف إلى صناعة نخب المستقبل”، مشيرا إلى أن: “جامعة كارازينا على سبيل المثال، أنجبت ثلاثة علماء ممن حصلوا على جوائز نوبل – ميتشنيكوف في البيولوجيا، وكوزنيتس في الاقتصاد، ولانداو في الفيزياء”. وأضاف المرضي، رئيس جمعية “ديما مغرب”، التي تعد واحدة من الشركات الطلابية، التي تسهل عملية ولوج الطلبة المغاربة إلى جامعات أوروبا الشرقية، وتتولى مهمة مرافقتهم الجامعية، موضحا أن “أوكرانيا خصصت مدينة خاركوف لتكون حاضنة لأزيد من 30 جامعة ومعهدا عاليا في مختلف التخصصات المتاحة للطلبة الوافدين، فعلى عكس المغرب، نقط الباكالوريا ليست معيارا بالنسبة إلى الجامعات الأوكرانية من أجل تحديد المسار المهني للطالب، بل إن هذا الأخير يملك حرية اختيار التخصص الذي يريده ويراه ملائما”. وبخصوص القيمة المالية لتكاليف الدراسة في أوكرانيا والتخصصات التي يقبل عليها الطلبة المغاربة بشكل أكثر، يقول المرضي، في تصريحه ل”أخبار اليوم” أن المبالغ التي تضعها دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابقا، معقولة جدا ولا تتجاوز سقف 30 ألف درهم خلال السنة التحضيرية الأولى، وتشمل واجبات الدراسة والسكن والتأمين، عكس دول أوروبا الغربية بما فيها إسبانيا أو فرنسا الأقرب جغرافيا، والتي تتراوح تكاليفها ما بين 100 ألف درهم إلى 200 ألف درهم، الأمر الذي تستصعبه الكثير من الأسر المغربية خاصة المحدودة الدخل، والتي تسعى إلى تحصيل مثمر لفلذات أكبادها”. وقدّر المرضي، الذي تخرج من المعهد العالي للصيد البحري بأستراخان الروسية قبل 30 سنة، عدد الطلبة المغاربة بمدينة خاراكوف فقط، خلال السنة الدراسية الفائتة، ب 7000 طالب يتوزعون بين التخصصات المرتبطة أساسا بطب الأسنان بالدرجة الأولى والطب العام، الصيدلة، والهندسة بمختلف أشكالها، في الوقت الذي يلتحق الأدبيين منهم بشعب الفنون والعلوم السياسية والترجمة بالأكثر، مشيرا إلى أن الجامعات الأوكرانية أنجبت أكثر من 40 ألفا من الأطر المغربية منذ سبعينيات القرن الماضي في تخصصات مختلفة، وذلك من خلال العمل باعتماد العقد ثلاثي الأطراف الذي يبرم بين الجامعة والطالب والشركة الوصية، والتي تتكلف بجلب الطالب إلى هذا البلد وتكون المسؤولة عنه منذ بداية مساره الدراسي حتى التخرج والحصول على الشهادة”. وذكر تقرير نشرته صحيفة” فرانكفورت الألماينه” السنة الماضية، أن الطلبة الوافدين من المغرب والدول المغاربية، على جامعات دول أوروبا الشرقية، في تزايد مستمر ويتحدرون بالأساس من فئات الطبقات الوسطى والميسورة والنخب، كما أنهم يلتحقون بدراسة الطب والزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بالأكثر، في حين كان الاهتمام في وقت سابق يتركز على دراسة تخصصات القانون والتاريخ والعلاقات الدولية. وعلى غرار أوكرانيا، فإن الجامعات الروسية، وعلى رأسها موسكو وبيترسبورغ وديرشافين في تامبوف (وسط روسيا)، تتبوأ بدورها مكانة متميزة لدى الطلبة المغاربة. فبحسب تصريح سالف لوزيرة التربية والعلوم الروسية أولغا فسيليفا، فإن بلادها تسعى إلى مضاعفة عدد الطلبة الأجانب البالغ، حاليا، 272 ألفا، ثلاثَ مرات خلال السنوات العشر المقبلة، وتضع في صلب استراتيجيتها الدول العربية والمغاربية، وهو ما ثمنه المرضي في تصريحه ل”أخبار اليوم”، مشيرا إلى أن الدولة الروسية تعتبر الطلبة الأجانب الوافدين على جامعاتها بمثابة “استثمار مربح، وعملة صعبة تستقطبها لبلدها وتسحبها من الولاياتالمتحدةالأمريكية، بريطانيا، كندا وعدد من دول أوروبا الغربية، ما يجعل المنافسة محتدمة في هذا الشق”. ويقدر متوسط تكلفة الدراسة في جامعات روسيا، بحسب استطلاع أجرته “أخبار اليوم”، على عدد من الشركات الطلابية التي تقوم بدور الوسيط، ب50 ألف درهم، أي ما يعادل نصف التكلفة التي تتطلبها الدراسة في جامعات أوروبا الغربية، وأكثر بنسبة لا تتجاوز 30 في المائة، مقارنة مع جامعات أوكرانيا. وفسر المرضي هذا الإقبال المتزايد على الجامعات الروسية والأوكرانية بالضبط، نظرا إلى التسهيلات البيداغوجية والأكاديمية التي تقدمها، أيضا، جامعات هذه الدول للطلبة، على غرار إمكانية الدراسة باللغة الفرنسية التي لا يجيدها إلا 2 بالمائة في البلد، أو الإنجليزية التي يتحدثها فقط، 20 في المائة تقريبا، وذلك بحجة أنه سيربح سنة كاملة وهي السنة التحضيرية، فيما توفر الدول ذاتها إمكانية استثمار ذات السنة التحضيرية التي تعتبر أساسية لتعلم لغة البلد الرسمية الروسية أو الأوكرانية، وتاريخ وحضارة هذه البلدان بأثمان رمزية، وأحيانا مجانية على يد أساتذة ناطقين بها. وفي تصريح ل”أخبار اليوم” وصفت صفاء باهمو، الطالبة بالجامعة الوطنية للعلوم الصيدلية بخاراكوف، سمعة الطلبة المغاربة الوافدين إلى البلد ب”الطيبة نظرا إلى تفوقهم الدراسي واللغوي وقابليتهم للانسجام مع المجتمع الروسي أو الأوكراني بسهولة ملحوظة” مضيفة: “أن التحدي أمام الطالب المغربي القادم إلى أوروبا الغربية هو قدرته على الالتزام الكامل، أمام مغريات الحياة والحرية المتاحة هنا، الكثير ينجحون، ولكن للأسف نسبة مهمة تذهب إلى الانحراف أمام المغريات المتاحة هنا، إذا لم يكن الطالب تحت تأطير أحد المكاتب الطلابية، أو عائلته على الأقل”. وتابعت صفاء، التي توشك على إنهاء سنتها الثانية قائلة: “إن الطالب (ة) المغربي (ة) هنا في وضعية تعلم مستمر، السنة التحضيرية الواحدة بطبيعة الحال لن تكفي للتمكن من اللغتين الأوكرانية أو الروسية، بل فقط، لتعلم أسسها ومبادئها، من أجل التواصل مع محيط المؤسسة التعليمية وتسهيل متطلبات الحياة اليومية، ليبقى الرهان الأكبر إن لم أقل المعيق الأول للطلبة من أجل التحصيل، هو التمكن منها فعليا والحضور المنتظم والمستمر لممارستها داخل الفصول بالموازاة مع دراسة التخصص، قبل أن يصل إلى مرحلة كتابة بحث نهاية المشوار الدراسي سواء تعلق الأمر بمستوى نيل شهادة البكالوريوس، شهادة الماجستير أو شهادة الدكتوراه”. المبدأ نفسه يتفق معه أمين المتحدر من مدينة بني ملال، والذي اختار تصويب بوصلته صوب أوروبا الشرقية، من أجل استكمال دراسته في تخصص البيطرة قائلا: “أنا من عائلة متوسطة، وتكاليف الدراسة في فرنسا مكلفة جدا، هذا طبعا السبب الرئيس الذي دفعني إلى البحث عن جامعات تضم تخصصي في أوكرانيا. الظروف هنا جيدة بالنسبة إليّ، خاصة بعد تمكني من لغة البلد خلال السنتين الماضيتين.. أحس بانتماء غريب إلى هذا المجتمع”. وبخصوص تكلفة العيش يقول أمين إنها “غير مكلفة أبدا، إذ نقيم تجمعات طلابية مغربية، ونعيل بعضنا ونهتم ببعضنا البعض، ففي النهاية نحن مغاربة، زيادة على ذلك نطبخ سويا. يعني تقريبا الواحد منا تكفيه 3000 إلى 5000 درهم شهريا، حسب الحالة الاجتماعية لكل أسرة، ولكن على العموم الحياة هنا غير مكلفة بتاتا، والحكومة الأوكرانية توفر لنا الكثير من المتطلبات بأثمنة رمزية”.