في الوقت الذي يتشبث فيه حزب العدالة والتنمية بمبدأ الوفاء للحلفاء، ويتحفظ قياديوه على الرد بالمثل على الإساءات التي تصدر عن بعض قيادات حزب التجمع الوطني للأحرار عن سابق إصرار وترصد، وبينما العدالة والتنمية يحرص على التنزيل الأخلاقي لميثاق الأغلبية والتحالف ويحتكم إلى ممارسة السياسة بأخلاق دون الطعن في الحلفاء، فإن قيادة «الحمامة» لا تتورع عن قصف الحزب الذي يرأس الحكومة، والتي يشاركون فيها ويدبرون قطاعات وزارية مُهمّة. إن الحديث عن تقييم الوازع الأخلاقي لحزب معين لا يُمكن أن يتم إلا من طرف أهل البيت والعارفين بخباياه، ذلك أن الوازع الأخلاقي هو منظومة متكاملة ورؤية مجتمعية ورسالة قيمية ومجموعة من المبادئ المؤسساتية، التي لا يُمكن الحُكم عليها بناءً على تصرفات فردية لأعضاء ينتمون إلى هذا الحزب مهما كانت مراتبهم داخله، وإن الحديث عن انهيار الوازع الاخلاقي لحزب العدالة والتنمية هو ضربٌ من وحي الأماني. كَثُر الحديث مؤخراً عما أطلقَ عليه ثماني سنوات من تدبير العدالة والتنمية من طرف بعض المنابرالصادرة من محبرة واحدة، ويا للعجب تصدُر هذه المرة من حليف المُفترض فيه احترام حليفُه، في محاولة مكشوفة لتغليط وتأليب للرأي العام على العدالة والتنمية، إذ إن تقييم حصيلة أداء الحزب على رأس الحكومة للولاية الأولى (خمس سنوات)، قد تم خلال محطة السابع من أكتوبر 2016، وبوّأ فيه الشعب «المصباح» الرتبة الأولى وحصد 125 مقعدا برلمانيا في نتيجة هي الأولى تاريخياً في المغرب، نتيجة حصل عليها الحزب ليس كونه حزب رجال الأعمال أو خرج من دواليب السلطة والإدارة، بل حزب رأسماله ثقة المواطنين. فبعد حُكمهم على الخمس سنوات الأولى، والتي أعطت العدالة والتنمية نُقطة «حسن جدا»، مع تنويه وتوصية بطبع التجربة في مجلدات، فإن المغاربة اليوم، ينتظرون حصيلة نصف الولاية من التدبير، والتي سيتقدم بها دستوريا السيد رئيس الحكومة أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه، وسيتم الحديث عن كل قطاع ماذا قدم للمغاربة بما فيه القطاعات «المهمة» التي يشرف عليها وزراء «الحمامة». إن أساس الكفاءة التي ينتظرها المغاربة في تدبير شؤونهم، هو المعقول ولهذا اختاروا من بين كل الأحزاب الموجودة، حزب العدالة والتنمية، لضمانهم أن هذا الحزب يتوّفر على المعقول وليقينهم بعدم حاجتهم إلى نموذج يجمع بين المال والسلطة في التدبير، على اعتبار أن هذا النموذج أثبت فشله الذريع في عدد من البلدان، بل الأدهى والأمر أنه أذن بخراب على السياسة والمجتمع. إن الحُكم على الفشل في تدبير شؤون المغاربة من عدمه، هو من حق الشعب وحده، والشعب قد قال كلمته وجدّد ثقته في العدالة والتنمية في استحقاقين على التوالي سنتي 2015 و2016، ومادام الوافد الجديد على رُدهات البرلمان يعتبر العدالة والتنمية فاشلاً، فإنني أدعوه بصفته البرلمانية إلى الدّفع بملتمس الرّقابة لسحب الثقة من الحكومة وإن لم يستطع، وهذا الأكيد، أن يكون واضحاً ومنسجماً مع تصوراته ويطالب حزبه بالانسحاب من الحكومة. طبعاً، لا يفوتني أن أذكّره أن حزبه هو جزء من هذه الحكومة والحكومات السابقة ولو كانت الحكومات التي شاركوا في تسييرها (ولحسن الحظ لم يترأسوها يوماً) قامت بالنُّزُر اليسير، واهتمت بالبنى التحتية والإصلاحات الهيكلية لما ظلت المشاكل التي يتحدث عنها في الصحة والتعليم عالقة حتى مجيءالعدالة والتنمية. إن أبشع ما يمكن أن يقوم به أي سياسي، هو أن يعمل على استغلال بعض الأحداث ويُحاول «الركمجة» لأسباب حزبوية ضيقة، أما إذا كان الرّاكب على الموج هو صانعه، فلعُمْري لم أرَ قطُّ، إفلاساً سياسياً أكثر من هذا. أنسيَ حليفنا أن وزراء الاقتصاد والمالية المتعاقبين على الأقل منذ 2014 كلهم من حزبه. أنسيَ أن وزير الصناعة والتجارة هو زميلٌ له في المكتب السياسي؟! اليقين أن صاحبنا لم ينسَ قطُّ ذلك، لكنه يفتقر كل الفقر للشجاعة والأخلاق السياسية ولا يملك ذرَّة وقار، لكنه في المقابل يمتلك «جَبْهةً» عريضة للمُناورة والتملص من المسؤولية التي ينبغي أن يتحلى بها أي سياسي، خصوصا من موقع التدبير والتحالف الحكومي. إن حزب العدالة والتنمية وهو يُمارس السياسة، فإنه يجتهد ما أمكن في هذه الممارسة، مُستحضراً أن السياسة أخلاق ووفاءٌ بالعهود والوعود وحرص تام على الالتزام السياسي والأخلاقي، وأن المغاربة ينتظرون من النخب السياسية والحزبية، بالإضافة إلى تحقيق إنجازات اقتصادية واجتماعية وسياسية تنعكس إيجاباً على قدرتهم الشرائية وواقعهم اليومي، تخليق الخطاب السياسي وخلق جو يكرس الثقة في المؤسسات والفاعلين والنخب السياسية، لا أن ينفرها بخطابات جوفاء وتصريحات متناقضة هنا وهناك. ختاماً، إن الذي عليه الاعتذار من جميع المغاربة هو حزب التجمع الوطني للأحرار لعدة أسباب، أهمها أنه ضيَّع ستة أشهر من عُمُر المغرب والمغاربة بسبب «البلوكاج»، وهي الفترة التي كان من الممكن استثمارها اقتصاديا واجتماعيا وتسريع وتيرة الإنجازات، ولأنه أخطأ في حقّ المغاربة ولم يحترم الإرادة الشعبية، وما أفرزته الديمقراطية وصناديق الاقتراع. وعليه الاعتذار لأنه لم يتحمّل المسؤولية في عدد من القضايا التي لقيت رفضاً شعبياً. وعليه الاعتذار لأنه لم يكن في مُستوى تطلعات ناخبيه، ولأنه يركب على مآسي ومشاكل فئات عريضة من المجتمع لتصفية حسابات سياسية صرفة.