تكاثرت التخمينات حول أسباب إعفاء محمد بوسعيد من منصبه في وزارة المالية. ورغم أن بلاغ الديوان الملكي لم يوضح الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار، إلا إن تفسيرا ذهب إلى أنه جاء مباشرة بعد خطاب العرش ليعطي إشارة إلى رغبة الدولة في تفعيل، (وإن بشكل جزئي وربما انتقائي) لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، لاسيما بسبب الصورة السلبية التي يحملها الرأي العام عن هذا الوزير بعد وصفه للمقاطعين بالمداويخ، علاوة على أن رائحته "أعطت" في قضية خدام الدولة، وأيضا في الأشهر الأخيرة في قضية شبهة "تضارب المصالح" الخاصة بتعديل قانون المالية لخدمة صديق له في الحكومة. هذا النقاش الذي تدور مجرياته في وسائل التواصل الاجتماعي بدل المؤسسات المنتخبة، هو تعبير عن نقاش عمومي صحي يساهم في توسيع انخراط المواطن- وإن بشكل غير مباشر- في النقاش السياسي. ففي ظل ضعف المؤسسات والإعلام المستقل يبدع المواطن أشكالا للتعبير، وضمنها فضحه لقضية خدام الدولة وقضية تعديل قانون المالية لتفويت امتيازات لشركة خاصة، وهو ما سرع في إنهاء المسار السياسي لهذا الوزير (على الأقل حاليا). في حالة وزير المالية السابق، ظهرت شبهة تضارب المصالح في كون قانون مالية 2018 أدخل تعديلا جديدا يعفي تفويتات الأسهم وحصص الشركات من أداء 4 في المائة من العملية إلى خزينة الدولة. طبعا يمكن التساؤل ما إذا كان هذا الاعفاء الضريبي تحمل أهدافا ذات طبيعة اقتصادية أو اجتماعية مثل تشجيع تشغيل الشباب أو حماية الفئات الهشة، ولكن لا يبدو أن المواطن البسيط أو المقاولات الصغرى استفادت من هذا الامتياز، ويبقى المستفيد الأساسي هي الحيتان الكبيرة التي تهيمن على مفاصل الاقتصاد الوطني. إذا أضفنا إلى ذلك أن مالك شركة "سهام" المعنية بقرار الإعفاء هو وزير في الحكومة الحالية وتربطه علاقات حزبية مع وزير المالية بحكم انتمائهما لنفس الحزب، فإن التساؤل عن شبهة تضارب مصالح يبقى مشروعا. ورغم أن المبلغ يدفعه المشتري وليس البائع، إلا أن الإعفاء قد يكون أحد عناصر التفاوض بين الشركتين قبل التوقيع على العقد. فقد ضيع هذا الإعفاء حوالي 400 مليون درهم عن خزينة الدولة، وهو ما يُمَكن من بناء أربع مستشفيات للقرب. وبغض النظر عن هذه الحالة، فإن هذا الموضوع يبقى إحدى القضايا التي لم تعرف تطورا على مستوى السياسات العامة. فرغم أن الدستور المغربي يشير في المادة 36 صراحة إلى أن القانون يعاقب على تعارض المصالح واستغلال النفوذ والامتياز، إلا أن قانون تعارض المصالح لم يعرف النور لحد الساعة، ومن ثمة لا زالت هناك إمكانية لتعارض المصالح في ظل غياب ميكانيزمات لتفعيل هذا المبدأ وتحديد الجزاء في حالة عدم التبليغ. هذا دون الحديث عن الدور المفترض الذي يلعبه مجلس المنافسة في هذا المجال والذي لا زال معطلا رغم دعوات تفعيله، وهذا يظهر أن الدولة ليست لديها الرغبة والإرادة الكافية لتفعيل لمبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة بشكل شامل، رغم تأكيد الخطابات الرسمية على هذه المسألة. وبالإضافة إلى كونها مبدءا دستوريا مهما لتعزيز الشفافية والتنافس، فإن وضع قانون تضارب المصالح هو أحد المداخل الأساسية لتنشيط الاقتصاد الوطني، حيث يسمح التنافس الشريف والتساوي أمام القانون بتحسين جودة الخدمات والمنتوجات ويعزز الثقة في الاقتصاد الوطني، وما لم تتعامل الحكومة مع هذا الموضوع بشكل صارم وشامل، فإن الخطابات الرسمية حول ربط المسؤولية بالمحاسبة ستبقى حبرا على ورق ولن تستطيع القطع مع الأسباب التي أدت إلى فشل "النموذج التنموي".