في واقعة مثيرة، خضعت الحكومة وأغلبيتها، يوم الخميس الماضي، لمطالب الباطرونا، وسحبت مشروع قانون "التكوين المستمر"، من الجلسة العامة بمجلس المستشارين، حيث كان يجري الاستعداد للمصادقة عليه، ليعرض من جديد على لجنة التعليم التي سبق أن صادقت عليه. الأغلبية في الغرفة الثانية تفككت والحكومة لزمت الصمت، في مشهد أربك الجميع. فخلال الجلسة العامة، تدخل عبد الإله حفظي، رئيس فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب في الغرفة الثانية، وطلب إعادة النص إلى اللجنة، وتحفظ على المصادقة عليه. ساد صمت قبل أن يطلب عبد العالي حامي الدين، رئيس لجنة التعليم، نقطة نظام، طلب خلالها التعرف على "موقف الحكومة"، من خلال وزير التعليم سعيد أمزازي الذي كان حاضرا. كانت اتصالات قد جرت قبل ذلك على قدم وساق في الكواليس، لإبلاغ اعتراض الباطرونا. وحسب مصدر برلماني، فإن مريم بنصالح، رئيسة الباطرونا، اتصلت في آخر لحظة بعدد من زعماء الأحزاب من الأغلبية والمعارضة، معلنة رفض المشروع. الوزير أمزازي، وفي موقف غريب التزم الصمت، ولم يدافع عن المشروع، فتم اللجوء إلى التصويت فكانت النتيجة إعادة النص إلى اللجنة. وأظهر التصويت اصطفاف فرق الأحرار والبام والاتحاد المغربي للشغل مع الباطرونا لصالح إعادة النص، فيما اكتفت فرق البيجيدي والحركة والاتحاد الاشتراكي بالامتناع عن التصويت. أمزازي كان يردد في الكواليس لبعض النواب من الأغلبية، بأنه استشار مع رئيس الحكومة، وأن العثماني قال له "إذا أرادوا إعادة النص للجنة فليعيدوه". لكن ما الذي أغضب الباطرونا في قانون التكوين المستمر؟ قبل الجواب لا بد من الإشارة إلى أن المقاولات تساهم ب1.6 في المائة من كتلة الأجور في تمويل التكوين المستمر، يحصلها صندوق الضمان الاجتماعي وتضخ في ميزانية مكتب التكوين المهني وإنعاش التشغيل، بما يصل إلى 250 مليار سنتيم سنويا (2.5 مليار درهم). 70 في المائة من هذه الميزانية توجه "للتكوين الأساسي"، أي تكوين خريجين في تخصصات مختلفة، فيما توجه 30 في المائة "للتكوين المستمر"، (75 مليار سنتيم) للاستجابة للحاجيات الاقتصادية للمقاولة. المشكل في هذه المنظومة الحالية، حسب عبد الإله حفظي، منسق مجموعة الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بمجلس المستشارين، هو أن شروط استفادة المقاولات الصغرى والمتوسطة من التكوين المستمر، "معقدة"، ما يجعلها "لا تستفيد عمليا"، في حين تستفيد فقط المقاولات الكبرى (حوالي 1000 مقاولة كبرى)، يفترض أن لها إمكانيات وليست في حاجة لدعم في التكوين. حفظي كشف أن الحكومة دخلت في حوار مع الباطرونا منذ سنوات، لتعديل منظومة التكوين المستمر ولتجاوز "الاختلالات والتعقيدات"، وتوج ذلك بصياغة مشروع قانون "متوافق عليه" في عهد بنكيران، صادق عليه مجلس حكومي في 5 يونيو 2014، لكن المفاجأة هي أن المشروع لم يحل على البرلمان، وقيل حينها إن "الأمانة العامة للحكومة تحفظت عليه". وبعد تعيين الوزير محمد حصاد في قطاع التعليم، والعربي بن الشيخ في التكوين المهني في حكومة العثماني، "فوجئنا"، يقول حفظي، بوضع صيغة مختلفة، أحيلت فيما بعد على الغرفة الثانية في 9 فبراير 2018. الحكومة كانت مستعجلة لإخراج النص، لأن كلا من "وكالة تحدي الألفية"، ذات التمويل الأمريكي، والاتحاد الأوربي، يطلبان إخراج النص لضمان تمويل في مشروع التكوين المهني بحوالي 170 مليار سنتيم. ولهذا طلبت الحكومة من البرلمان عقد دورة استثنائية، للمصادقة بسرعة على النص. لكن ما لم تضعه حكومة العثماني في الحسبان، هو "غضب الباطرونا" الذي وصل حد منع المصادقة على النص في جلسة عامة. عبد الإله حفظي، رئيس فريق الاتحاد العام لمقاولات المغرب، شرح ل" اليوم24″ سبب هذا الغضب الذي أربك الحكومة وأغلبيتها. هناك إجراءان أساسيان يتحفظ عليهما أرباب المقاولات، الأول يتعلق ب"حكامة منظومة التكوين المستمر"، التي نص عليها المشروع. حفظي يقول "لا يمكن لفاعل في مجال التكوين أن يدبر منظومة التكوين المستمر كلها". النص الجديد أضاف لمهام المكتب صلاحية تدبير البنية التي ستشرف على التكوين. الباطرونا اقترحت أن يعهد بتدبير المنظومة لجهة حكومية أو "وكالة" يرأسها وزير أو رئيس الحكومة، وقدمت تعديلات لكن تم رفضها. أما الإجراء الثاني، فهو إدراج تكوين "غير الأجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا"، ضمن المستفيدين من التكوين. يقول حفظي "ليس لدينا مانع في تكوين غير الأجراء مثل الصناع التقليديين، لكن على أساس أن ترصد لهم ميزانية من خارج التمويل الذي تساهم فيه المقاولات". حفظي هدد بأن المقاولات يمكن أن تمتنع عن أداء مساهماتها في تمويل التكوين، وقال "نحن شريك أساسي، ولا يمكن تجاهلنا، وأتحمل المسؤولية في القول إننا يمكن أن نذهب بعيدا بالامتناع عن أداء 1.6 في المائة من كتلة الأجور، وحينها على الحكومة أن تبحث عن تمويل التكوين". الحكومة لم تعلق لحد الآن على ما وقع، فيما تجري محاولات لتعديل النص، استجابة للباطرونا، لكن المراقبين يرون أن ما حدث يعد تمرينا جديدا أظهر هشاشة الحكومة وسوء تدبيرها لهذا الملف، وكشف تفكك أغلبيتها أمام لوبي الباطرونا.