تجسد اليوم شبكات التواصل الإجتماعي منطوق "العالم أصبح قرية صغيرة"، فيكفي أن تحرك الفأرة قليلا لتجد نفسك في عوالم ومجتمعات مختلفة، إنه الحضور في الغياب في مواطن وعوالم أخرى، دون عناء إثقال الكائن البيولوجي فينا كاملا لحزم الأمتعة واقتناء الحافلة أو الطائرة. يكفي فقط عينين محدقتان وأذنان وأصابع تترحك بكل رشاقة ربما هذا ما نحتاجه بيولوجيا، لنترك المجال لعالمنا الداخلي للسفر عبر الزمان والمكان. وبينما الإنسان يسبح في مجتمعات الفايسبوك يستوقفه بكل دهشة وحيرة المجتمع الفايسبوكي المغربي كيف لا وهو مجتمع مغرب الإستثناء. إذا كان بول باسكون قد استعمل مفهوم المجتمع المركب للدلالة على الديناميكية الداخلية التي تميز المجتمع المغربي، والتي تفرز وتولد تناقضات بين مختلف المستويات التي يتشكل منها الواقع الاجتماعي، وتعطي لهذه المجتمعات طابع التركيب وغياب التوافق والانسجام بين مكوناته. فالأمر نفسه ينطبق على مجتمع الفايسبوك المغربي الذي يجسد هذا المفهوم في شتى ابعاده، ولعل هذا يتجلى في عدة استراتيجيات يتبعها الفاعل الفايسبوكي من قبيل استراتيجية إظهار وإخفاء الهوية، فتح حسابات متعددة الهويات، التغيير من لغة الخطاب حسب سياقات التفاعل... كل هذا يجعل من السؤال ما الذي يدفع الفاعل الفيسبوكي لاتخاذ استراتيجيات متعددة ومتناقضة سؤالا مشروعا قد يمكننا من فك شفرات الخلفيات السوسيو-ثقافية التي يمكن قراءتها في ثنايا شبكات التواصل الإجتماعي. فإلى أي حد يترجم الفيسبوك اليوم ما عبر عنه بول باسكون بالمجتمع المركب؟ إن ما يترجمه المجتمع الفايسبوكي المغربي من تناقضات وامتزاج يعكس في الحقيقة ما يحدث في الواقع الاجتماعي الذي يختزل الكثير من الثنائيات المتناقضة، التي تحركها طبعا ميكانيزمات التغير والتحول الذي يشهده المجتمع خاصة على مستوى العلاقات الاجتماعية. فمظاهر اخفاء الهوية والحرص على ثقافة الغموض وعدم الوضوح، ثم بيع الوهم والتعتيم عن حقيقة الوضع، ومخافة الظهور في المرآة..هي أمور تجد دلالاتها في المجمتع الفايسبوكي المغربي المركب، وكم تساعد التقنيات والبرامج الإلكترونية على حسن استعمال واستخدام هذه الاستراتيجيات كما تساعد بذلك في الواقع الاجتماعي آليات أخرى كاستعمال مفاهيم " ركيزة صحيحة"، "الكال"، "ما تعطيش راس الخيط"...وهلم من المفاهيم والرموز المستعملة. اليوم في المجتمع الفايسبوكي المغربي الكثير من ينتحل صفة الأنثى والكثيرات من ينتحلن صفة الذكر ويوظفونها في اختبارات معينة، إنها "القوالب" بهذا المعنى، في عالم الفايسبوك المغربي الكثير من يخفي نفسه عن الأنظار حتى لا يراه أستاذه أو أبوه أو شخص غير مرغوب فيه...لكنه بالمقابل يفتح المجال لعشيقته أو لعشيقها أو لمن رأى فيه مصلحة شخصية وكثير هي العلاقات التي تحركها المصالح اليوم لا الأبعاد الإنسانية. اليوم في مجتمعنا الفايسبوكي المركب هناك من يبيع لك الوهم والعسل من "الكومنتيرات" و"الجيمات" و لكنه خلف ستار الستار يخطط ويفبرك للمآلات والمنتظرات التي يعرفها هو. المجتمع الفايسبوكي المغربي يفرز من بين الثنائيات، ثنائية الصراع بين التقليد والتحديث، بين الحنين إلى الماضي وقوة الإرتباط به، وبين تحديات الانخراط في التحديث الذي يبدو أنه لم يصل بعد لدرجة الممكن في مجتمع كالمجتمع المغربي، لكن لا بد من طرح السؤال دائما عن معيار تصنيف التحديث والتقليد ومن المخول لوضع هذا التصنيف على الأقل في مستوى العلاقات الإجتماعية والتعاقدية. لا غرابة إذن من القول أن ما يتجسد في العالم الإفتراضي هو صورة مصغرة وعميقة لما يحدث ويجري في الواقع المادي، الرمزي، والثقافي لدى المجتمع المغربي الذي لم يجد بعد لنفسه مقاسا يجسد كينونته، فلا هو مجتمع منخرط في التقليد من جهة ولا في التحديث من جهة ثانية ولا حتى بين البين، إنه مجتمع حربائي.