يبدو أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لم تعد مجرد وزارة تسهر على تدبير الشأن الديني، وحماية الأمن الروحي للمغاربة، وكذا تحصين وحدة الأمة المغربية انطلاقا من الثوابت الأصيلة، المتمثلة في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وإمارة المؤمنين، بل أصبحت تتجاوز هذه المهام والصلاحيات لتلعب أدوارا أخرى تطرح الكثير من التساؤلات في الساحة الدينية والسياسية. الوزارة التي يقودها أحمد التوفيق، سجلت في الآونة الأخيرة عددا من الأحداث والوقائع التي انضافت إلى أخرى، قاطعة فيها الشك باليقين ومؤكدة اشتغالها وفق أجندة غير التي أحدثت لها، وأن في الكثير من قراراتها شيئا من التحيز، إن لم نقل التماهي التام مع جهات نافذة في السلطة وخادمة لها بإخلاص وتفان. التوفيق مخرس الأصوات المزعجة قرار توقيف وزير الأوقاف خطيب جمعة بمدينة فاس قبل شهر، بسبب انتقاده لمهرجان "موازين" الذي تنظمه جمعية مغرب الثقافات برئاسة منير الماجدي، الكاتب الخاص للملك، والذي أثار موجة من الاحتجاجات في صفوف أبناء العاصمة العلمية، الذين طالبوا بإبطال القرار وعودة الخطيب إلى منبره، يكشف جزءا من الخيوط والمساحات التي تتحرك فيها وزارة التوفيق. ومثل الحادث، صورة من أشكال الضبط والتحكم التي تشتغل بها الوزارة، في سعيها لضبط ولجم كل الأصوات الحرة التي تزعج النافذين في السلطة، حيث أعاد إلى الأذهان حادث عزل وإيقاف الشيخ عبد الله النهاري، المثير للجدل بسبب قوة خطبه وجرأته في تناول الأوضاع والقضايا التي تهم البلاد. الشيخ النهاري، تم إيقافه وعزله في غمرة رياح الربيع العربي، الذي كان يعصف بالمنطقة إبان سنة 2011، حيث تحدث في إحدى خطبه عن الإصلاح في المغرب، في أبريل من سنة السقوط المدوي للدكتاتوريات العربية، قادته للمساءلة قبل أن يصدر قرار عزله، الأمر الذي أثار بدوره موجة من الاحتجاجات في مدينة وجدة. دور القرآن والإغلاق العقاب بعد الخطباء والمنع الذي يطال كل من خرج منهم على الإجماع وقال ما لا يرضي التوفيق ومن معه، تسجل الوزارة قبل أيام من حلول شهر رمضان، قرارا مثيرا يقضي بإغلاق دور القرآن التابعة، لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة، التي يرأسها الشيخ محمد المغراوي، وسط رفض واسع لساكنة مراكش وأنصار التيار السلفي للقرار. فيما ذهبت الكثير من القراءات، إلى أن الخطوة التي أقدم عليها التوفيق، دون علم رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، ورغم ما تطرحه من تساؤلات حول قانونية القرار، تهدف بالأساس إلى إحراج الحزب الذي يقود الحكومة مع سلفيي دور القرآن، الذين دعموا حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة بمراكش، في أشبه ما يكون بإجراء عقابي لهؤلاء على اقترابهم من الإسلاميين الذين يقودون الحكومة. هذه القرارات وغيرها، جعل التوفيق ووزارته يدخل في معارك عادة ما كانت تخوضها الدولة العميقة بأم الوزارات، وزارة الداخلية، ومصالحها، التي كانت تسهر على تنفيذ التعليمات والأوامر التي يمليها من يحركون الخيوط خلف الستار، الوضع الذي أصبحت معه وزارة الأوقاف أداة من وسائل الضبط المطلق. الأوقاف ومواجهة مد الإسلاميين الوزارة من خلال العديد من الخطط والبرامج التي تطرحها، عبر شبكتها الواسعة من مراكز البحث العلمي والمعرفة الدينية، التي تشرف عليها الرابطة المحمدية للعلماء، بإشراف أحمد عبادي، الوجه الإسلامي السابق، تهدف من بين ما تهدف إليه، مواجهة النفوذ المتزايد للحركة الإسلامية المغربية في هذا المجال، والانتصار للأطروحة الرسمية المتمثلة في إصلاح الحقل الديني. وفي هذا المستوى من المواجهة، مع الخصم الأول للجهات المعادية للإسلاميين ومشروعهم الفكري والسياسي برمته، اختار الوزير أحمد التوفيق ذو النزوعات الصوفية، تدعيم الزوايا والطرق الصوفية وإبراز حضورها في الساحة الدينية ببلادنا، باعتبارها ورقة من بين الأوراق الإستراتيجية التي تلعبها، الجهات الرسمية في معركتها الإستراتيجية لمواجهة الإسلاميين. فالمسجد الذي يمثل أيقونة بارزة في الإسلام والعمل الديني والدعوي ككل، شددت الوزارة منذ سنوات قبضتها على هذه الفضاءات التي مثلت طيلة تاريخ الإسلام مدرسة مفتوحة وفضاء للتربية والتعليم، وليس مجرد مكان يفتح لتؤدى فيه الصلاة ثم يقفل حتى وقت الصلاة، الأمر الذي يمثل تقزيما لدور المسجد وضبطا للأنشطة التي كان يشهدها، وذلك كله لسد الباب على الدعاة وأبناء الحركات الإسلامية الذين يؤطرون بداخلها المجتمع. أم الوزارات تغرد خارج السرب وصف الفقيه أحمد الريسوني، رئيس اتحاد علماء أهل السنة، في تصريحات صحافية متكررة، وزارة الأوقاف بأنها أصبحت أم الوزارات التي تقود حرب الدولة العميقة على دعاة الإصلاح، معتبرا أن وزارة الداخلية أكثر اندماجا في الحكومة من وزارة الأوقاف. الوزارة، حسب الريسوني وغيره من دعاة إصلاح الشأن الديني بالمغرب، تمارس ضغطا مبالغا فيه على الدعاة والأئمة والعاملين في الحقل الديني، من أجل تحقيق الضبط المطلق لمجال الدعوة الإسلامية. وتتزايد الانتقادات بشكل متصاعد لأدوار وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الحياة العامة، وهي التي تصمت على انتهاكات المقدسات الإسلامية بشكل متكرر، بينما تتدخل بشكل سافر لإخراس أصوات الدعاة والأئمة، كما يقول منتقدوها.