عندما كنت أخط مقالي الأخير عن رجل الأعمال والسياسة والإعلام، عزيز أخنوش، لم يخطر ببالي قط أنه سيلاقي كل هذا "الترحاب"، وأن البعض يملك ألسنة في كل مكان، يمكن أن ترتدي البدلة السوداء الموشحة بالبياض دفاعا عن الملياردير "التفراوتي". لقد دَافعتْ عن أخنوش فئات عديدة، وتلقيت اتصالات من قياديين في حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يُعِدُّ "العمارية" ليَزُف الرجل إلى منصب الأمين العام لحزب الحمامة، وكلها (أي الاتصالات) محاولات لتبييض الصفحة، وتسويق الصورة الملائكية للحمل الوديع الذي يشتت الخير يمنة ويسرة. وتلقيت بعضا من التأنيب من قياديين في حزب العدالة والتنمية، مفادها أن (الآخر) يفهم أن هذا القلم يستمد شحناته من جعبة الحزب، وفي ذلك إحراج للقيادة السياسية لحزب المصباح، وطبعا كان ردي أن حرية التعبير إن وصلت حد الإزعاج فما عليكم إلا قطع شعرة معاوية، إن كانت أصلا موجودة، أما وأنها مُتَوهمة، فإنها لا يمكن أن تتحول إلى عصا مسلطة على رقابنا. أما الفئة الثالثة فتجاوزت الردود إلى المرحلة التالية في عملية صناعة الصورة، ووضعت تكهناتها بالفوز المؤكد لعزيز أخنوش برئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار، وصناعته قطبا يضم حزب الاتحاد الدستوري، بل إنها استبقت "الكوب 22″، وقامت باستوزار عزيز أخنوش على رأس الوزارة الولود، وزارة الفلاحة والصيد البحري، فسهلت بذلك على رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وحجزت مقعدها في عملية تسليم المفاتيح بين عزيز وأخنوشن التي ستتم بعد إقناع الأحزاب الأخرى. حين يفرح المنتمون إلى حزب التجمع الوطني للأحرار بقيادتهم من قبل عزيز أخنوش، فذلك لأن الذي يجمع كثيرا من المنتمين إليه لا يعدو أن يرتفع عن مستوى المصلحة، ويمكننا أن نتصور المصالح التي ستتحقق مع رجل "أخطبوط"، وتلك التي يمكن أن يحققها صلاح الدين مزوار، والفرق بين السماء والأرض، كما أن سكان بيت الحمامة لا يمكن أن ينبسوا ببنت شفة، لأنهم على علم اليقين أن الأمر يتعلق بشيء أعلى من أخنوش ومزوار، إنه يتعلق بجهة لا تزال تؤمن إيمانا عميقا بإمكانية انتصار المال على الخطاب والبرامج والمبادئ. طبعا في حالة الفرح هاته يمكن التجاوز على كل شيء، والقفز على القانون، وعلى الذاكرة، فقد تناسى المنتمون إلى التجمع ما قام به أخنوش يوم تركهم في "دكَّة" المعارضة، وهرع إلى منصبه في حكومة بنكيران الأولى، وزيرا للفلاحة والصيد البحري، وقفز هؤلاء حتى على قانونهم الداخلي الذي ينص على منع انعقاد مؤتمرين استثنائيين في ذات السنة ولو بدعوة من ثلثي الأعضاء. إن كل هذا الزخم من المدافعين يستدعي فعلا توجيه تهنئة مسبقة إلى عزيز أخنوش، مفعمة بالاستغراب والتساؤل، ولكنها في النهاية تهنئة بهذا الكم الهائل من المحامين، إنها كتيبة تستحق التنويه، ويستحق معها أخنوش القول، مبروك الزعامة السياسية والاقتصادية والإعلامية…