رأى الإتحاد الدولي لكرة القدم وقد هاله ما شاهد من فوضى ومن خروج سافر عن الأحكام والمواثيق في تحرير الجامعة والأندية لعقود الإنتقالات وما يترتب عن ذلك من إعتراض ومن مقاضاة، فأرسل من يعلم الأندية أصول تحرير مواثيق عقود الإنتقالات بشكل يحترم القواعد الدولية والتي نعرف أنها تحفظ في الغالب مصلحة اللاعبين ومصلحة الأندية على حد سواء· وكان ضروريا أن نستشعر إزاء هذا التحرك المبرمج للفيفا والذي يأتي وسيأتي في صور متعددة، هاجسه الأوحد هو مساعدة الكرة المغربية على أن تدخل عنوة وإن إقتضى الحال بالإكراه إلى الإطار المقاولاتي في التدبير والتسيير، كان ضروريا أن نستشعر ما نحن بحاجة إليه من قوة دافعة للتغيير، تبدأ أولا بتنظيف المحيط كاملا مما نبث في زواياه من طحالب وأعشاب خبيثة، وتواصل ثانية بإبادة كل صناع الفساد، وهم معروفون للجامعة، للأندية، للمدربين، للاعبين وحتى لرجال الإعلام· ولأعود لتخصيص الحديث عن الإنتقالات سواء في إطارها المحلي المحض أو في إطارها الخارجي، فإنني أسجل معكم أن هناك ثقافة تحريف واضحة للمعيار القانوني الذي يجب أن يحدد هذه الإنتقالات ويوجهها بما يضمن للأطراف كلها حقها، وبما يحفظ فوق هذا وذاك لهذه الإنتقالات عنصر الشفافية، برغم أنه لا توجد هناك أي قوة تقنعني بأن كل صفقات الإنتقال هي سليمة مائة بالمائة· والحديث عن صفقات إنتقال اللاعبين المغاربة سواء داخليا بين الأندية المحلية، أو خارجيا بالإنتقال من ناد مغربي إلى آخر أجنبي، ابتدأت منذ وقت بعيد، وما كان لزاما أن نعيب عليها شيئا سوى درجة التكتم الشديد التي كانت تباشر بها، حتى أن الأرقام المالية غدت نوعا من أنواع الطابوهات· ولغاية الأسف عندما تطورت عملية الإنتقالات دوليا وباتت موحدة لضرورات العولمة وضرورات المصالح المشتركة للأندية المختلفة في هيكلها وفي هويتها القانونية، وبات يحكمها قانون منظم أدخلنا المزايدون والمضاربون وسماسرة الشارع الرياضي في متاهة، لم نشعر بخطر البقاء طويلا فيها إلا والأندية الأوروبية وحتى الخليجية تستشعر بتحريض مسبق من هؤلاء المضاربين أننا في عداء أزلي مع القوانين، فنرمى بسهام جهلنا، وتجد أنديتنا نفسها ذات لحظة مجردة من نجومها، إن سألت الفيفا شيئا بعد ذاك ما حصلت سوى على الفتات (تعويضا للتكوين)· كانت الأمور ستتطور بنا تدريجيا إلى ما هو معلوم من نظام لتدبير الإنتقالات، لولا أن المضاربين والمزايدين سواء في صورة وكلاء أعمال يحملون لغاية الأسف بطاقات إعتماد دولية ومسلمة بسخاء من الجامعة، أو في صورة سماسرة يعملون في سوق كرة القدم من دون أن يسألون عن الذي يفعلونه، دفعوا إلى تهجين الصورة وتقبيح المشهد وتمييع أدوات العمل، فيبدأ الأمر بإشهار مضاربات مفتوحة تنفخ في قيمة اللاعبين، وتصل أحيانا إلى ضبط إشهارات إعلامية مدفوعة الأجر عينيا حينا، وباستغلال بشع للصداقة حينا آخر، فيصبح اللاعب بقدرة قادر مطلوبا من ريال مدريد أو من برشلونة، من أنتير ميلانو أو جوفنتوس، من مارسيليا أو باريس سان جيرمان، لنسمع به بعد هذا اللغظ والمزايدة والمضاربة المؤسسة على الكذب يلعب لفريق عربي أو خليجي من مستوى عاشر، بقيمة مالية فظيعة· يجبر النادي على تفويت لاعبه الذي سارت بحديث لعبه لكبار أندية العالم الركبان، فما من حاجة باتت إلى لاعب طار عقله بسبب ما أشيع حوله من قصص وروايات، كثيرها كاذب وأغلبها يكون على علم به· يجنح هؤلاء المضاربون أكانوا وكلاء أم قطاع سبيل ومرتزقة السوق إلى عقد صداقات، وهناك بينهم من له دهاء في فرض الصداقات على أشخاص نافذين في مواقع قرار، يستطيع أن يستفيد منهم في إنجاز صفقاته وهؤلاء قد يكونون أعضاء جامعيين وقد يكونون رؤساء أندية، وقد يكونون مدربين وقد يكونون >حياحة< وقد يكونون رجال إعلام، أو هؤلاء كلهم، فالبارع من جمع من كل هؤلاء نصيب ليجعل صفقاته تنجز على نار هادئة، ومتى كان مالكا لكل هؤلاء متى أوهم لاعبه أو لنقل موكله أنه في موقع قوة وأنه في أيد آمنة· ويكون هونا أو هينا أن يأتي ربط هذه الصداقات تحت مسميات وذرائع مختلفة بحسب شخصيات أصحابها من أجل الدفاع عن مصلحة عملية في حدود تحفظ الأخلاق ولا تؤذيها، إلا أن المصيبة التي لا صبر عليها، أن هذه الصداقات تحول الوسيط والوكيل ورجل الأعمال إلى مؤثر في صناعة القرار· فقد يرغمه دفاعه الشرس عن موكله وعن لاعبه، إلى إثارة الفتن وإشعال النار وأحيانا ضرب مصلحة الوطن، كما كان الحال أخيرا مع الفريق الوطني، مع الصرخة التاريخية للإطار فتحي جمال والتي لم تأت من عدم أو من هذيان· تعلمنا أن لا صوت يعلو على القانون، لذلك يكون ضروريا أن نعمل كل الصرامة في وضع ضوابط قانونية مستوحاة بالكامل من قوانين الفيفا لنضبط الإنتقالات ونسهر على شفافيتها وسلامتها وخلوها من عيوب المزايدة الكاذبة، وأيضا في أن نسهر على أن تكون هذه الضوابط القانونية هي السائدة في إنجاز صفقات الإنتقالات، فلا حق على الإطلاق أن نترك اللاعبين بيد ذئاب الأسواق تأكل لحمها وتبيع عظمها بأبخس الأثمان مستغلة في ذلك فقرها وحاجتها·· على الجامعة أن تنهض بمسؤوليتها في تخليق الفضاء الكروي وتعلن حربا لا هوادة فيها ضد المنتفعين الذين لا يؤدون للدولة ما يربحونه لقاء عقد هذه الصفقات، وعلى الأندية أن تحمي لاعبيها بالقانون وبآداب المعاملة من بائعي الأوهام عند ناصية الشارع عندما نكون قد أدينا ما علينا من رسالة إتجاه أبناء هذا الوطن، ممن يعيلون أسرا مستضعفة ليخرجونها من كهوف الفقر·