عرفت المظاهرات التي تشهدها البرازيل منذ نهاية الأسبوع المنصرم، احتجاجا على الزيادة في تسعيرة النقل العمومي وارتفاع النفقات الحكومية لتنظيم كأس القارات لكرة القدم 2013 ومونديال 2014 وأولمبياد ريو 2016، تصعيدا واضحا أمس الاثنين، حيث زادت حدتها في أبرز المدن البرازيلية وامتدت رقعتها إلى أخرى كما ارتفع سقف مطالب المتظاهرين ليشمل تحسين العديد من الخدمات العمومية الأخرى ومحاربة الفساد. وانطلقت أولى شرارات المظاهرات من ساو باولو، العاصمة الاقتصادية للبرازيل، عشية بدء منافسات كأس القارات السبت الماضي، حيث شهد أكبر شوارع المدينة، "أفينيدا باوليستا"، احتجاجات على قرار الحكومة المحلية رفع تعريفة وسائل النقل والمواصلات العمومية بنسبة 7ر6 في المائة، قبل أن تنتقل عدوى المظاهرات، مع انطلاق المنافسة القارية، إلى باقي أبرز المدن البرازيلية وتتحول للاحتجاج على ارتفاع تكلفة الأحداث الرياضية الكبرى التي ينظمها أو سينظمها هذا البلد الجنوب أمريكي، حيث طالب المحتجون بتسخير هذه الموارد لتحسين الخدمات العمومية، لاسيما في مجالي الصحة والتربية. وبلغت حدة الاحتجاجات مداها مساء يوم أمس، لاسيما بمدن ساو باولو وريو دي جانيرو والعاصمة الفيدرالية برازيليا، حيث استهدف المحتجون المقرات الحكومية وسط محاولات من الشرطة لتفريقهم. ففي العاصمة الاقتصادية للبرازيل، وفضلا عن تجمهر أزيد من 30 ألف شخص بالشارع الرئيسي للمدينة، حاول حشد من حوالي ثلاثة آلاف متظاهر اقتحام مقر حكومة ساو باولو الولاية، "قصر بانديرانتيس"، حيث قاموا بكسر أبواب الأخير وبرشق المقر بالحجارة والقارورات، مرددين شعارات مناوئة للحكومتين الجهوية والفيدرالية وتطالب بالتراجع عن قرار الزيادة في تعريفة وسائل النقل وبتحسين الخدمات العمومية الأخرى. وبعد أن فشلت محاولات الشرطة للتوسط بين المتظاهرين وعدد من مسؤولي الحكومة المتواجدين بالمقر للتوصل إلى اتفاق لوقف الاحتجاجات، رد أفراد الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق المحتجين ووقف محاولاتهم المتكررة لاقتحام المؤسسة الحكومية. وفي العاصمة برازيليا، تجمهر ما لا يقل عن خمسة آلاف محتج، حسب أرقام الشرطة، أمام مقر البرلمان، قبل أن يتمكن عدد منهم من اجتياز حاجز أمني والصعود إلى سطح بناية مجلس الشيوخ، حيث رددوا شعارات تنتقد التكلفة الباهظة لتنظيم التظاهرات الرياضية الكبرى الثلاث بالبلاد وأعربوا عن تضامنهم مع المحتجين بمدينة ساو باولو، كما طالبوا بمحاسبة عناصر الشرطة بعد اتهامهم بالإفراط في استخدام القوة خلال مواجهة المحتجين. أما في مدينة ريو دي جانيرو، فعرفت الاحتجاجات حضور ما لا يقل عن أربعين ألف شخص، حسب معطيات مصالح الشرطة، وتركزت بمحيط "ماراكانا"، أحد الملاعب المستضيفة لمباريات كأس القارات، كما انتقلت إلى محيط عدد من المقرات الحكومية، وخصوصا "الجمعية التشريعية"، والتي اقتحمها عدد من المتظاهرين، قبل أن تتدخل الشرطة لإخراجهم. وخلال هذه المظاهرات، التي تطورت إلى مواجهات مع الشرطة أسفرت عن إصابة عدد من المتظاهرين ونحو عشرين من عناصر الأمن بجروح متفاوتة الخطورة، انتقد المحتجون، بالخصوص، التكلفة المرتفعة لتنظيم المونديال القادم لكرة القدم، والتي بلغت نحو 15 مليار دولار، مطالبين بإنفاق هذه الموارد على المستشفيات والتعليم، فضلا عن تأكيدهم رفض قرار السلطات المحلية رفع سعر تذاكر وسائل النقل العمومي اعتبارا من مستهل الشهر الجاري. وامتدت رقعة هذه الاحتجاجات أو زادت حدتها بعدد من المدن البرازيلية الأخرى مثل فورتاليزا وسالفادور وريسيفي وفيتوريا وبيلو أورزونتي وبيليم، حيث اقتصر بعضها على مظاهرات سلمية رفع خلالها المحتجون شعارات لا تختلف عن نظيراتها بمدن ساو باولو وريو وبرازيليا، في حين تحولت أخرى إلى مواجهات مع الشرطة التي استخدمت الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي لتفريق الآلاف من المتظاهرين الذين عمد بعضهم إلى إحراق الحافلات والمحلات التجارية ورمي عناصر الأمن بالزجاجات الحارقة والحجارة. من جانب آخر، وتضامنا مع موجة الاحتجاجات ببلادهم، شرع عدد من أفراد الجالية البرازيلية في الخارج، ومنذ يوم الأحد، في الخروج في مظاهرات ينتظر أن تتواصل على مدى الأسبوع الجاري بالعديد من مدن العالم، لاسيما بأوروبا وأمريكا اللاتينية والشمالية، وذلك بعد الإعداد لهذه المظاهرات وتنسيق تنظيمها عبر شبكة التواصل الاجتماعي، الفايسبوك. وبخصوص التعامل الرسمي مع موجة الاحتجاجات هاته، أكدت سكرتيرة التواصل بالرسائة البرازيلية، إلينا شاغاس، أن الرئيسة ديلما روسيف، تعتبر أن "المظاهرات السلمية مشروعة ومن صميم الديمقراطية" وتواكب سيرها بمختلف مدن البلاد وكذا التعامل الأمني معها. وقبلها، كان وزير السكرتارية العامة للرسائة، جيلبيرطو كافاليو، قد أعرب عن "انشغال" الحكومة إزاء المظاهرات ورغبتها في ضمان الحوار مع حركات المتظاهرين لفهم "المطالب المهمة" التي دفعتهم إلى الخروج إلى الشوارع. من جانبه، أكد وزير الرياضة البرازيلي، ألدو ريبيلو، أن الحكومة لن تسمح للاحتجاجات بأن تعيق سير كأس القارات التي تستضيفها البلاد حاليا، حيث شدد على أن "المظاهرات مسموح بها، لكن بشرط ألا تتخطى الحدود، اذا كانت تهدف إلى إلغاء مباراة ما، فمن حق الحكومة التدخل لمنعها"، مؤكدا في هذا الصدد، أن "كل ريال برازيلي (نحو 50ر0 دولار) أنفقته الحكومة، استثمرت الشركات الخاصة في مقابله نحو 40ر3 ريال". وقال ريبيلو إنه لا يخشى من تضرر صورة البرازيل جراء هذه المظاهرات، معربا عن أمله في أن تنظر بقية العالم لبلاده "كفضاء ديمقراطي قادر، في الوقت ذاته، على ضمان حفظ النظام".