حياتو حتى الموت مثلما تلتصق الأوراق بأغصانها يلتصق السيد عيسى حياتو بمنصبه رئيسا للإتحاد الإفريقي لكرة القدم، فليس للكامروني أدنى إستعداد لأن يسمح لنهر الكرة الإفريقية بأن تجري فيه مياه أخرى غير مياهه، يبلغ الرجل من العمر عتيا، يتقوس فيه الظهر وتشحب الملامح ويبيض شعر الرأس ومع ذلك لا يستطيع شيخنا عيسى حياتو أن يرى نفسه خارج معبد الكاف، فالهرم ما زال قادرا على العطاء. لست أدري، هل يكون صناع القرار والجالسون على عرش كرة القدم صادقين وهم يحكون عن ضرورات الحكامة التي هي أصل من أصول العصر الحديث الذي يريد أن يحدث قطيعة مع أنظمة الإستبداد والطغيان والأبدية في الحكم، عندما يرفعون شعارات التناوب الذي هو أكبر سمات التجديد والإبداع، بل إنهم يتبجحون ذات وقت بأنهم لن يخنقوا شريان التغيير، إلا أنهم كلما حلت لحظة تجديد النخب، كلما أهلت لحظة إنتخاب رئيس جديد إلا وانتفضوا وتمنعوا وعارضوا كل فكرة للرحيل. تذكرون ماذا فعل الثعلب جوزيف بلاتير بيوهانسن السويدي لما جازف بطلب عرش الفيفا.. وماذا كان مصير حياتو عندما رمى به الأوروبيون إلى نهر التماسيح.. وماذا تجرع القطري بن همام عندما ظن وبعد الظن موت زؤام، أنه قادر على أن يحيل العجوز بلاتير على التقاعد المبكر فأدى عن تلك المجازفة غير محسوبة العواقب ثمنا غاليا، أن كرامة الرجل مرغت في التراب حتى أنه قطع دابر الحلم واستراح. توقع كلنا أن يضع السيد عيسى حياتو حدا لرئاسته للإتحاد الإفريقي لكرة القدم بعد 25 سنة قضاها الرجل في قيادة المركب، فهو من قال أنه يريد أن يعيش من أعلى ربوة في قارة الأمل اللحظة التاريخية، لحظة إستضافة القارة الإفريقية للمونديال الكوني وهي اللحظة التي هندسها بمعية بلاتير، وقال الكل أن من حق حياتو أن يسعد باللحظة الجميلة، لذلك أبقي الرجل في منصبه وما كنا نظن أنه سيخلد فيه. بانتهاء مونديال 2010 الذي كان تاجا على رأس الأفارقة ومجدا مكتوبا بإسم السيد عيسى حياتو، توقعنا أن يبدي الأفارقة الإستعداد لطي صفحة حياتو لحاجة الكرة الإفريقية، إلى من يغذيها بأمل جديد، إلى من يفتح لها أفقا رحبا وإلى من يرتفع بها عاليا وقد أصبح ضروريا أن تنجح الكرة الإفريقية الخيار الإحترافي الذي أصبح رهانا عالميا من فشل فيه حكم على نفسه بالبقاء معزولا في جحره المظلم، إلا أن إفريقيا لا تبدي رغبة في إحالة شيخها حياتو على التقاعد، فخلال المؤتمر الذي ستعقده الكاف بالمغرب على هامش كأس إفريقيا للأمم لأقل من 17 سنة لن يكون لعيسى أي منافس بعد أن جرى رفض ترشيح الإيفواري جاك أنوما لأسباب قيل أن الأخير يشكك أمام القضاء في صدقيتها وديموقراطيتها. ترى إفريقيا المكابرة والمتمنعة والمقاومة لمد التغيير أن الوقت لم يحن بعد لكي يترجل حياتو نحو خط النهاية، فما زالت له القدرة على الإعطاء وقد تكون اللحظة المفصلية التي تعيشها الكرة الإفريقية بحاجة ماسة إلى رجل بنضج وحكمة عيسى حياتو، وهذا كله دليل على أن إفريقيا غير معنية بالربيع الديموقراطي الذي أطاح بأنظمة ظن الماسكون بناصيتها على أنها أنظمة أبدية لن تقدر إفريقيا على أن تعيش من دونها وبعيدا عنها. شخصيا لا أنكر أن حياتو أحدث على مدى ربع قرن قضاها حاكما على إمارة الكرة الإفريقية ثورات نمطية نقلت هذه الكرة إلى مدارات جديدة، ولكنني في مقابل هذا كنت أظن أن إستشراف أفق جديد يردم الهوة التي تفصل الكرة الإفريقية عن نظيراتها في المعمور ربما تفرض أن يكون على رأس الكاف فكر جديد وقائد جديد وفلسفة جديدة، فلتتحمل العائلة الكروية الإفريقية مسؤوليتها فيما إختارت.