يتركنا الأسد الكاميروني صامويل إيطو بلا عقل وهو يؤثت الخريف على طريقته بإنجازات خرافية كسرت الكثير من الأرقام ربما كانت آخرها رباعيته في مرمى بلد الوليد عن البطولة الإسبانية، ما بات يمثل لبرشلونة رقما صعبا، بل ومستحيلا في معادلة وضع اليد مجددا على عرش الليغا الإسبانية· وكلما ميل إيطو ريح الإعجاز هنا أو هناك إلا وأخذنا مغص خفيف من هذا الذي ينتظرنا، يوم يحين موعد اللقاء عندما يحل أسود الأطلس ضيوفا بياوندي على أسود الكاميرون في ثاني جولات تصفيات الدور الثاني والحاسم لكأس العالم وكأس إفريقيا للأمم·· وترتبك عندنا الحواس، حواس الحدس والتخمين والأمل، عندما نسمع بالذي تصنعه المنارة الطوغولية المضيئة إيمانويل أديبايور في البطولة الأنجليزية مع الأرسنال، فالرجل المنحوث والمصمم مثل شجرة السنديان بات اليوم في عداد أكبر المرشحين لينال بما قدمه من مباريات كبيرة بالبطولة الأنجليزية لقب أفضل لاعب كرة قدم إفريقي للسنة· ونلتفت من حولنا علنا نجد بين أسودنا من هو بنفس المقاس الخرافي لصامويل إيطو أو إيمانويل أديبايور، فلا نجد من هو بنفس التركيبة الكروية الهلامية، ليس القصد أن خامة الإبداع مفقودة، ولكن ما هو مؤكد أن أسودنا، وبخاصة من برز منهم قبل مواسم كمشروع نجم إفريقي، لم تكن لهم ذات جرعات الحظ التي كانت مثلا لإيطو أو لأديبايور، ليجدوا نفسهم داخل أندية كبيرة بل وداخل بطولات كبيرة·· ويحضرني ما حصل مع مروان الشماخ الذي تنبأ له الكثيرون قبل أربع سنوات، بأن يذكر الأفارقة في هدافيهم الأسطوريين بخاصة لما لاحت له فرص اللعب في بطولات أخرى كالبطولة الأنجليزية، أو حتى اللعب لنادي مثل أولمبيك ليون سوقت بطولاته وإحتكاره للقب الدوري الفرنسي العديد من النجوم الأفارقة، إلا أنه فضل الإلتصاق ببوردو تحت مسميات كثيرة، فظل الشماخ بذات المقاس، بذات الحجم بذات تركيبة الحلم، التي لا توصل إلى الكواكب التي صعد إليها لاعبون من نفس طينته، إيطو، أديبايور، دروغبا ومامادو ديارا· ويكون ضروريا عند قياس ثقلنا الكروي مع منافسين في ضراوة الكاميرون وفي صلابة الطوغو ، حتى لا يأخذنا الحديث إلى الغابون السهل الممتنع في مجموعتنا أن نسأل·· هل المباريات تحسم فقط بالتفاوت بين العيارات الكروية الفردية؟ قطعنا ليس لمنتخب الكاميرون سوى صامويل إيطو، فهناك فرديات أخرى بمقاسات أقل ولكن بحضور وازن، وكذلك الأمر بالنسبة للمنتخب الطوغولي فإيمانويل أديبايور ليس وحده من يأتي بالربيع، إلا أن كرة القدم تقول لنا في أولى تعريفاتها أنها رياضة جماعية وإن كانت تمارس من قبل أفراد، ما يعني أن حضور نجم خارق في فريق بعينه لا يعني بالضرورة أنه لن يهزم، وما يعني أيضا أن الأداء الفردي لا يجد نجاعته وبريقه إلا عند توظيفه جماعيا بأفضل صورة، وأعتقد أنه يجب علينا أن نتجه جيدا إلى هذه القاعدة الذهبية، ونبحث في أدائنا الجماعي عن كل ما يمكن أن يعطينا القوة والدافع لنتفوق على الأخر مهما بلغت تركيبته الفردية من درجة في السحر والإعجاز· والقصد أن تكون للفريق الوطني القدرة العالية على تدبير المباريات وعلى فرض جماعية الأداء وعلى إلغاء كل عقد الخوف من الآخر وعلى إستثمار معطى إستراتيجي هو خلو الفريق من النجم المطلق الذي يستأثر بالأضواء ويعكر صفو جماعية الأداء· هذه القدرة هي قدرة مكتسبة، لا نجزم بأنها مفقودة عند الأسود كما لا نجزم أنها موجودة بنسبة تجعلنا نطمئن على المصير، ما يعني أن ما يفصلنا زمنيا عن شهر مارس المقبل موعد مواجهتنا الرسمية الأولى هنا بالمغرب أمام الغابون يجب أن يستثمر على نحو جيد، فلا نترك فرصة إلا وتمسكنا بها ليقوى أملنا بأسودنا، بفريقنا الوطني، بحلمنا الجماعي في أن نجدد عهدنا مع كأس العالم، ونتفادى أن ندير له ظهرنا للمرة الثالثة على التوالي· والمسافة الفاصلة زمنيا بيننا وبين أول مباراة في دور الحسم، تمكننا من فرصتين لقياس القدرة التي تحدثت عنها، أولاها ستكون يوم الأربعاء القادم عندما يلاقي أسود الأطلس منتخب زامبيا وديا بمركب محمد الخامس بالدار البيضاء، وليس هناك من خيار آخر سوى البحث عن أكبر إستفادة ممكنة أولا لخلق أجواء الثقة، ثانيا للإطمئنان على جماعية الأداء، وثالثا وهذا هو الأهم لإعطاء الفريق الوطني هوية تكتيكية تتناسب مع إمكاناته البشرية وتستجيب لإكراهات الظرفية وتتلاءم مع رهانات المرحلة· وأتصور أن روجي لومير أدرك اليوم حجم الإنتظارات وأدرك ما هي أفضل صيغة لمناقشة مباريات ملغومة· وأصبح فوق هذا وذاك متمكنا من مادته وخياراته وحتى إختياراته، فهو من يستطيع بحسب ثوابته وتراكماته أن يحدد أسلوب الأداء، أن يضع هوامش يلجأ إليها عند الضرورة كلما كانت هناك حاجة لمواجهة الطوارئ· وإذا ما كانت جبهة الهجوم قد إنتعشت بمجيء فرديات ممتازة مثل نبيل باها الذي يوقع مع مالقا الإسباني على فترة إختمار، ومثل منير الحمداوي الذي يبرز أوروبيا مع الكاميروني صامويل إيطو كأفضل هدافي بدايات الموسم، فإن العمل كله يجب أن ينصب على جبهة الدفاع التي يزيدها اليوم غياب وادو المتكرر لثواثر الإصابات ضعفا ووهنا·· فهذه الجبهة هي أساس الجسد إذا مرضت تداعت لها كل الجبهات الأخرى بالحمى· يوضع أسود الأطلس ويوضع روجي لومير أمام إختبار قوي وصريح، أتمنى أن نخرج منه بكل ما يعزز الثقة في فريقنا الوطني، الثقة التي تأتي من نوعية الأداء الجماعي أكثر ما تأتي من النتيجة·