كان المغاربة سواء، في الإعتراض وفي إبداء الإمتعاض على الطريقة التي تم بها إسقاط الزاكي بادو من منصب الناخب الوطني الذي قيل أنه ما أتى مجددا إليه إلا بإلحاح من الشعب الذي ما كان يرى في غيره ملاذا وملجئا كلما ضاقت السبل بالفريق الوطني وتجرع مرارة الإقصاء. الكل إعترض على طريقة وتوقيت الإنفصال عن الزاكي، الذين كانوا يرون فيه رجل المرحلة والمنقذ من الإقصاءات أو الذين لم يتحمسوا حتى لعودته لعدم إقتناعهم بأهليته حتى بعد الذي أنجزه سنة 2004 بقيادته الفريق الوطني للعب نهائي كأس إفريقيا للأمم بتونس، وأنا من أولئك الذين طرحوا بقوة سؤال الجدوى من الإنفصال عن الزاكي وسؤال المجازفة بالتضحية بناخب وطني لم يفشل في أي من الأهداف التي ينص عليها عقد الإرتباط مع الجامعة وسؤال المخاطرة التي عرضت الجامعة نفسها وعرضت لها الفريق الوطني وهو المقبل خلال شهر ونصف على استحقاق قاري بالغ الأهمية، إن لم يكن حاسما في تقرير مصيره في تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2017. ولا حاجة لأن أعود بكم إلى صكوك الإتهام التي عرض لها المكتب المديري للجامعة في بلاغه الذي شرح للمغاربة مسببات الإنفصال عن الزاكي بادو في هذا التوقيت الحرج والخطير، فهي حبلى بالمتناقضات التي لا يمكن قطعا، عند أي مرافعة القبول بها إجرائيا لعدم سلامتها ومنطقيتها. لا تستطيع الجامعة ولا مكتبها المديري الذي قيل أنه صادق بالإجماع على قرار الإنفصال بالتراضي عن الناخب الوطني الزاكي بادو، أن يقنعنا بأن الزاكي فشل في مهمته، فمن يفشل بلغة الأرقام لا بلغة العواطف والإنطباعات، هو من لا يتطابق مع الأهداف المنصوص عليها في شريعة العقد، والزاكي يقال اليوم أو ينفصل عليه وهو متطابق مع كل الأهداف المنصوص عليها في عقده، إنه يتصدر مجموعته الخاصة بتصفيات كأس إفريقيا للأمم 2017 مناصفة مع الرأس الأخضر بفوزين إثنين، وهو أيضا متأهل مع الفريق الوطني للدور الثاني والحاسم لتصفيات كأس العالم 2018، فما الذي أوجس للمكتب المديري وما الذي أكرهه على اتخاذ قرار الإقالة في حق مدرب لم يفشل حتى اليوم في أي من الأهداف المتعاقد عليها؟ الأمر هنا يتعلق بافتحاص تحدث عنه رئيس الجامعة فوزي لقجع بعد الهزيمة بباطا أمام منتخب غينيا الإستوائية، وهي الهزيمة الأولى للزاكي في أربع مباريات رسمية فاز بثلاث منها، افتحاص عمودي وأفقي حضرت فيه الكثير من التشريحات التقنية والرياضية، وعلى ضوئه كانت هناك قراءات إستباقية توصلت إلى أنه من غير المفيد إطلاقا الإبقاء على الزاكي ناخبا وطنيا. وإذا ما نحن قبلنا تجاوزا بهذه الإنطباعات التي لا يمكن أبدا التسليم بأنها لا تقبل الطعن ولا التشكيك، فإننا سنختلف كليا في أن تكون هذه الإنطباعات التقنية لوحدها سندا عليه يمكن للمكتب المديري للجامعة أن يتوكأ لإشهار قرار خطير وملزم، قرار الإنفصال قبل موقعتي الرأس الأخضر عن الزاكي والإستعاضة عنه بمدرب آخر لا أحد سيضمن أنه سيكون الحل الأمثل لتحرير الفريق الوطني من كل المعطلات التي لا تسمح له بمطابقة نفسه، لسبب بسيط هو أنني غير مقتنع بأن الناخب الوطني أيا كانت جنسيته هو المتهم الأوحد في كل الجنايات التي يرتكبها الفريق الوطني في حق نفسه وفي حق المغاربة. كان المكتب المديري الذي انتخب يوم 13 أبريل 2014 ليدير الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، بحاجة إلى مدرب إنتحاري (كاميكاز) يحضر الفريق الوطني في ظرف زمني قياسي لبطولة إفريقية تنظم بعد ستة أشهر بالمغرب، والرهان هو الفوز بلقبها أو الوصول لمباراتها النهائية على الأقل، ولأنه لم يكن ممكنا أن تتعاقد الجامعة مع مدرب أجنبي، أيا كانت جنسيته وتلزمه تعاقديا بضرورة المنافسة على اللقب القاري، فقد إهتدت للزاكي بادو ليكون هو المدرب الكاميكاز، فهو مطلب دائم للمغاربة وهو عارف بأدق خبايا الفريق الوطني منذ غادره سنة 2005 بعد التأهل بتونس أمام نسور قرطاج، التعادل الذي قضى على حلم الوصول لمونديال 2006، وهو أيضا مدرب التحديات والرهانات القوية، فكانت حماسة الرجل للعودة للفريق الوطني مدخلا لكي يتم تعيينه ناخبا وطنيا يوضع على الفور أمام امتحان قاري فيه يعز أو يهان. من حسن حظ الزاكي أن الرياح جرت بما لم تشتهه الجامعة، إذ تم نفي كأس إفريقيا للأمم 2015 إلى غينيا الإستوائية وأقصي الفريق الوطني منها بقرار من الكاف، وأصبح الزاكي حلا من عقد الأهداف الأول، ليفرض ذلك على الجامعة تجديد العقد بأهداف أخرى، وتعليق كل نية في محاكمة الزاكي حتى إشعار آخر. ومع بداية الحلقة الجديدة من التحضيرات والدخول الرسمي في التصفيات القارية، وضع الزاكي في الإختبار الذي حددت الجامعة سلفا خطوطه العريضة، ومع انقضاء كل مباراة كانت أسئلة كثيرة تطرح على الزاكي، منها سؤال الخط التصاعدي الذي يسير فيه الفريق الوطني وسؤال جدوى كل التغييرات التي يحدثها الزاكي على البنية البشرية وسؤال النحث الذي يباشر على أسلوب اللعب، ليتجمع للمكتب المديري للجامعة ما يفيد بأن الزاكي لا يمكنه أن يكون هو رجل المرحلة، وأن المجازفة بترحيله عن الفريق الوطني أخف بكثير من مجازفة الإبقاء عليه ناخبا وطنيا أمام ما إعتبره إنسدادا للأفق. والذين يظنون أن المكتب المديري للجامعة أهان الزاكي وحكم على عمله بالفشل وأخرجه من الباب الصغير مخطئون، فلا شيء من هذا صحيح برغم ما نشترك فيه من حسرة وانزعاج على شكل وتوقيت القرار أكثر من القرار نفسه، فالزاكي قد يكون تأخر كثيرا في إلباس الفريق الوطني الشخصية التي تتطابق مع ممكناته وتعيده قويا للمشهد الكروي القاري، قد يكون تحت إكراهات كثيرة قد بالغ في اختبار عنصر تلو الآخر برغم أنه يستقر بشكل كبير على التوابث، وقد يكون الزاكي تصلب في كثير من المواقف وهو المطالب بالليونة التي لا تعني الإذعان للآخرين، إلا أنه نجح حتى يوم الإنفصال عنه وبنسبة مائة بالمائة في كل الأهداف التي تعاقد من أجلها مع الجامعة، كما نجح في تنظيف عرين أسود الأطلس من كل الشوائب التي كانت تسيطر عليه في السابق وثبت أنها كانت من مسببات الإخفاقات المتواثرة، وبرغم ما نبديه من إعتراض على منهجية العمل، إلا أن الزاكي بادو نجح في تطعيم الفريق الوطني بعناصر صغيرة السن، كانت مطاردة بقوة من منتخبات بلدان الإقامة وهي اليوم أضلاع قوية لا يمكن لأي ناخب وطني جديد أن يستغني عن كثير منها (منير المحمدي، أشرف لزعر، مروان داكوسطا، فؤاد شفيق، أحمد المسعودي، حكيم زياش، فيصل فجر، عدنان تيغادويني، مصطفى لكبير، أسامة طنان، هاشم مستور، رشدي أشنطيح، عاطف شحشوح وياسين بامو). إنتهي إلى أن الزاكي سيبقى أسطورة في تاريخ الفريق الوطني مدربا كما كان لاعبا، فإن نجح الفريق الوطني مع الناخب القادم الذي لن يكون سوى هيرفي رونار في حجز مقعد في نهائيات كأس إفريقيا للأمم 2017، سنجمع جميعا على أن للزاكي نصيبا وافرا في هذا النجاح، وإن أخفق الفريق الوطني لا قدر الله في الوصول لنهائيات «الكان» بالغابون سنلقى باللوم كله على المكتب المديري للجامعة لكونه إستعجل في إقالة الزاكي بلا سند قانوني. فهل بعد هذا كله يمكن القول أن الزاكي فشل في ثاني مهمة له على رأس الفريق الوطني؟ هل بعد كل هذا يمكن القول بأن الزاكي خرج صاغرا ومهانا من عرين الأسود؟