قال عز وجل في محكم كتابه الحكيم: "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين" [الاَعراف، 22]. سيق هذا الدعاء من آدم وحواء عليهما السلام في مقام مقالي يتعلق بقصة خلقهما وما لحق ذلك من أحداث متعددة، وما أعقبه من توجيهات سامية من الله عز وجل. وهو ما نص عليه قوله تعالى: "ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اِسجدوا ءَلاِدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين قال ما منعك ألاَّ تسجد إذَ اَمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج اِنك من الصاغرين قال أنظرني إلى يوم يبعثون قال إنك من المنظرين قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم ءَلاَتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن اَيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين قال اَخرج منها مذءُوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين" [الاَعراف، 11-17]. لقد أسكن الله تعالى آدم وزوجه الجنة، وأباح لهما كل طيباتها باستثناء شجرة واحدة، ولكنهما عصيا ربهما على الرغم من تنبيهه لهما، ولهذا ذكرهما مرة أخرى بنهيه، وبأن الشيطان هو عدوهما المبين فقال جلت قدرته: "وناداهما ربهما ألم اَنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين"ٍ [الاَعراف، 21]. يبدو من المقام المقالي الذي سيق فيه هذا الدعاء أن معصية الأمر الإلهي قاسم مشترك بين آدم عليه السلام وزوجه وإبليس، كل واحد من هما عصى ربه، إبليس عصى ربه فلم يسجد لآدم كما أمره الله عز وجل. أما آدم وزوجه فعصيا ربهما، إذ ذاقا الشجرة التي أمرهما الله عز وجل بعدم الاقتراب منها. كما يبدو من المقام المقالي الذي سيق فيه هذا الدعاء أيضا أن إبليس بعد معصيته الله عز وجل طلب منه سبحانه النظرة، ولم يطلب التوبة[1]. وهكذا إذا كانت المعصية عنصرا مشتركا بينهم جميعا؛ فإن آدم وزوجه تميزا بجملة من الخصائص الإنسانية التي تميز الكائن البشري. نعني خاصية إدراك الأخطاء، وخاصية معرفة الزلات، وخاصية العزم على التصحيح والتعديل والمراجعة والتقويم. وكلها خصائص يحمل عليها فعل التوبة المفهوم من هذا الدعاء الصادر من آدم و زوجه: "قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا و ترحمنا لنكونن من الخاسرين" [الاَعراف، 22][2]. --------------------------------------- 1. قال بعض المفسرين، "من أشبه آدم بالاعتراف وسؤال المغفرة والندم والإقلاع إذا صدرت منه الذنوب اجتباه ربه وهداه. ومن أشبه إبليس إذا صدر منه الذنب لا يزال يزداد من المعاصي فغنه لا يزداد من الله إلا بعدا". تفسير السعدي، ج: 1، ص: 285. 2. قال الضحاك: "هي الكلمات التي تلقاها آدم من ربه". ينظر تفسير بن كثير، ج: 2، ص: 207.