لقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأخوة العامة، والإنسانية الرحيمة، والخلق الرفيع، وأن الناس كلهم من آدم وآدم من تراب، وأن أكرمهم عند الله اتقاهم، فلا مكان في الإسلام للنظم السيئة، ولا للتفرقة بين الأجناس ولا للطبقية، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع: "إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم من تراب "يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" [الحجرات، 13]. وقال صلى الله عليه وسلم "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.. ". إن تماسك الأمة الإسلامية وتحررها وقدرتها على تقرير مصيرها وفق ما تقتضيه شريعتها لا يحصل إلا بالخضوع للنظام الإسلامي على جميع الأصعدة. ويجب أن يسير الإصلاح الاجتماعي بالتدرج، والتأني والوعي السليم، والنضج المتين، بلا هوى ولا خداع، حتى تنضج الثمرة وتؤتي أكلها. والإصلاح إذا خضع للهوى والنزاعات كان ضرره كبيرا ومفاسده عامة والتعصب مفسدة مميتة، وهو ينشأ من ضيق النظر وجمود الفكرة وغلبة الأهواء، والتاريخ مليء بالشواهد الدالة على ما يفضي إليه التعصب من خراب ودمار. وبالسماحة يتسع الأفق ويزول التزمت وتحترم الآراء وتتحسن العلاقات بين الدول والشعوب والأفراد. وقد قاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أمة العرب بحكمة خارقة، في جو خانق، وقلب شرها إلى خير، وأنانيتها إلى إيثار واضطرابها إلى أمن، وفسادها إلى صلاح، وهكذا تحول مصير العرب من خمول وجمود إلى قوة وعزم وصلاح، فبلغوا رسالة الإسلام إلى مختلف الأمم والشعوب لتقرير مصيرها بنفسها. لقد استطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ظرف وجيز أن يغير أمة العرب ومظاهرها الفاسدة وعقائدها الزائغة وأرواحها النتنة ليجعلها أمة واحدة مسموعة الكلمة مطاعة التشريع الذي هو من عند الله لا يعتريه باطل ولا تحيط به شكوك. وبذلك تمكنت الشعوب المسلمة المضطهدة من تقرير مصيرها واسترجاع كرامتها وحريتها في ظل شريعة الله الخالدة. جريدة ميثاق الرابطة، العدد 794، الخميس 22 جمادى الأولى، 1418ه الموافق 25 شتنبر1997م، السنة الثلاثون.