هذا هو الجزء الواحد والعشرون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته. عبد الله بن محمد بن عبد الملك الفاسي، أبو محمد ابن السكاك الفاسي المالكي (ت 596 ه) [القسم الثاني] ذكرت في الجزء السابق عزة مادة ترجمة ابن السكاك شيخ ابن القطان، وأن عمدة من ترجمه على من ذكره الآخذان عنه: ابن القطان ويعيش بن القديم؛ والظاهر أن ذِكْرَ أبي محمد بن السكاك حُفِظ في كتب التراجم بسبب إيراد ابن القطان وابن القديم له. والظاهر أيضا أن موجب أَخْذِ الإمامين المذكورين عن ابن السكاك ما جرت به عادة أهل الرواية من الحرص على الأخذ عن من علا سنده، وذلك لأجل طول عمره، وتبكيره بالطلب، أو من عرف بالأخذ عن صدور الأعلام،والرحلة إليهم، خصوصا إذا انضاف إلى ذلك عدالة وستر. وهذه الأمور اجتمعت في ابن السكاك، فقد عمر وعاش بضعا وتسعين سنة، وأخذ عن كبيرين عظيمين: ابن ورد بالمغرب، وأبي طاهر السلفي بالمشرق، هذا مع كونه مُعَدَلاً. ومثل هذا ممن يَرغَب مثل ابن القطان وابن القديم في الأخذ عنه وإدراجه في المشيخة. وقد وقفت على أمر آخر في غاية الندرة وفي مثله يُرغب كثيراً، ولو وقف عليه مترجموه لكان من أعظم ما يذكر في ترجمته، وهو رواية السلفي عنه حكايةً وإدخالُه إياه في معجم السفر. وقد كان السلفي مُولَعا بتقييد نوادر يستطرفها عمن لقيهم من أهل المغرب والأندلس، وله في تراجمهم وأخبارهم غرائب الفوائد، وكتابه معجم السفر من أعظم وأوثق مصادر الأخبار المغربية والأندلسية في نهاية القرن الخامس وبداية السادس. ونَقْلُ السلفي عن ابن السكاك أمر جليل، فقد ذكر ابن عبد الملك قضيةً في ترجمة ابن مومن: علي بن عتيق -وهو أحد كبار الحفاظ وأماثل العلماء لا يقاس به في هذا المجال ابن السكاك- يستشف منها ما في إدخال السلفي للمترجَم في معجمه من عظيم التنويه به فقال: "وذكر أبو العباس بن عبد المؤمن أن أبا الطاهر السلفي استجازه أيضاً لنفسه، وما أرى ذلك صحيحاً؛ لأنه لو كان لأثبته في ذِكْرِهِ من برنامجه، وعَدَّهُ من كُبَر مفاخره"[1] ونص الحكاية التي أوردها السلفي عن ابن السكاك والتي أعدها من كُبَر مفاخر هذا الأخير هو الآتي: قال السلفي: "سمعت أبا محمد عبد الله بن محمد بن عبد الملك الفاسي بالثغر يقول: سمعت عمي ميمون بن عبد الملك الفاسي بها يقول: كان لعبدون بن ملّولة الشاعر المعروف بالزَربَطاني بستانُ فيها شجرة تين يضرب بها المثل، ويقال لها "لا مثْلُها" ووصى الحارس بها من دون الأشجار، فعُدي عليها فقال: غَرَسْتُ مِنَ التّينِ "لاَ مِثْلُهَا" *** وَمَنْ مِثْل "لاَ مِثْلُهَا" يغْرسُ وَإِنّي اتَّخَذْتُ لهَا حَارِساً *** وَمِنْ مِثْلِ حَارِسِهَا تُحْرَسُ"[2] وأما مصنفات ابن السكاك التي يعد ذكرها من مقاصد هذه الترجمة فما أظن أن له شيئا، إذ التصنيف في الغالب من شأن المعروفين بالعلم، وقد ذُكِر ابن السكاك بغير ذلك، وهو يقتضى بداهة عدم وُلُوجِه مسالك التصنيف. وأما مروياته فأخْذُه عن ابن ورد والسلفي، يدل على أن كتبا جليلة دخلتْ فيما حمله من كتب العلم، لكنني لم أجد فيما تحت يدي من مراجع شيئا يُروى ِمنَ المصنفات مِنْ طريقه. هذا وأختم هذه الترجمة بالتنبيه على أن ابن السكاك المغربي المشهور، هو العياضي المكناسي وهو: محمد بن محمد أبو غالب المكناسي أبو عبد الله وأبو يحيى المتوفي بفاس سنة (818)، ومصادر ترجمته متعددة نبه على جملتها، وجمع مقاصدها الشيخ سيدي محمد بن جعفر الكتاني في سلوة الأنفاس[3]. ولابن السكاك هذا مصنفات متعددة أجلها شرح الشفا؛ ووقفت له مما يوجد مخطوطا بخزائن المغرب من مصنفاته على: 1. استخراج كنز الملوك والوزراء والحجاب بالتعريف بأذكار يتوصل بها إلى فوز الدارين أرباب الألباب؛ ويوجد بالخزائن المغربية ثلاث عشرة نسخة منه: خمس بالملكية تحت أرقام: 894- 11973- 12127- 13097[4]، وثلاث بالعامة تحت أرقام: 223/5د-952د-90ك[5]، وواحدة بالقرويين تحت رقم: 1541[6]، وأخرى بخزانة المسجد الأعظم بمكناس تحت رقم: 339[7]، وأخرى بالناصرية بتمكروت تحت رقم: 2160[8]، وأخرى بمكتبة مؤسسة الملك عبد العزيز بالدار البيضاء تحت رقم: 542/7[9]، وأخيرة بالصبيحية بسلا تحت رقم: 1161/5[10]. 2. شرح أبيات في مدح خير البرية لابن وفا؛ ويوجد بالخزائن المغربية نسختان منه: واحدة بالقرويين تحت رقم: 1557/3[11]، وأخرى بالناصرية تحت رقم : 1869[12]. 3. نصح ملوك الإسلام بالتعريف بما يجب عليهم من حقوق آل البيت الكرام؛ ويوجد بالخزائن المغربية نسختان منه: واحدة بالعامة تحت رقم: ك1256، وواحدة بخزانة الأستاذ علال الفاسي 778[13]. وسأعرض في المقال المقبل -إن شاء الله تعالى- لشيخ آخر من شيوخ ابن القطان على نفس النهج الذي سرت عليه في هذه الترجمة وما سَبَقَها. والله أعلم.. ------------------------------------------------------- 1. الذيل والتكملة، (س5/ ق1/259). 2. معجم السفر (155). 3. سلوة الأنفاس (2/144- 145). 4. كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية، إنجاز عمر عمور، إشراف وتقديم أحمد شوقي بنبين، نشر الخزانة الحسنية، الرباط، الطبعة الأولى 1428 (64). 5. فهرس المخطوطات العربية المحفوظة في الخزانة العامة بالرباط (1/40) - (ق2/1/203) - (6/136). 6. ذخائر المخطوطات بالمملكة المغربية: مخطوطات القرويين: الفهرس – النوادر. قرص مدمج من إصدار وزارة الشؤون الثقافية بالمملكة المغربية، 2000م. وفيه زيادات كثيرة على ما في فهرس العلامة محمد العابد الفاسي رحمه الله وهذا الكتاب منها. 7. فهرس المخطوطات المحفوظة في خزانة الجامع الكبير بمكناس، إعداد عبد السلام البراق، منشورات وزارة الثقافة، الرباط، الطبعة الأولى 2004م، ص:201. 8. دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت. إعداد محمد المنوني، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، الطبعة الأولى 1405، ص: 141. 9. فهرس المخطوطات العربية والأمازيغية، إعداد محمد القادري وأحمد أيت بلعيد وعادل قيبال، مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود للدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية، الطبعة الأولى 2005م، (2/472). 10. فهرس الخزانة العلمية الصبيحية بسلا، القسم الثاني (مخطوط)، ص: 83. 11. فهرس خزانة القرويين للأستاذ محمد العابد الفاسي، ط الأولى 1399 فما بعدها (4/279). 12. دليل مخطوطات دار الكتب الناصرية بتمكروت، إعداد العلامة محمد المنوني، نشر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الرباط، الطبعة الأولى 1405، ص:117. 13. الفهرس الموجز لمخطوطات مؤسسة علال الفاسي، إعداد الأستاذ عبد الرحمان بن العربي الحريشي، نشر مؤسسة علال الفاسي، الرباط، الطبعة الأولى 1991م، (1/100).