جاء الإسلام ليبطل كل التصورات المنحرفة والمتطرفة والفاسدة عن الإنسان، وهو يضع الإنسان أمام حقيقته من حيث أصل الخلقة حيث يقول الله تعالى: "فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ والتَّرائِبِ" [الطارق، 5-7]. وليس للإنسان أن يتجاوز حقيقته ويشمخ بأنفه ويعتد بقوته، ويتباهى بسطوته، ويمتلئ غطرسة وكبرياء، ويغتر بما بين يديه من وسائل وأسباب ومتسع وثروات، وطاقات وأدوات بل عليه أن يعلم أن هذا الكون قد سخره الله له من أجل فائدته ومتاعه، وعمارة هذه الأرض التي يعيش عليها، وفي هذا التسخير تكريم من الله لهذا الإنسان وتكليف له وتشريف وخليق بهذا الإنسان أن يعرف منزلته، ويدرك تبعته ويؤدي وظيفته، وفي ذالك يقول سبحانه: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا" [الإسراء، 70]. ومن الطبيعي أن تقتضي خصائص الإنسان منهجا للحياة الإنسانية يرعى كل تلك الخصائص والاعتبارات ويرعى تفرد الإنسان في طبيعته وتركيبه وتفرده في وظيفته وغاية وجوده، وتفرده في مآله ومصيره، وقد جاء منهج الإسلام للحياة الإنسانية بتحديد واضح للعلاقة بين الإنسان والحياة، فإذا كانت هذه الحياة الدنيا قد خلقت لهذا الإنسان لينتفع بها ويستمتع، فليس له أن يقف منها موقفا سلبيا ظنا منه بأنها شيء يجب الاحتراز منه، كما ليس له أن يحرم على نفسه زينتها ونعيمها، بل من واجبه أن ينتفع بها ويستخدمها على قدر استطاعته مع إدراك كامل منه وتمييز دقيق للصحيح والفاسد، والحق والباطل والطيب والخبيث...قال تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الاَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ" [البقرة، 167]. إن الشيء الوحيد الذي له البقاء في الإسلام هو الصلاح، أي: صلاح القلب، وصلاح الروح، وصلاح الأعمال. جريدة ميثاق الرابطة، العدد 804، الخميس،17 شعبان، 1418ه / الموافق 18 دجنبر 1997 م، السنة الثلاثون.