وضعية التحملات ومداخيل الخزينة.. عجز في الميزانية بقيمة 60,3 مليار درهم عند متم أكتوبر 2025    إحداث 81 ألف و 180 مقاولة في 9 أشهر بالمغرب    مسؤول بالداخلية العراقية يشيد بالنموذج المغربي في مواجهة التطرف والإرهاب    حادثة سير مميتة تفجع أسرة التعليم بالعرائش وشفشاون    الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط: "استمرا اعتقال زيان قانوني "    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    العالم يقتل نساءه بصمت: 50 ألف ضحية سقطن على أيدي أقاربهن في 2024 وفق تقرير أممي صادم    برلماني يطالب بتغيير توقيت الامتحانات الجهوية والوطنية بسبب الحرارة    باليريا تصبح الراعي الرسمي لفريق فتح الرياضي الناظور    وفاة الفنانة بيونة إحدى رموز السينما في الجزائر    أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه صلابة تشيلسي في اختبار كلاسيكي وسيتي يتحدى ليفركوزن    العدول يرفضون مشروع القانون المنظم للمهنة ويطالبون بسحبه    مهرجان "أزاما آرت" يعود في دورته الثالثة بأزمور تحت شعار الثقافة والفن    مسرح رياض السلطان يجمع النمساوية سيبا كايان والسوري عروة صالح في عرض يدمج الموسيقى الالكترونية بالروحانية الصوفية    ليلةُ الاستقلالِ والمَسيرةِ فى تونس... حين التقت الضفتان على نغمة واحدة    مشروع قانون المسطرة المدنية وإعادة تنظيم "ISIC" على طاولة مجلس الحكومة    لقجع يعبر عن استيائه من تحكيم مباراة المغرب والبرازيل ويؤكد الحاجة لتحسين الأداء التحكيمي    باتنا يرفض الإجابة بخصوص عدم المناداة عليه للمنتخب المغربي الرديف    "الجبهة" تدعو لتظاهرات شعبية تخليدا لليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني        جلالة الملك يهنئ رئيسة جمهورية السورينام بمناسبة العيد الوطني لبلادها    بورصة الدار البيضاء .. تداولات الافتتاح على وقع الأخضر    في اليوم ال46 للهدنة... قتيل فلسطيني وقصف متواصل وخطة ترامب للسلام تتعثر    "بي دي إس": سفينة جديدة ترسو بميناء طنجة محملة بشحنة متجهة إلى إسرائيل    الأمم المتحدة تتهم إسرائيل بارتكاب "مجزرة مساكن" في غزة وتربط الهدم بجريمة الإبادة الجماعية    أفغانستان تتوعد بالرد على باكستان    الشريط الشاهد الناطق الحي، وانتصار مشروع للصحفي المهداوي على أصحاب ....UN PETIT MOT POUR A وأصحاب ... LES GROS MOTS    باحثون مغاربة يؤسسون أول منتدى وطني لعلوم التربية وانتخاب لحسن مادي رئيسا بالإجماع    ميزة جديدة لتحديد الموقع على منصة "إكس" تثير جدلا في العالم    عمدة نيويورك ممداني يُظهر عشقه لأرسنال ويستحضر الشماخ في حوار بودكاست    بعد ساعات من طرحها للبيع.. نفاد تذاكر مباراة الجيش الملكي ضد الأهلي    لبؤات الأطلس يواجهن وديا بوركينافاسو وجنوب إفريقيا    كاتب جزائري يحذر من ضغوط أمريكية على الجزائر بعد تبني قرار مجلس الأمن حول الصحراء    "الصحراء المغربية" تحضر بقوة في أسئلة البرلمان الإسباني الموجهة لألباريس    مجلس المستشارين.. نادية فتاح: مشروع قانون المالية يؤكد أولوية البعد الاجتماعي والمجالي ويرسخ دينامية الإصلاح            كيوسك الثلاثاء | وزارة الصحة تلزم مديريها بنشر لوائح الأطباء المكلفين بالحراسة لضمان استمرارية الخدمات    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية اليوم الثلاثاء    روسيا تقترح تنظيم مونديال لغير المؤهلين لنسخة 2026..    الاتحاد الوجدي يسقط "الماط" ويمنح جاره المولودية فرصة خطف الصدارة    قافلة الدعم للمقاولات تحطّ بالمضيق... آليات جديدة لتعزيز الاستثمار وخلق فرص الشغل    صنّاع الأفلام القطريون والمقيمون في قطر يؤكدون على أهمية دعم مؤسسة الدوحة للأفلام والمجتمع الإبداعي في بناء صناعة سينمائية مستدامة    ستيفن سودربرغ في مهرجان الدوحة السينمائي: سرد القصص الجيدة قائم في تكويننا وصفة مشتركة بيننا    إيران تعلن تنفيذ الإعدام بحق مغتصب        آلام الأذن لدى الأطفال .. متى تستلزم استشارة الطبيب؟    دراسة: التدخين من وقت لآخر يسبب أضرارا خطيرة للقلب    دراسة علمية تشير لإمكانية إعادة البصر لمصابي كسل العين    وفاة الممثل الألماني وأيقونة هوليوود أودو كير عن 81 عاماً    مملكة القصب " بمهرجان الدوحة السينمائي في أول عرض له بشمال إفريقيا والشرق الأوسط        دراسة: استخدام الأصابع في الحساب يمهد للتفوق في الرياضيات    إصدار جديد من سلسلة تراث فجيج    معمار النص... نص المعمار    الوصايا العشر في سورة الأنعام: قراءة فقهيّة تأمليّة في ضوء منهج القرآن التحويلي    المسلم والإسلامي..    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الأخلاق (2)

في موضوع سابق، كنت قد تكلمت بصفة عامة عن أزمة الأخلاق التي تسربت إلى مجتمعاتنا، وكانت هناك مجموعة من الأسئلة تؤرقني، وشحنة من المشاعر الانفعالية عبرت عنها بتلقائية. والآن سأحاول أن أقف على بعض من مظاهر هذه الأزمة، محاولة التفكير بصوت عال في بعض الحلول.
وقبل الشروع في هذا الأمر، أود في البداية، أن أشكر كل من اهتم بمقالتي السابقة، وأبدى رأيه في موضوعها، الأمر الذي أثرى مضمونها، وزادها حلية، وشجعني على التعمق في الموضوع أكثر.
لقد ارتأيت أن أقف عند مظهر خطير من مظاهر هذه الأزمة الخلقية، استفحل في الآونة الأخيرة، حتى أصبح الأمر مألوفا، من كثرة ما تعودنا على سماعه في وسائل الإعلام، وفي الحديث اليومي للعامة، وفي تصدره الصفحات الأولى للجرائد، ألا وهو "العنف ضد الأصول" وهو من الجرائم المستحدثة في ثقافة المجتمع الحالي.
المظهر الأول: العنف ضد الأصول
لا بأس قبل أن أنطلق في الحديث عن هذه الظاهرة، أن أعرف بداية بلفظة "الأصول". فهذه اللفظة تطلق شرعا وقانونا على الوالدين. فأصول الإنسان من لهم عليه ولادة، وهم تحديدا الآباء والأمهات، والأجداد والجدات.
وإذا نظرنا إلى التعاليم الإسلامية، وكيف تعاملت مع الأصول وجدناها قد أحاطت هذه الشريحة من المجتمع بعناية فائقة وأهمية قصوى.
فمنزلة الوالدين في الإسلام منزلة عظيمة، ويكفينا أن نعرف بأن الله تعالى، جعل برهما قرين التوحيد، وشكرهما مقرون بشكره تعالى، والإحسان إليهما أنبل الأعمال، وعقوقهما من الكبائر. قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا، اِما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما، وقل لهما قولا كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا" [سورة الإسراء، الآيتان: 23-24].
وأكثر من ذلك؛ فإن لهما حق البر والمصاحبة حتى ولو كانا كافرين، قال تعالى: "وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا" [سورة لقمان، جزء من الآية: 15].
أما السيرة النبوية، فهي أيضا زاخرة بالأحاديث في هذا الموضوع، أذكر منها: أخرج البيهقي رحمه الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح مطيعا لله في والديه، أصبح له بابان مفتوحان من الجنة، وإن كان واحدا فواحدا، ومن أمسى عاصيا لله في والديه، أصبح له بابان مفتوحان من النار، وإن كان واحدا فواحدا، فقال رجل: وإن ظلماه؟ قال: وإن ظلماه، وإن ظلماه، وإن ظلماه". [شعب الإيمان، الحديث رقم 7916. 2/206. طبعة دار الكتب العلمية بيروت].
هذه إخوتي هي نظرة الإسلام إلى الوالدين، وهي نظرة كما نرى مقدسة.
دعونا الآن نتأمل الوضع الذي آلت إليه العلاقة بين الآباء والأبناء، سوف نجد تناقضا كبيرا وبونا شاسعا بين ما يجب أن تكون عليه هذه العلاقة، وبين ما هو كائن. فنحن نتألم يوميا بسبب ما نسمع من عنف يمارس على الأصول، الأمر الذي لم نكن نجرؤ حتى على التفكير فيه، فبالأحرى تطبيقه.
وقد اتخذ هذا العنف أشكالا متعددة، فنجد العنف اللفظي، حيث السب والشتم، والنهر الإهانة والتحقير، وأقلها درجة التأفف.
كما نجد العنف النفسي، وهو أخطر أنواع العنف، حيث ينعدم الحياء، ويموت في الإنسان تأنيب الضمير، وأوضح مثال على ذلك، هو الزج بالوالدين في دور العجزة، أو دور المسنين، أو دور الرعاية....تعددت الأسماء والمعنى واحد. أما أنا فأجد أنسب تسمية لهذه الدار: دار الموت البطيء...
نعم أعزائي القراء، فيكفي أن تقوم بزيارة لهذه الديار، لتكتشف جرحا عميقا في الصدور، وترى مقلا التهبت من كثرة الدموع حزنا على الحكم الشنيع الذي أصدره في حقهم فلذات أكبادهم، بدل أن يجنوا ثمار الكفاح. هذا، ناهيك عن تصرفات أخرى من قبيل شرب الدخان أمامهم، والبخل عليهم، والعبوس في وجوههم، وتمني زوالهم والعياذ بالله.
أما النوع الثالث من هذا العنف فهو العنف الجسدي، واعذروني فأنا لا أجد تعليقا مناسبا على هذا النوع من العنف، فقلمي لا يطاوعني، ولساني يعجز عن التعبير عنه؛ لأنه أمر يستهجنه العقل السليم.
هذا غيض من فيض، مما يرتكب في حق الأصول من جرائم، يحرمها الدين الإسلامي، ويعاقب عليها القانون، وتمجها الأذواق السليمة والعقول النيرة.
ويحق لنا الآن أن نتساءل ما هي إذن الأسباب التي تكمن وراء هذه الظاهرة؟
الدوافع كثيرة ومتعددة: منها ما يخص أخلاق الأبناء المعاصرين، من قبيل الإدمان وتعاطي الكحول والمخدرات، الأمر الذي يؤدي إلى إبطال دور العقل الكامن في توجيه سلوكيات الفرد، ثم عدم شعورهم بالمسؤولية، وتحول النموذج من الأب والأم إلى نماذج نراها في الإعلام مثلا أو غيره لا قيمة لها.
ومنها ما يتعلق بالمجتمع الحالي، هذا المجتمع المادي الجشع الذي لا يهمه سوى المال، فقد هويته الإسلامية، وحتى هويته المغربية، من حيث الثوابت والقيم الأخلاقية.
ومنها ما يرجعه الأطباء والمختصون إلى الأمراض النفسية والاجتماعية التي أفرزتها وتيرة الحياة الصعبة والضغوط التي تمارسها على الإنسان.
ولا نستثني من هذه الأسباب أيضا سببا، أراه جوهريا، وهو الجهل بالدين عند البعض والفهم الخاطئ لتعاليمه، وغياب الوازع الديني عند البعض الآخر، وبالتالي ينتج عن ذلك التطبيق السلبي الذي ينحو منحى مغايرا.
هذا، وتجدر الإشارة، إلى أن هذا الجفاء في المشاعر اتجاه الآباء، قد يكون صادرا عن تصرفاتهم الخاطئة أيضا، فالبيت الذي يغيب فيه الحوار، وينعدم فيه التواصل، وتسود فيه لغة العنف، يكون غير قادر على معالجة المشاكل، مما ينعكس سلبا على الأبناء، فيولد عندهم الشعور بالتيه والضياع والغربة النفسية، وهذا ما يجعلهم يفرغون مكبوتاتهم على الآباء، ويجعلهم أيضا فريسة سهلة لأصدقاء السوء.
والحق أني لا أملك عصا سحرية لحل هذه المعضلة الاجتماعية الخطيرة، ولكن من مبدأ اليد الواحدة لا تصفق، دعوني أفكر معكم بصوت عال في بعض الحلول، على سبيل الذكر لا الحصر:
• زرع بذور الدين الصحيح، فمن شب على شيء شاب عليه. وهذه مسؤولية مشتركة بيننا، كل من موقعه؛
• اختيار الأم الصالحة الطاهرة، وهنا أشد على يد الأستاذ الكريم السيد عبد السلام أجرير عندما دعا في موضوعه إلى ضرورة تعليم المرأة، لأن صلاحها من صلاح أخلاق الأمة؛
• الرعاية والتوجيه السليم للأبناء، عن طريق إعطاء القدوة والمثال؛
• قيام العلماء بدورهم الصحيح في التوجيه والإرشاد؛
• تعميق الخطاب الديني والتربوي في برامجنا التعليمية؛
• تطهير الإعلام العربي من السموم التي تسربت إليه من المجتمعات الغربية المادية المتوحشة؛
• وعلى القائمين بشؤون هذه الشريحة من الناس نفض الغبار عن القوانين المركونة في الرفوف وتفعيلها.
وختاما، عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة، لا يمكننا أن نختلف أبدا في كون قيمة الوالدين هي قيمة إنسانية عظيمة، ونعمة ربانية لا تقدر بثمن، فكما أعطاكا حقك في ضعفك، لا تنس حقهما في ضعفهما. وطوبى لمن أدرك هذه القيمة وعمل بها.
قال أبو العلاء المعري:
العيش ماض فأكرم والديك به والأم أولى بإكرام وإحسان
وحسبها الحمل والإرضاع تدمنه أمران بالفضل نالا كل إنسان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.