مما لاشك فيه أن ممارسة "التسامح" في العلاقات الإنسانية الخاصة والعامة أمر جميل وجليل، لكن هذه الممارسة يعترضها كثير من العقبات، ويعتريها كثير من التقلبات، وليست من السهولة واليسر بالقدر الذي يتخيله رجل الأخلاق والاجتماع المثالي، إذ أن "التسامح" بمعناه الكامل، وتطبيقه الشامل لا يسير في نفس الاتجاه العادي لغرائز الإنسان، إذا كانت تلك الغرائز بدائية لم تصقلها التربية، ولم يعالجها التهذيب والتقويم. وليصبح "التسامح" عملة يتعامل بها الناس في حياتهم اليومية بسهولة ويسر لا بد فيه من تربية سابقة، وتوجيه مبكر، وإعداد نفسي وخلقي دقيق، وقبول جملة من المبادئ والمسلمات للانطلاق منها في مختلف التصرفات، ومراعاتها في جميع العلاقات، وبذلك يصبح "التسامح" جزءا لا يتجزأ من حياة الإنسان العادية نفسيا وعاطفيا وفكريا. ونظرا لأهمية التسامح والآثار الطيبة التي تنشأ عنه، وخطورة التعصب والآثار البغيضة التي تترتب عليه فرديا وجماعيا فقد اهتم الإسلام بأمره اهتماما بالغا ونصت تعاليمه على عدة مبادئ نظرية يقوم التسامح على أسسها، وينطلق منها، كما نصت تعاليمه على جملة من الوسائل العملية لممارسة التسامح في الحياة اليومية.. ولعل من المفيد في هذه الندوة إطلاع جمعكم الموقر عل الطريقة التي عالج بها الإسلام موضوع التسامح، والتعريف بما قدمه من مبادئ نظرية، واقترحه من وسائل علمية ليصبح التسامح أمرا سائدات بين البشر بصورة عفوية وتلقائية.. يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى.. بحث مقدم إلى الدورة الدولية التي عقدتها لجنة "حقوق الإنسان" حول التسامح الديني والفكري بمنطقة الأممالمتحدة في جنيف من 3 إلى14 دجنبر 1984، وقد ترأس الأستاذ محمد المكي الناصري الوفد المغربي الذي مثل المغرب في هذه الدورة وقدم باسمه هذا البحث.