يقول عز وجل في محكم كتابه الحكيم: "فتعالى الله الملك الحق ولا تعجل بالقرءَان من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل رب زدني علما" [طه، 111]. سيقت الآية الكريمة في مقام مقالي ينوه الله عز وجل من خلاله بالقرآن الكريم. يبدو ذلك انطلاقا من قوله تعالى: "كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق وقد ءَاتيناك من لدنك ذكرا" [طه، 97] ويستمر ذلك إلى قوله: "وكذلك أنزلناه قرءَانا عربيا وصرفنا فيه من الوعيد لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا" [طه، 110]. فلما كانت للقرآن المجيد المكانة العظيمة والدور المفصلي والحاسم في إصلاح البشرية فقد رغب الرسول الكريم في الإكثار من نزول القرآن، بل وقد وصلت رغبته الحثيثة إلى درجة طلب التعجيل به إسراعا بعظة الناس وصلاحهم، فأعلمه الله عز وجل أن يكل الأمر إليه لأنه الأعلم بالمقدار الذي يناسب الأمة به[1] وقيل أيضا إن معنى عدم العجلة بالقرآن: لا تعجل بقراءة ما أنزل إليك لأصحابك ولا تمله عليهم حتى تتبين لك معانيه. يبدو أن المنهي عنه استعجال مخصوص، كما في قوله تعالى: "لا تحرك به لسانك لتعجل به" [القيامة، 16]. نعم لا شك في ذلك، ولكن الباعث على الاستعجال لما كان محمودا تلطف الله تعالى مع رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأتبعه نهيه عن التعجل المخصوص بالإذن له بسؤال الزيادة من العلم، سواء كان مصدره القرآن الكريم ام غيره من مصادر العلم والاجتهاد والفهم و الإدراك…[2] يفهم من نهي القرآن المتبوع بهذا النوع من الأوامر أن النقد القرآني للسلوك البشري غير محصور في المناهي السلبية بحد ذاتها لأن هذه المناهي سرعان ما تكون مقترنة -بهذه الصورة أو تلك- بما هو من المأمورات الإيجابية. فنحن إزاء نهي عن استعجال مخصوص استثمر ووظف للأمر بالحرص على مزيد من التحصيل العلمي أيا كان مصدره وموضوعه ومستواه ودرجته. وهذا الحرص هو ديدن الرسول الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، فقد من الله عليه بذلك في قوله: "وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم و كان فضل الله عليك عظيما" [النساء، 113]. وعلى كل حال يستفاد من هذا الأمر الإلهي بسؤال الزيادة في العلم دعوة أخرى إلى مزيد من التواضع العلمي الذي يدرك من خلاله المتواضع قدره العلمي والعملي. فيسارع إلى اكتساب مزيد من المعارف النافعة، ويثابر في الوقت نفسه على التسلح بالأدوات والآليات والمناهج المفيدة. روى ابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم انفعني بما علمتني، وعلمني ما ينفعني، وزدني علما، والحمد لله على كل حال" [3]. ————————————- 1. وقد يكون معنى المقدار هنا هو عدم العجلة بقراءته أي لا يجوز العجلة يقراءته حال إلقاء جبريل آياته. فإن ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبادر جبريل فيقرأ قبل أن يفرغ جبريل حرصا على الحفظ وخشية من النسيان فأنزل الله "ولا تعجل بالقرءَان" وهذا كما قال ابن عباس في قوله تعالى: "ولا تحرك به لسانك لتعجل به" ينظر الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 22 ص: 118- وابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير ج: -16، ص: 316. 2. يشبه ذلك قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر حين دخل المسجد فوجد النبي راكعا فلم يلبث أن يصل إلى الصف، بل ركع ودب إلى الصف راكعا. فقال صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصا ولا تعد". 3. سنن ابن ماجة،، باب الانتفاع بالعلم والعمل، رقم الحديث، 251.