يقول عز وجل "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" [الاِسراء، 24]. سيقت الآية في مقام إبراز أصل من أصول الشريعة ممثلا في بر الوالدين. فالأمر[1] بالدعاء لهما مسبوق بالأمر بالإحسان إليهما لقوله تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا اِما يبلغن عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما" [الاِسراء، 23]. قيل بأن الله تعالى خص هذا الأمر بالأبوين المؤمنين لقوله تعالى: "مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ" [التوبة، 114]. وقيل بأن لا نسخ ولا تخصيص؛ لأن الوالدين إذا كانا كافرين فللولد أن يدعو لهما بالهداية والإرشاد، وأن يطلب لهما الرحمة بعد حصول الإيمان. والظاهر من هذا الأمر عدم التكرار: وفي هذا المضمار سئل سفيان: كم يدعو الإنسان لوالديه؟ أفي اليوم مرة أو في الشهر أو في السنة؟ فقال: نرجو أن يجزئه إذا دعا لهما في أواخر التشهدات. علل الأمر بالدعاء بقوله تعالى: "كما ربياني صغيرا"[2]؛ أي اطلب للوالدين الرحمة التي تكافئ ما عاناه وما كابداه في تربيتك عندما كنت صغيرا. والحق كما قال الإمام بن عاشور رحمه الله: "إن الأبوة تقتضي رحمة الوالد، وصغر الولد يقتضي الرحمة به ولو لم يكن ولدا. فصار قوله: "كما ربياني صغيرا" قائما مقام ربياني ورحماني بتربيتهما. فالتربية تكملة للوجود، وهي وحدها تقتضي الشكر عليها. والرحمة حفظ للوجود من اجتناب انتهاكه وهو مقتضى الشكر، فجمع الشكر على ذلك كله بالدعاء لهما بالرحمة"[3]. تومئ الآية الكريمة إلى أن دعاء الولد لوالديه مستجاب لأن الله أذن فيه وأمر به. ويعضد ذلك الحديث النبوي، إذ جعل الرسول صلى الله عليه وسلم، دعاء الولد لوالديه عملا من الأعمال التي لا تنقطع بعد موتهما. وهذا واضح في قوله: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم بثه في صدور الرجال، وولد صالح يدعو له"[4]. ——————————- 1. ينظر الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 20، ص: 157. 2. وقع مثل هذا التعليل في قوله تعالى: "واذكروه كما هداكم". 3. ابن عاشور، تفسير التحرير والتنوير، ج: 15 ص: 73. 4. رواه مسلم وغيرهما.