يقول عز وجل: "ويدع الاِنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الاِنسان عجولا" [الاِسراء، 11]؛ سيقت الآية في مقام يبرز الله عز وجل من خلاله ما في آياته من عبر وفوائد ينتظم بها حال الإنسان. فآيات القرآن المجيد إذا فهمها الإنسان فهما سليما ونزل مقتضياتها تنزيلا سديدا تهديه إلى التي هي أقوم. وهذا واضح في قوله تعالى: "إن هذا القرءَان يهدي للتي هي أقوم ويبشر المومنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا وأن الذين لا يومنون بالاَخرة أعتدنا لهم عذابا اَليما" [الاِسراء، 9-10]. كما أن آيات الكون إذا تبصر بها الإنسان وكشف سننها تنفعه فتيسر له دروب حياته الدنيوية وتجعله متمتعا بمباهجها المختلفة. ومنها آية تعاقب الليل والنهار. وهذا هو مضمون قوله تعالى: "وجعلنا الليل والنهار ءَايتين فمحونا ءَاية الليل وجعلنا ءَاية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصناه تفصيلا" [الاسراء، 12]. يبدو من هذا المقام الآياتي أن نظام الحياة الإنسانية يجري وفق سنن مضبوطة لا تتوقف على الاستعجال الإنساني العام، والاستعجال الإنساني الخاص الصادر عن الإنسان الذي لا يؤمن باليوم الآخر. وهكذا إن الإنسان الذي لا يؤمن بالآخرة إنسان عجول لقوله تعالى: "وكان الاِنسان عجولا"، من صور استعجاله[1] أنه في حال الغضب والضجر يدعو بالشر على نفسه وماله وعرضه وولده… أما في حال الفرح فإنه يدعو بالخير على نفسه وماله وولده وعرضه، بل قد يبالغ في الدعاء كما قال الرازي "طلبا لشيء يعتقد أن خيره فيه، مع أن ذلك الشيء يكون منبع شره و ضرره، وهو يبالغ في طلبه لجهله بحال ذلك الشيء، وإنما يقدم على مثل هذا العمل لكونه عجولا مغترا بظواهر الأمور غير متفحص عن حقائقها وأسرارها"[2]. والحق أن هذا حكم إلهي لا نجده فحسب في هذه الآية، وإنما نجده في آيات أخرى كقوله تعالى: "وَيَقُولُ الاِنْسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا" [مريم، 66]، وكقوله: "اَوَلَا يَذْكُرُ الاِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا" [مريم، 67]. —————————————- 1. تتعدد صور الاستعجال الإنساني في القرآن الكريم، يراجع قوله تعالى: "خلق الإنسان من عجل سأوريكم آياتي فلا تستعجلون"، وقوله تعالى: "ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخر لقضي إليهم أجلهم" [يونس، 11] 2. الرازي، مفاتيح الغيب، ج: 20، ص: 132.