توفي صباح يوم الاحد 4 يونيو الكاتب الاسباني المعروف خوان غويتيسولو عن عمر ناهز 86 سنة داخل منزله غير بعيد عن ساحة جامع الفنا بمراكش. وقد ارتبط اسم الراحل بمدينة مراكش وتصنيف ساحة جامع الفنا كتراث عالمي، حيث انتقلت الى محل سكناه بدرب سيدي بولفضايل بحي القنارية، عدد من المصالح من ضمنهم عناصر الامن و الشرطة العلمية والسلطات المحلية، حيث تم نقل جثته الى مستودع الاموات بحي باب دكالة. ويتمتع غويتيسولو، الذي ولد في برشلونة، في 6 يناير سنة 1931، في أسرة بورجوازية، بحس كبير، وقدرة على التقاط التفاصيل، وقد وجد في مراكش ضالته، حيث عايش فيها على مدى أزيد من ثلاثين سنة تحولات ساحة جامع الفنا، التي تشكل بالنسبة إليه مجمع الخلق وساحة النشور. اختار خوان غويتيسولو أرض الآخر ليقيم فيها. فهذا الكاتب الكبير، الذي قال عنه كارلوس فوينتس المعروف بصرامته «إنه من عمالقة الأدب الإسباني الأحياء». كما اختار خوان غويتيسولو أرض المهجر ليقيم فيها مع الآخر. اختار الإقامة الدائمة في مدينة مراكش، التي استبدل فيها بطاقة الهوية الإسبانية بالثقافة العالمية، إذ يقول «لا أعتبر نفسي جزءا من المجتمع الإسباني، لأني لا أشاركه قيمه. فنتيجة لإقامتي الدائمة في الخارج عوّضت الأرض بالثقافة»، هذا هو شعار الوجود لهذا الإسباني المتفرد. اتسمت كتابات الراحل خوان غويتيسولو بالالتزام بقضايا المستضعفين في العالم. من كوسوفو إلى فلسطين، مرورا بالهجرة السرية، كان صوته مجلجلا على الدوام.. عاش الصبي طفولة سعيدة لم يكدرها، سوى وفاة والدته المفاجئ خلال الحرب الأهلية الإسبانية، فرحلت مربية حسه الفني الأول دون رجعة تاركة الصغير في براثن طبقة راقية، تخنقها المواضعات والنفاق الاجتماعي، والطهرانية الكاثوليكية المزيفة. ترعرع خوان وسط ثلاثة أخوة، عمل والده إطارا في شركة للمنتجات الكيماوية. تعرّض غويتيسولو لالتهاب حاد ومزمن في القصبة الهوائيّة في صغره، وكاد يهلك لكنّه نجا بفضل رعاية أمّه له، وبسبب الحرب انتقلت عائلته للإقامة في قرية واقعة بجبال كطالونيا، وفي السابعة قتلت أمّه في قصف للطائرات، أما والده الكاره للشّيوعيين، فبقي وفيا لمبادئ زعيمه الروحي فرانكو، ليقتل فيما بعد بالسّم من طرف الجمهوريين، اضطر خوان، في الخمسينيات، إلى هجرة إسبانيا هربا من فاشية فرانكو، بعد تشربه لقارتي الأدب والشيوعية في مد. أقام في باريس، ومن هناك أخذ يكتشف انفتاح العالم. تعرف على زوجته الكاتبة مونيك لانج، التي كانت تشتغل في دار نشر «غاليمار»، قبل أن تتوفى سنة 1996، ومن ثم انطلق الطائر الإسباني في سماء الأدب والأدباء. درس لاحقا في كاليفورنيا، بوسطن، ونيويورك. ثم جاء نداء المغرب، فسكنته مدينة مراكش الأسطورية فصار أحد أبنائها البررة. وألّف الراحل غويتيسولو ما يزيد على 24 رواية و35 كتابا تنوعت موضوعاتها بين الحكايات ووصف الأسفار والشعر. لكنه اشتهر في العالم العربي بكتابه "إسبانيا في مواجهة التاريخ.. فك العقد"، الذي دافع فيه عن الثقافة العربية ودورها في التقريب التاريخي بين الشعوب والأمم. هذا إضافة إلى العديد من الكتب والمقالات في أبرز الصحف الإسبانية التي تناول فيها الأثر العميق للغة العربية والحضارة الإسلامية في المجتمع الإسباني. ونافح فيها عن الثقافة العربية ودورها في التقريب بين الشعوب عندما كانت في أوج تألقها. ونال خوان غويتيسولو العديد من الجوائز الإسبانية والعالمية، من بينها جائزة "أوروباليا" (1985) عن مجمل أعماله حتى ذلك العام، وجائزة "أوكتافيو باث" للمقال والشعر (2002)، وجائزة "خوان رولفو" لآداب أمريكا اللاتينية والكاريبي (2004)، والجائزة الوطنية للآداب الإسبانية (2008). كما منحته مؤسسة "الحضارات الثلاث" (2009) جائزة الآداب والثقافات. وفي 2007 تقرر إطلاق اسمه على مكتبة "معهد سيرفانتس" فيطنجةتكريما له. وفي عام 2010 تسلم غويتيسولو من الملك الإسباني جائزة "الدون كيخوته دي لامانتشا" العالمية عن مجمل أعماله، وبعد ذلك بشهرين فاز بجائزة أخرى تحمل اسم "كيخوته" التي تمنحها جمعية الكتاب المحترفين الإسبان سنويا لكاتب إسباني. وقد عبر عن سروره بهذه الجائزة، لأنها "بلا بروتوكولات وبلا لجنة تحكيم، مما يعني أنها غير خاضعة لمعايير السوق أو أي حسابات أخرى". كما ظل اسمه حاضرا دائما بين مرشحي "جائزة سرفانتيس" أرفع جوائز الآداب الإسبانية.