اختتمت بفاس مؤخرا فعاليات الدورة ال13 للموسيقى الأندلسية، التي نظمت بإشراف المجلس البلدي للمدينة، ومن أهم الفقرات التي تم اقتراحها لإغناء هذه الدورة الانفتاح على الصورة والسينما أساسا، حيث تم عرض فيلم «نوبة» للمخرجة إيزة جنيني، و«ليالي الأندلس» للمخرج العربي بناني، بالإضافة إلى جلستين لمناقشة محور «الموسيقى في السينما المغربية» بمشاركة المخرجين وأطر نادي الركاب للسينما والثقافة ومجموعة من المهتمين. إن أهم ما سجله كل الذين تابعوا فقرة السينما من داخل مهرجان الموسيقى الأندلسية هو أهمية هذا الانفتاح لما يساهم به من إغناء للمهرجان، وما يسمح به من إمكانيات لتعميق التفاعل الإيجابي بين فعاليات فنية متميزة. فالتفكير في برمجة فقرة للسينما داخل هذا المهرجان كان، حسب الباحث رشيد بناني، «صيغة لكسب جمهور السينما للمهرجان ودعم التفاعل الإيجابي بين المجالين، خاصة أن الارتباط بين الفنون كان خاصية مدعمة لإبداعية الممارسة الفنية كيفما كانت». إن تخصيب الموسيقى للسينما مسألة معروفة منذ بداية ارتباط الفنيين. وهكذا شكلت الموسيقى لغة إضافية أغنت لغات الفيلم، وساهمت في توفير أجواء داعمة للعناصر الفنية الأصلية للفيلم، وقد وظفت بطرائق عديدة تسمح بالربط بين وحدات الفيلم، وتدعم خطه الدرامي، وتؤثث عوالمه وتخدم في تجارب خاصة تميز ملامح جنس خاص هو الفيلم الغنائي، الذي حضر كنموذج مهيمن في مراحل تاريخية محددة من تطور السينما، كما ميز مسارات سينما بعض البلدان كما هو الحال مع السينما الهندية والسينما المصرية في مرحلة سابقة. لقد ركزت أغلب المداخلات في هذا اللقاء على قيمة الربط الفاعل بين السينما والموسيقى، وقد تم الانطلاق أساسا من الأفلام التي تم عرضها في المهرجان، خاصة فيلم إيزة جنيني وفيلم العربي بناني. وما دفع المخرجين إلى إنجاز أفلام مرتبطة بالغناء والموسيقى هو الرغبة في خدمة الموسيقى وخدمة السينما وتوفير منتوج غني يستجيب لاحتياجات الجمهور وانتظاراته. وفي هذا يقول العربي بناني: «لقد اخترت الاشتغال على الموسيقى الأندلسية في فيلمي لأنني ابن فاس، ومرتبط بهذا الفن وأهواه، وكان يهمني أن أحكي عنه وأعتمده لأحكي عن أشياء أخرى مرتبطة به يهم جدا تقريبها للمشاهد، إلا أن ما أنجزته قد خضع للإمكانيات المحدودة التي توفرت من أجل إخراج هذا الفيلم». في غياب الإمكانيات أنتج بناني فيلمه، لكنه الآن يعد أساسا مهما في بناء مشروع الفيلم الغنائي المغربي، وفي لفت انتباه جيل آخر قدم إضافة مثرية لهذا الجنس لاحقا، كما هو الحال مع إيزة جنيني التي انشغلت بشكل كبير بالاشتغال على الموسيقى في السينما، سواء باعتبارها مخرجة أو منتجة. فهذه المخرجة هي التي أنتجت أحد أهم المشاريع الأصيلة في تجربة الفيلم الغنائي وهي فيلم «الحال» لأحمد المعنوني، وهي المخرجة التي أخرجت أكثر من فيلم حول التراث الغنائي الموسيقي المغربي، سواء تعلق الأمر بموسيقى الأطلس أو الموسيقى الصوفية أو غيرهما، وكان آخر أعمالها هو «نوبة» الذي ركز على الموسيقى الأندلسية، وتوضح فيه أساسا انتساب هذا الفن بعيدا عن الرؤى الاختزالية التي حاولت أن تربطه بفئة من الناس أو بمنطقة من المغرب. السينما مهنتي –تقول جنيني- ويهمني أن أعبر عن أشياء مرتبطة بالمغرب وبانتمائي، وفي الاشتغال سينمائيا على هذا الفن ما يحقق ذلك. فالموسيقى هي الحياة، وهو ما أسعى إلى نقله إلى السينما. فباستعمال الموسيقى المغربية في العمل السينمائي أستطيع أن أعبر عن أشياء عميقة، وهذا ما تقوم به أسماء أخرى كما هو حال المخرج أحمد المعنوني، وحتى ما قام به أحمد البوعناني يدخل في هذا الإطار، وعلى الرغم من أن مجموعة من الأسماء أنجزت أفلاما ذات ارتباط وثيق بالموسيقى فهذا غير كاف ويهم أن نستمر جميعا في دعم هذا المنحى في الاشتغال». إن ما يصنف كأفلام ذات ارتباط كثيف بالموسيقى هو لائحة ليست مهمة، نذكر منها أساسا «الحياة كفاح» و«دموع الندم»، وقد حاولا استنساخ نمطية النموذج المهيمن خاصة الهندي والمصري، لهذا تجد الاعتماد على مرتكزاته التي منها النجم، وثنائية الخير والشر، والغناء الفردي ووسامة الشكل، وهذا بالضبط ما تم تحيينه في آخر مثل من هذا النموذج وهو «السيمفونية المغربية» لكمال كمال. وبالإضافة إلى ذلك، تحضر الموسيقى بصيغ أخرى متنوعة، وهكذا نجد من يستحضرها كمكون فولكلوري وتزييني كما في «عرس الدم»، أو كشخصية مركزية ذات دلالة عميقة كما هو الأمر في «نوح» لمحمد مزيان... لكن ومهما كان فالموسيقى ليست حاضرة بكثافة في أفلامنا المغربية، وهذا ما يؤكده الناقد أحمد سجلماسي. فحسبه، «الموسيقى لا تحضر بشكل بارز في السينما المغربية، ولا توفر الفيلموغرافيا المغربية إلا نماذج قليلة تنفتح على هذا المجال بشكل كثيف، إلا أننا نلاحظ أن علاقة الفنين بدأت تتعمق في السنوات الأخيرة، حيث بدأ المخرج المغربي يعي أهمية الانفتاح على مجالنا الموسيقي، وهذا ما يمكن التمثيل له ببروز أسماء غنائية ارتبطت بالسينما من مدخل الموسيقى التصويرية كحال يونس ميكري والأخوة بلعكاف والإخوان السويسي». انفتاح السينما على الموسيقى كان دوما مسألة إيجابية مثرية لإبداعية الفن السابع، وحين نؤكد أهمية تكريس هذا الربط في السينما المغربية، فلأن هذا الأمر يثري أوجه هوية المشروع السينمائي الوطني، وذلك لسبب جوهري يحصره أحمد عموري –مسؤول بنادي الركاب- في كون الموسيقى المغربية تعبر عن الزخم الثقافي والفني المميز للهوية المغربية»، وفي رأي عموري، «كلما عمقت السينما من انفتاحها على المنتوج الموسيقي والغنائي إلا ووسعت من إمكانية التعبير عن المغرب العميق وعن مكوناته الفنية والجمالية الأصيلة». إن هذا الذي ينعته عموري بالمغرب العميق هو ما ساهم في جعل فيلم «الحال» من الأعمال الخالدة في ذاكرة السينما المغربية، إلا أن هذا الخلود لا يمكنه أن يتحقق في غياب رؤية واضحة وخلفيات إيجابية ووعي فاعل يربط بين الممارسة السينمائية والفنية وبين احتياجات الواقع في تمرحلاته التاريخية.