صدر مؤخرا عن منشورات «الفينيك» ضمن سلسلة كتاب الجيب، كتاب الباحثة والكاتبة المغربية فاطمة المرنيسي بعنوان «الحب في بلاد الإسلام»، وهو كتاب يؤكد المبحث المعرفي والجمالي الذي تحفر فيه هذه الكاتبة الأكثر إثارة للجدل في الثقافة العربية المعاصرة. ننشر هنا مقدمة الكتاب بترجمة الكاتب نور الدين وحيد لأهميتها، ولأنها تطلعنا على جانب أساسي من يوميات كاتبة مغربية منشغلة بالمعرفة دون أن تترك جانبا حقها في متع الحياة. فاطمة المرنيسي - وأنا أتلذذ وجبة سردين مشوي على شاطئ ميرامار، بعيدا عن الرباط بثمانية كيلومترات، إذا بهاتفي المحمول يرن. استسمحت كمال، وكنت قد دعوته إلى الغذاء كي أنتزع منه بعض المعلومات عن غراميات أحد خلفاء المسلمين، فثمن هذا الغذاء سيعفيني ساعات طوالا من البحث في مكتبات جامعة محمد الخامس. على الطرف الآخر من الخط صوت ناشرتي البيضاوية؛ إنها ترغب في نشر «الحب في بلاد المسلمين» في كتاب جيب. «ولكن يا ليلى؛ هذا كتاب مضى عليه أكثر من عشرين سنة! الشباب الذي تستهدفين بكتاب الجيب هذا منصرف تمام الانصراف عن ابن حزم، الخبير الأندلسي الذي ولد عام 994 بكوردو «قرطبة» الأندلسية الخاضعة وقتذاك لخلفاء بني أمية. الشباب الذي تستهدفين يفضل الفيديو كليب وألعاب الفيديو.. يا بنيتي». في هذه اللحظة، أمسك كمال بذراعي مشيرا علي بقراءة ما خطه على عجل على ظهر لائحة المطعم: «أنت منقطعة الصلة بمجرة الأنترنيت، حيث ابن حزم يحقق انتشارا واسعا وأرقاما خيالية». أربكتني هذه الكلمة إلى درجة أني صرت أجد صعوبة في الحديث بسلاسة، لذلك قررت أن أختصر الحديث مع ليلى. «اسمعي يا ليلى؛ أنا الآن في مطعم. سأهاتفك بشأن الكتاب فيما بعد. وجدت صعوبة في إعادة الهاتف إلى حقيبتي، فيداي كانتا ترتعشان. إلى هذه الدرجة كنت غاضبة ولكني قررت أن أتريث بعض الشيء حتى لا أرتكب حماقة. «ولكن، لماذا أنا غاضبة»؟ تساءلت مع نفسي متظاهرة بالنظر في أمواج البحر من فوق رأس كمال الذي كنت أتحاشى النظر إليه، وهذا دليل على أني غاضبة منه لأنه شتمني، ففي كلمته المقتضبة تلك تلميح إلى سني! وماذا بعد؟ هو لا يصغرني إلا بسبع سنوات. عمري سبع وستون سنة، وعمره ستون، فكيف أكون متخلفة من دونه، وكيف يختلف الأمر بيني وبينه؟ صحيح أنه حافظ على رشاقته كما قبل 37 سنة عندما بدأنا معا التدريس بجامعة محمد الخامس، في حين أني لم أحافظ على رشاقتي مثله، ولكني لم أكن بعد قد قرأت عن علاقة ما بين رشاقة الجسد والقدرة على التعامل مع المستجدات التكنولوجية. صحيح أن كمال إلى الآن يشبه بطلا من أبطال السينما المصرية بعينيه الكبيرتين السوداوتين ونصف ابتسامة. هذا لا يعطيه مبررا ليسب زملاءه. وكمغربية تلقيت تربية حسنة على يد علماء جامعة القرويين بفاس، الذين فتحوا أولى المدارس المختلطة في وجه البنات للتباري مع أقرانهن الذكور، في إطار الحركة الوطنية التي توجت بتحرير البلاد سنة 1956. ولجت المدرسة الصوفية، منذ سن الخامسة من عمري، كنت أدخل الفرح والبهجة إلى قلب والدي باستظهار حديث البخاري في باب حفظ اللسان، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت». إذ ليس علينا فحسب الرد على الشتيمة ولكن أيضا أن نمارس استراتيجية «الأدب»، وهي الطريقة التي بها ننتزع من كمال المعلومة الثمينة عن ابن حزم، تلك المعلومة التي تجعله أرعن إلى هذا الحد. «الأدب هو أن تضيفي إلى معلوماتك المعلومة التي في ذهن الآخر» حسب «جهيزة» الذي ساعد الخلفاء العباسيين في تأسيس الإمبراطورية الإسلامية، من المغرب إلى الصين، وذلك بالاعتماد على فن التواصل الذي هو عنوان أحد كتبه، إذ استثمروا الأموال لترجمة كتب أعدائهم من هنود وفارسيين وأوربيين إلى العربية.. وانتصروا. سأفعل نفس الشيء مع كمال: أغتني بمعلوماتك «الأدب عقل غيرك تضيفه إلى عقلك»... من يقرأ كتب ابن حزم على الأنترنيت؟ عدت، إذن، لألعب دوري، وناديت على النادل أطلب «هواضم». لم أكمل وجبة السردين لأن كمال، أثناء توقفي عن الأكل، لم يترك شيئا. كانت المثلجات لذيذة. عدت إلى الحديث عن ابن حزم بعدما ملأت كأس شاي أصررت على النادل أن يعده بالنعناع والشيبة. وكمال، حتى نعود إلى نشر الكتاب، هل ترى أنه علي أن أقبل اقتراح ليلى الشاوني؟ ولكن إذا كان ابن حزم نجما على الأنترنيت، من يستهلكه بلغة أرباب الشركات متعددة الجنسيات الذين يحولون الكوكب وساكنته إلى «لوغو»؟ لكي لا تضيع مني كلمة واحدة من جواب كمال نفحت للنادل حتى يخفض صوت الموسيقى. «من يستهلك ابن حزم؟ ظاهريا أناس كثيرون، أجريت بحثا في غوغل في يوليوز 2007 وتبين لي أنه في 0,10 دقيقة يرد اسم ابن حزم 198000 مرة، وعلى العكس مما يمكن أن نعتقد، فإن المواقع الإسلامية ليست هي الوحيدة التي تسوق اسمه، ولكن هناك مواقع غربية أيضا تفعل نفس الشيء. هناك من يحث الشباب المسلم على أن يصبح مواطنا مسؤولا، فيتزوج وكذلك يتعلم أسرار الحب بقراءة كتب جيدة في الموضوع مثل ابن حزم، وهناك من يشتغل على الثقافي والعلمي من دور تنشر الموسوعات ومعاهد جامعية، مثلا موقع Iqrashop.com الذي يوجد في باريس والذي، فوق ذلك، يمنح أقراصا مدمجة لتعلم العربية، القرآن والأحاديث النبوية إلى الفرنكوفونيين»، كما يعرض ملابس إسلامية جاهزة، حيث تستطيع المرأة أن تختار بين قميص أطلسي مطرز، وللرجال شاشية أو طربوش.. كتاب ابن حزم يوجد في جناح «كتب الإسلام: أخلاق، تربية، زواج، آداب وشعر وتصوف» وهكذا، فابن حزم مقترح للشباب المسلم في المهجر: ابن حزم أدبيات الحب. طوق الحمامة ب12 أورو. شعر، صداقة، تعبد، علم النفس: إنه مرجعية أساسية لمن يريد أن يعرف عمق الحب في العالم الإسلامي. ولكن بجانب هذه المواقع، التي يبدو أن أصحابها من المسلمين، ابن حزم موجود في مواقع غربية مثل encyclopedia britannica، أو تلك الأمازونية متعددة الجنسيات التي تبيع الكتب عن طريق الأنترنيت في العالم كله، ويبدو أنها تجني أموالا طائلة بترجمة «طوق الحمامة» إلى الإنجليزية الذي هو best-seller كتب الجيب. يتوقف كمال ويطلب كأس شاي فأسارع إلى خدمته وكلي آذان صاغية، وهذا ما يشجعه على مواصلة الحديث، كنت قد سجلت خلسة كل المواقع الإلكترونية الوارد ذكرها على لسانه حتى أتبين فيما بعد أن ابن حزم، هذا البطل الذي شكل مرجعيتي الأساسية في «الحب في بلاد المسلمين»، قد صار بهذا الذيوع كله. فإذا كانت الأقمار الاصطناعية والتكنولوجية قد حولت كثيرا من هذا الكوكب، فإن مجال العاطفة الإنسانية يبقى عصيا على التعبير. كما أجدادنا الذين حلوا محل الدناصير، نحس بالهشاشة في القرن ال21 حالما يبدأ القلب بالخفقان فنحتاج إلى من يرشدنا ويساعدنا، لأن السؤال الأول الذي يطرح أمامنا سؤال الحب هو الصورة التي نعطيها للآخر عنا، وهذا ما يعيد طرح سؤال الثقة بالنفس. وأنا أبحث عن سر انتشار ابن حزم على النت اكتشفت أن الناس الأقل ثقة بالنفس هم قادة الشركات متعددة الجنسيات الذين ينتظمون في طبقة «غلوبال رولينغ» أو ما يصطلح على تسميته لدى بعض الصحفيين المتفكهين ب«الكوسموقراط». هؤلاء هم الذين يقبلون بكثرة على دروس تعلم كيف يصبح المرء أكثر ثقة بنفسه، وذلك لجلب محبة محيطهم والمتعاملين معهم. لم أستطع منع نفسي من الضحك حين اكتشفت أن أحد المفاتيح الأساسية التي يبيعها سحرة «الكوتشينغ» إلى مليارديرات العالم هو emotionnel intelligence الذي يترجم حرفيا كلمة ألفه «ulfa» كما وردت لدى ابن حزم. بعد كل هذا، بدا لي واضحا أن ابن حزم يمكن أن يحقق انتشارا باهرا لو تمكنت ليلى الشاوني من إقناع أي من الخبراء في مجال «الكوتشينغ» بالدارالبيضاء لاعتماده كدليل. ترجمة: نور الدين وحيد