تلقيت بالأمس مكالمة معاتبة من صديقة تنحدر أصولها العائلية من مدينة واد زم. كانت غاضبة لأنه لم يسبق لي أن ذكرت مدينة واد زم من قبل في أعمدتي، وعندما ذكرت هذه المدينة لأول مرة كان ذلك بمناسبة إضراب أصحاب البارات تضامنا مع زميلهم المعتقل. وذكرتني الصديقة مشكورة أن مدينة واد زم هي أول مدينة مغربية أجبرت المستعمر الفرنسي على المغادرة، وتاريخها يشهد لها بأنها كانت أحد أشرس معاقل المقاومة في المغرب. ولسحرها وجمالها كانت تسمى باريس الصغيرة. كما أنها كانت بعد الاستقلال منجما لأحد أجود أنواع الفوسفاط الذي ظلت الدولة تستخرجه من سيدي الضاوي لسنوات طويلة. وعندما استنزفت مناجم المدينة «جمعت قلوعها» وتركتها للإهمال والنسيان. إلى أن جاءت قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء حول إضراب أرباب البارات التضامني، ووضعت واد زم في واجهة الأحداث. فقلت للصديقة أنني قرأت كثيرا عن تاريخ المنطقة المشرف، لكن واقعها اليوم يبعث على الأسف. وذكرتها بمدينة سيدي إفني التي كان يوجد بها واحد من أهم مستشفيات الجنوب في فترة الاستعمار الإسباني وكان المرضى المغاربة الذين يعانون من تعقيدات صحية لديهم إمكانية للذهاب على نفقة المستشفى إلى جزر الكناري لمتابعة العلاج هناك. واليوم بعد خمسين سنة على الاستقلال لازالت قبائل آيت باعمران التي طرد رجالها المستعمر تفتقر إلى طبيبة توليد وطبيب أطفال. فقالت لي أنني غير عادل و«كاندير الفرزيات»، لأنني كتبت عن بارات مدينتها واد زم حيث تباع الخمور، ونسيت أن أكتب عن مدينتي ابن سليمان حيث توجد إحدى أشهر معاصر الخمور في منطقة الشاوية. «حنا بعدا غير كانبيعوه، نتوما راكم كاتعصروه»، قالت ساخرة وأتبعتها بضحكة انتصار قصيرة. وأتذكر أن رئيس المجلس البلدي لمدينتي كان يبيع الخمور بشكل قانوني في أحد نواديه. بينما كان يبيعه بشكل سري في أحد مقاهيه المتخصصة في الحريرة. وذات يوم اعتقل رجال الدرك أحد السكارى وهو عائد إلى بيته، وعندما سألوه عن المكان الذي سكر فيه ذكر لهم مقهى رئيس المجلس البلدي. فقال له أحد رجال الدرك : - هاديك القهوة فيها غير الحريرة... فأجابه وهو يكاد يسقط من السكر : - هاديك الحريرة نيت اللي شارب أنا... وفي الخميسات مثلا يعرف الجميع أن مالك أشهر بار في شارع محمد الخامس خلف بومبة الشيباني، هو البطل الأولمبي السابق إبراهيم بوطيب. ولديه أيضا بار آخر في نواحي أزرو . فيبدو أن هذه هي طريقة البطل الأولمبي السابق في رد الخير للمنطقة التي تدرب في جبالها وغاباتها طويلا. «وكون جات غير على الشراب مانهضروش» تابعت الصديقة الغاضبة مكالمتها، «الشراب وزايدينها بالحلوف من الفوق». فوجدت أن الصديقة على حق، فمنطقة ابن سليمان تحتضن واحدة من أكبر ضيعات تربية الحلوف المخصصة للتصدير. ويبدو أن والي الدارالبيضاء السابق حمودة القايد وجد أن تربية الحلاليف أفضل بكثير من تربية الأبقار التي يقوم بها أحرضان في الضيعة التي أعطاها له العنصر عندما كان وزيرا للفلاحة في نواحي والماس. وفي الوقت الذي لا يجد فيه الكثير من سكان الدواوير القريبة من فيرمة حمودة القايد خيط كهرباء يضيؤون به براريكهم، يخصص سعادة الوالي السابق مولدا كهربائيا لتدفئة الحلاليف والسهر على نموها السليم. الناس يعتقدون أن بعض المسؤولين السابقين والشخصيات السامية يستثمرون أموالهم فقط في تربية الأبقار والعجول الهولندية. فهم لا يعرفون أن هناك حيوانات أخرى يربيها بعض هؤلاء الأثرياء، ومن بينها الضفادع التي يتخصص في تربيتها أحد الوزراء السابقين والذي اشتغل أيضا سفيرا للمغرب في تونس. فالرجل لديه ضيعة لتسمين الجران في نواحي الرماني بمنطقة زعير. ويحكي أحد الذين شاهدوا الضيعة من الداخل، أن هذه الضفادع يتم تصديرها خصيصا إلى مطاعم باريس، حيث تقدم «هبرة» سيقانها في وجبات باهظة الثمن. ولا تشبه الضفادع التي يربيها صاحبنا تلك الضفادع النحيلة التي نصادفها تقفز فوق عشب الحدائق العمومية عندما تنزل الأمطار الأولى، وإنما يتعلق الأمر بضفادع بحجم الأرانب، «كل جرانة يا جرانة». وهناك من يربي حيوانات مفترسة في بيته، لكن ليس لغرض تجاري وإنما فقط تلبية لنزوة عابرة. كالأمير إسماعيل الذي كان يربي نمرا صغيرا في إقامته، ولم ينتبه إلى خطورة ذلك الحيوان المفترس إلا عندما كبرت مخالبه واستيقظت في داخله نزعاته الحيوانية وكاد ذات يوم أن ينقض فوق أحد المستخدمين. وربما لهذا ترك الأمير إسماعيل تربية النمور وتخصص في تربية النعام في ضيعته بنواحي الرباط. فالنعامة بالإضافة إلى كونها طائرا مسالما، فإن عائدات لحمها أفضل بكثير من تكاليف الكيلوغرامات الستة التي كان يلتهمها نمر الأمير المدلل يوميا. وبالإضافة إلى تربية النعام، لدى الأمير هواية أخرى وهي جمع التحف النادرة، ومؤخرا رست عليه مزايدة لمنحوتة شهيرة تمثل لأحد أصابع اليد وصل ثمنها إلى مئات الملايين. وعندما قرأ أحدهم الخبر علق ساخرا «وهادا غير صبع وشوف بشحال، علم الله كون كانت ليد كاملة بشحال غاديا تقام عليه». وعلى ذكر الأصبع قرأت هذا الصباح خبرا يقول أن وزيرة العدل الفرنسية رشيدة داتي توصلت قبل يومين برسالة من مواطن فرنسي لديه مشاكل مع القضاء، ولكي يضمن المواطن المتضرر أن الوزيرة ستعطي أهمية لتظلمه قطع أحد أصابع يده وأرفقه بالرسالة. وبمجرد ما توصلت وزيرة العدل بالرسالة والأصبع أمرت على الفور بفتح تحقيق لمعرفة الظروف التي أوصلت هذا المواطن إلى القيام بما قام به. عندنا نحن في المغرب قام ليلة رأس السنة أحد المواطنين بقطع جهازه التناسلي احتجاجا على عدم التزام صديقته بموعدها معه، ومع ذلك لم يفتح أحد تحقيقا في الموضوع. ربما لأنه ليس أول من قام بهذه «المبادرة»، فقد سبقه كثيرون إليها، ليس آخرهم ذلك الشاب الذي قطع ذراعه قبل شهرين أمام الملأ في الصويرة ورماها في البحر لأنه ندم على استعمالها في ضرب والدته. ويبدو أن الرجلين طبقا بالحرف، أو بالسكين على الأرجح، تلك الحكمة التي تقول «الباب اللي يجيك منو الريح سدو وستريح». وفجأة وجدت أنني وصديقتي تركنا الحديث حول واد زم وحاناتها وأيامها الزاهرة، وابن سليمان ومعاصر خمورها وضيعات حلاليفها، ودخلنا في الحديث حول تربية الحيوانات الغريبة في المغرب. واكتشفنا أن هناك من أصبح متخصصا في تربية «البابوش» و«الفكارن» وغيرها من الحيوانات التي يتكاثر عليها الطلب في الخارج. ولدي صديق إسباني زار المغرب هذه الأيام واندهش من عدد تلك السلاحف الصغيرة المعروضة في سوق باب الحد بالرباط، وبما أنه يدرس البيولوجيا ويحتاج في بعض تجاربه إلى حيوانات حية لإخضاعها للتجربة، فقد حدثني عن الصعوبات الكبيرة التي يواجهها هو وزملاؤه الطلبة في العثور على حيوانات. فالقانون الإسباني صارم في هذا الباب ويعاقب بغرامات ثقيلة كل من أخضع حيوانا يتمتع بالحصانة القانونية لتجارب مختبرية. وعندما وقع بصره على بائع أحد البازارات وهو يعزف على كنبري مصنوع من ظهر الفكرون، اندهش واستغرب كيف يسمح القانون بإفراغ السلاحف من أحشائها وحشوها بعصا واستعمالها للعزف. فحكيت له تلك النكتة التي تقول أن فكرونا مغربيا التقى بفكرون إسباني في الحدود، فسأل الفكرون المغربي زميله الإسباني عن الحياة في الأراضي الإسبانية، فقال له أن الأمور بخير، والعشب موجود وهناك فصول في القانون تحميه هو وفصيلته من الانقراض. فسأل الفكرون الإسباني بدوره زميله المغربي عن الأمور في المملكة الشريفة، فتنهد الفكرون المغربي ونصحه بعدم المغامرة بدخول المملكة، لأنه قد يجد نفسه في أية لحظة وقد تحول إلى آلة موسيقية يتنغم به أحدهم في الحقول البعيدة بعد أن يحشو فيه عمودا ويربطه بالسبيب. فتقزز الصديق الإسباني بسبب هذه الوحشية، فقلت له أن لا يستغرب لحدوث مثل هذه «التجاوزات القانونية» في حق الحيوانات، مادام بعض الجلادين في مخافر الأمن يجبرون المواطنين على الجلوس فوق القراعي ويغتصبونهم لانتزاع الاعترافات منهم. فالقانون لا يحمي عندنا حتى البشر فبالأحرى أن يحمي السلاحف والزواحف. فنظر إلي الصديق الإسباني نظرة خائفة، ومن عينيه الزائغتين عرفت أنه يفكر في أقرب وسيلة للعودة إلى بلاده، حيث سيحتاج قتل البعوض قريبا إلى ترخيص قانوني.