الحكومة تعقد مجلسها يوم الخميس المقبل وهذه هي أبرز النقاط في جدول الأعمال    فرنسا تعزز الحضور القنصلي بالصحراء        الصين تعارض قرار الاتحاد الأوروبي فرض رسوم جمركية إضافية على مركباتها الكهربائية    الصين تطلق مهمة فضائية جديدة تضم رائدة فضاء ضمن الفريق    مقترح بهدنة "لأقل من شهر" في غزة    ريال بيتيس يُعلن تجديد عقد لاعبه الزلزولي حتى عام 2029    أشرف حكيمي يحضر لمأدبة عشاء أقامها الملك محمد السادس بالرباط على شرف الرئيس الفرنسي ماكرون    الرابطة الإسبانية تدرس تأجيل مباراة ريال مدريد وفالنسيا بسبب العاصفة التي ضربت مقاطعتي فالنسيا وألباسيتي    في رسالة للسيد فوزي لقجع : طلب التدخل العاجل لتصحيح وضع الإعلام الرياضي …    العشرات من القتلى والمفقودين في فيضانات عارمة باسبانيا (صور)    27 قتيلا و2752 جريحا حصيلة حوادث السير بالمناطق الحضرية خلال الأسبوع المنصرم    تساقطات ثلجية كثيفة تتسبب في وفاة عشريني بإقليم بني ملال    هزة أرضية خفيفة تضرب نواحي تارجيست    وفاة الفنان المصري مصطفى فهمي    مهرجان مراكش يكرم الراحلة المشرقي    المحامية بالجديدة سامية مرخوص تنال شهادة الدكتوراه في القانون باللغة الفرنسية بميزة مشرف جدا    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    سمعة المغرب في العالم سنة 2024: فجوة 16 نقطة بين السمعة الداخلية والسمعة الخارجية    كأس ألمانيا.. ليفركوزن يتأهل لثمن النهاية    وزير التجهيز والماء يعلن إطلاق الشطر الأول من مشاريع توسعة ميناء العيون    جلالة الملك يقيم مأدبة عشاء رسمية على شرف الرئيس الفرنسي وحرمه    وفد برلماني أسترالي يشيد بالدينامية التنموية بجهة العيون-الساقية الحمراء    ماكرون: "الاستثمارات العمومية الفرنسية ستستمر بالمغرب بما يشمل الصحراء"    51 قتيلا بفيضانات في منطقة فالنسيا الإسبانية    السجن لتسعة متهمين في قضية السطو على باخرة بولونية قرب شاطئ عين السبع    بوانو ينتقد وصف ماكرون للمقاومة الفلسطينية ب"الهمجية" ويقول له "كنا سنرد عليك داخل البرلمان لولى أنك ضيف جلالة الملك"    اليماني يدعو الحكومة إلى اتخاذ خطوات فعالة لحماية القدرة الشرائية للمواطنين    الافلاس يهدد 40 الف شركة صغيرة ومتويطة بحلول نهاية 2024            فصيل "ألتراس" أولمبيك أسفي "شارك" يُنظم وقفة احتجاجية ويُحمّل رئيس النادي الحيداوي مسؤولية النتائج السلبية    الأمم المتحدة: الحرب الأهلية في السودان تؤدي إلى "مستويات مهولة" من العنف الجنسي    المسرح الملكي في الرباط.. نقطة انطلاق جديدة للثقافة والفنون المغربية    وفاة الممثل المصري مصطفى فهمي عن عمر ناهز 82 عاما    أزيد من 50 قتيلاً وعشرات العالقين على إثر فياضانات اجتاحت إسبانيا    طقس الأربعاء: نزول أمطار قوية وثلوج مع استمرار الأجواء الباردة    الإعلان عن تنظيم جائزة طنجة الكبرى للشعراء الشباب ضمن فعاليات الدورة ال12 لمهرجان طنجة الدولي للشعر    المغرب-فرنسا.. التوقيع على بروتوكول اتفاق يتعلق بإحداث شراكة استراتيجية في مجال تحلية مياه البحر    صاحبة السمو الملكي الأميرة للا حسناء و بريجيت ماكرون تزوران حديقة التجارب النباتية بالرباط    بوصوف: الذاكرة المشتركة تمنح أرضية صلبة للعلاقات المغربية الفرنسية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    استكشاف الفرص المهنية والتقنية.. منتدى مهندسي الشمال 2024 يفتح آفاق التحول الرقمي    بأمر من الملك.. الأميرة للالة حسناء وزوجة ماكرون تدشنان المسرح الملكي بالرباط    تنديد بخطاب ماكرون في البرلمان بعد وصفه هجوم 7 أكتوبر ب"الهمجي"    الأخضر يوشّح تداولات بورصة الدار البيضاء    إصابة 8 جنود نمساويين من قوات اليونيفيل في هجوم صاروخي على الناقورة بلبنان    اقتناص رودري للكرة الذهبية من فنيسيوس يثير ضوضاء في الوسط الكروي وزيدان يشكك في مصداقية الجائزة    الركراكي يكشف مصير زياش مع الأسود    وفاة الفنان المصري حسن يوسف    ماذا سيحدث لجسمك إذا مارست تمرين القرفصاء 100 مرة يومياً؟    إطلاق حملة لاستدراك تلقيح الأطفال    الكوليرا تودي بحياة أكثر من 100 شخص في تنزانيا خلال 10 أشهر        مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إسرائيل وبريطانيا «الصغرى»
نشر في المساء يوم 20 - 01 - 2010

تعكف الحكومة البريطانية، حاليا، على إدخال تشريع قانوني جديد يسلب السلك القضائي البريطاني صلاحياته بإصدار مذكرة اعتقال في حق شخصيات أجنبية تزور بريطانيا متهمة بارتكاب جرائم حرب. ومن المتوقع أن تتقدم حكومة غوردون براون العمالية، التي تواطأت في الحرب على العراق، استنادا إلى أكاذيب ملفقة، بالتعديلات القانونية إلى البرلمان في الأسبوع الحالي، لإقرارها على وجه السرعة، وقبل حلول الانتخابات العامة قبل نهاية مايو القادم.
وزارة العدل البريطانية، التي يرأسها جاك سترو وزير الخارجية الأسبق، تريد أن تنقل صلاحية إصدار أوامر الاعتقال من المحاكم البريطانية وقضاتها إلى المدعي العام البريطاني، تحت ذريعة حماية الشخصيات الأجنبية الكبرى الزائرة لبريطانيا من الاعتقال، وتقديمهم إلى المحاكمة بالتالي كمجرمي حرب.
لا توجد شخصيات أجنبية كبرى تزور بريطانيا ومتهمة بارتكاب جرائم حرب غير الإسرائيلية، ولذلك فإن هذه التعديلات القانونية تتم وفق المقاسات الإسرائيلية ورضوخا لحملات الابتزاز التي تعرضت لها الحكومة البريطانية من قبل حكومة بنيامين نتنياهو واللوبي اليهودي البريطاني المناصر لها، على إثر قيام مجموعة من المحامين الشرفاء البريطانيين بالتقدم إلى المحاكم البريطانية بطلب اعتقال تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، بتهمة ارتكاب جرائم حرب أثناء عدوان قواتها الأخير على قطاع غزة مطلع العام الماضي.
الابتزاز الإسرائيلي نجح في تحقيق النتائج المرجوة في تغيير تشريعات بريطانية جرى وضعها من أجل معاقبة النازيين، استنادا إلى معاهدة جنيف وقوانين حقوق الإنسان، وبضغط من اليهود أيضا، الذين كانوا، ولا يزالون، يريدون الانتقام لضحايا المحرقة على أيدي مجرمي الحرب الألمان في عهد النازية.
أكثر من سبعين نائبا تقدموا بعريضة إلى مجلس العموم البريطاني (البرلمان) ينتقدون بشدة هذه التعديلات، وانضم إليهم عشرات اللوردات والممثلين والكتاب والمحامين الكبار، للتصدي لها ومنع تمريرها، لما يشكله ذلك من إهانة للعدالة والقيم الديمقراطية الغربية.
العريضة، التي وقعها هؤلاء النواب والمحامون والنشطون الداعمون لحقوق الإنسان، قالت: «لقد تعرضنا لصدمة كبرى بالاقتراحات التي تقدم بها إيفان لويس، وزير الدولة في وزارة الخارجية، بل وديفيد مليباند وزير الخارجية نفسه، بتعديل القوانين البريطانية لتجنب أي محاولات في المستقبل لمحاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب، إسرائيليين كانوا أو غير إسرائيليين، أمام المحاكم البريطانية، نحن نرفض أي محاولة لتقويض استقلالية القضاء البريطاني، وأي قاض يملك الأدلة الكافية لمحاكمة أحد المتهمين في جرائم الحرب يجب أن يملك القوة لكي يطلب اعتقاله».
المحامي البريطاني المعروف جون هاردي أكد أن سلب هذا الحق، أي حق مقاضاة مجرمي الحرب من قبل القضاء، يلغي الحقوق القانونية للمواطنين. قرار سياسي يشكل تدخلا سافرا وخطيرا في حقوق المواطن الأساسية.
ما لم يقله هذا المحامي المعروف هو أن إسرائيل ومجرمي حربها هم فوق كل القوانين، وحمايتهم أهم من حقوق المواطن البريطاني واستقلال سلطته القضائية الذي يعتبر مفخرة ونموذجا يحتذى في العالم بأسره.
فالسيدة سكوتلاند، المدعية العامة في بريطانيا، عبرت عن هذه الحقيقة بجلاء أثناء خطاب ألقته في جامعة القدس، الأسبوع الماضي، وقالت فيه «حكومتنا تنظر بشكل عاجل في طرق ووسائل تمكنها من تغيير النظام القضائي لتجنب اعتقال مسؤولين إسرائيليين، المسؤولون الإسرائيليون يجب أن يتمكنوا على الدوام من زيارة بريطانيا دون أي عوائق».
فلو كان مجرمو الحرب من العرب، أو من أي دولة أخرى من دول العالم الثالث، خاصة غير الصديقة لأمريكا وبريطانيا، فإن هذه القوانين لن تعدّل، بل ستطبق دون أي تأخير، ولكن يبدو أن مجرمي الحرب الإسرائيليين على وشك الحصول على تفويض من بريطانيا، وكل الدول الغربية، لكي يقتلوا ما شاؤوا ومن شاؤوا من الأطفال في قطاع غزة أو لبنان، واستخدام المدنيين كدروع بشرية، مثلما جاء في تقرير غولدستون، وهم مطمئنون إلى عدم مثولهم أمام العدالة ومحاكمها.
الابتزاز الإسرائيلي البشع، والخنوع البريطاني المهين أمامه، والاستجابة لشروطه، ربما يؤدي إلى تحويل بريطانيا إلى دولة من دول العالم الثالث ويفقدها أهم مميزاتها الحضارية، فتعديل القوانين، نتيجة ضغوط خارجية، دون دراسة أو تمحيص كافيين، وانطلاقاً من مصلحة المواطن والبلد نفسه، أمر لا يتم إلا في دول لا تعرف القضاء المستقل ومبدأ الفصل بين السلطات والتجارب الديمقراطية العريقة.
قوانين محاكمة مجرمي الحرب ليست قوانين بريطانية في الأساس، وإنما هي قوانين عالمية تبناها «العالم الحر» بعد الحرب العالمية الثانية، وألزم جميع الدول بها، ولذلك فإنه لا يحق لبريطانيا أن تعدّلها من طرف واحد، لأن هذا التعديل يتعارض مع اتفاقيات جنيف ومعاهدات حقوق الإنسان الدولية.
العالم بأسره انتصر لضحايا النازية واتخذ الإجراءات الكفيلة بالانتقام من مجرمي الحرب بتقديمهم إلى العدالة والقصاص منهم، للتأكد من عدم تكرار جرائمهم ومحارقهم الجماعية، فلماذا يتواطأ هذا العالم الآن مع مجرمي الحرب الإسرائيليين فقط لأن ضحاياهم من العرب والمسلمين؟ إنها انتقائية بشعة تكشف عن انهيار في الأخلاق والقيم.
بريطانيا، التي تخطط لتعديل قوانينها هذا الأسبوع لحماية المجرمين الإسرائيليين، تتحمل مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه الشعب الفلسطيني الذي تبيح إهدار دمه لمجرمي الحرب الإسرائيليين وتعطيهم ضوءاً أخضر لمواصلة مجازرهم، فبريطانيا تكرر بهذه الخطوة، بل تؤكد، عداءها للشعب الفلسطيني وإصرارها على مطاردته حتى في منافيه بانحيازها المخجل إلى جلاديه الذين أقامت بريطانيا دولتهم على حسابه.
الحكومة البريطانية بدلاً من أن تكفّر عن جريمتها الكبرى في حق الشعب الفلسطيني، وهي المسؤولة عن مأساته وكل ما تفرّع عنها على نكبات، تقدم على مواصلة هذه الجريمة حتى بعد أكثر من ستين عاماً على ارتكابها، بتوفير الحماية القانونية والسياسية لمن نهبوا أرضه وشرّدوه في مختلف أصقاع الأرض، بتواطؤ منها.
نضم صوتنا إلى أصوات النواب والسياسيين والفنانين والحقوقيين، وكل الشرفاء البريطانيين الذين عارضوا تغيير هذه القوانين وإفلات مجرمي الحرب الإسرائيليين من المثول أمام العدالة، وإذا كانت هناك حاجة ملحة إلى التعديل، فمن أجل تشديدها والحفاظ على الحد الأدنى من استقلالية القضاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.