أطلقت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، في بحر الأسبوع الماضي، عملية تنزيل التدابير ذات الأولوية ترجمة للرؤية الاستراتيجية للإصلاح. وقدمت وزارة بلمختار الخطوات والإجراءات التي سبقت ترجمة الرؤية الاستراتيجية إلى 26 مشروعا تربويا يهم قطاع التربية الوطنية، وينتظم في أربعة مجالات هي مجال الإنصاف وتكافؤ الفرص، الذي يتضمن ثمانية مشاريع. ومجال الجودة للجميع، الذي يشمل سبعة مشاريع. ومجال الارتقاء بالفرد والمجتمع، الذي يضم سبعة مشاريع. ثم المجال الرابع الخاص بالحكامة وتدبير التغيير، والذي يتكون من أربعة مشاريع. ووعد وزير القطاع أنه سيتم تفعيل هذه المشاريع الاستراتيجية عبر مخططات ستمكن من التقييم المنتظم للرؤية الاستراتيجية، كما أن التدابير ذات الأولوية التي تم توطينها ضمن المشاريع الاستراتيجية، قد شرع في تنزيل بعضها الموسم الدراسي الماضي، ويتعلق الأمر بتوسيع المسالك الدولية للبكالوريا وإرساء البكالوريا المهنية، فيما عرفت التدابير الأخرى انطلاقة تفعيلها خلال السنة الدراسية2015-2016، ومنها التدابير الخاصة بتحسين منهاج السنوات الأربع الأولى من التعليم الابتدائي، وعتبات الانتقال بين الأسلاك، وتقوية اللغات الأجنبية بالثانوي الإعدادي، واكتشاف المهن. بالإضافة إلى التدابير المتعلقة بالمسار المهني بالثانوي الإعدادي، والمصاحبة والتكوين المستمر عبر الممارسة، واللامركزية الفعلية، والتدبير الخاص بالنزاهة والقيم بالمدرسة. كما وضعت الوزارة، بحسب وزير القطاع، آليات لتتبع قيادة وتدبير هذه المشاريع من خلال إرساء منظومة معلوماتية ولوحات القيادة العملية والميزانياتية ومساطر ومؤشرات التتبع. أما بالنسبة لقطاع التكوين المهني، فإن المشاريع الاستراتيجية تهم ستة مشاريع، من بينها مشروع ربط عرض التكوين بالحاجيات الاقتصادية والاجتماعية، ومشروع وضع المقاولة في صلب نظام التكوين، وتثمين المسار المهني من خلال دمج التكوين المهني مع التعليم العام، ثم انفتاح جهاز التكوين المهني على جميع الفئات. اليوم حينما نتأمل كل هذه التدابير التي وعدت بها وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني، نجد أنها وعدت بها من قبل دون أن تقو على تنزيلها مجتمعة أو تنزيل بعضها على الأقل. فباسثتناء مشاريع الباكالوريا الدولية والمهنية، لا تزال الكثير من التدابير متعثرة رغم قيمتها. فبالأمس القريب، تحدث بلمختار عن هذه التدابير نفسها خلال اللقاء الذي عقده مع المديرين الجهويين والإقليميين، وعن الرافعات الأساسية للرؤية الاستراتيجية 2015-2030 المحددة في أربع مجالات، هي الإنصاف وتكافؤ الفرص، والجودة للجميع والارتقاء بالفرد والمجتمع، والحكامة وتدبير التغيير، وتوطين التدابير ذات الأولوية ضمن هذه المشاريع الاستراتيجية، عبر خمس مخططات يمتد كل واحد منها لمدة ثلاث سنوات، والتي من شأنها أن تمكن من التقييم المنتظم للرؤية الاستراتيجية. وفي كل محطة، كان بلمختار يؤكد على أن المدرسة المغربية تراهن على تعزيز التمكن من التعلمات الأساسية، والرفع من عتبات الانتقال بين المستويات والأسلاك التعليمية، والتمكن من اللغات الأجنبية، وكذا دمج التعليم العام والتكوين المهني وتثمين التكوين المهني. وهي تدابير ذات أولوية كآلية آنية للاشتغال في إطار رؤية 2030. وقبل هذه المحطة، كانت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني قد أطلقت سلسلة لقاءات على المستوى الجهوي والإقليمي لحث الفاعلين في القطاع على حسن تنزيل التدابير ذات الأولوية في مشروع الإصلاح، سواء ذلك الذي حملته وزارة رشيد بلمختار، أو ما جاء به المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي. لذلك سارعت إلى إصدار مذكرة تدعو فيها المدرسين على الخصوص للأخذ بما تضمنته وثيقة الإصلاح. وحينما نتأمل القضايا الكبرى التي حملتها هذه التدابير، نجد أنها تعني القضايا نفسها التي سبق أن نبه لها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والمخطط الاستعجالي الذي جاء على أنقاضه. ومن ذلك ما يتعلق بلغة التدريس، والتعليم الأولي، والتعلمات الأساسية، والهدر المدرسي. فعن التعليم الأولي، نجد أن المشروع الجديد يعد بجعله من الملفات الضرورية حيث وجبت العناية به أكثر. لذلك فقد أضحت له سنتان تتم إضافتهما إلى سنوات التعليم الإبتدائي. وبذلك سيكون من حق الأطفال الالتحاق بالمدرسة الابتدائية للاستفادة من تعليم أولي عصري، قبل ولوج المستوى الأولى، خصوصا وأن كل الدراسات أكدت على أن الأطفال الذين يستفيدون من فرصة تعليم أولي، يحققون بعد ذلك نتائج جيدة في مشوارهم الدراسي مقارنة مع أولئك الذين لم يستفيدوا من هذا التعليم، خصوصا في الوسط القروي الذي ظل أطفاله محرومين من هذا الحق مقارنة مع زملائهم في الوسط الحضري. لذلك شدد مجلس عزيمان على هذا الأمر الذي أصبح موكولا للمدرسة الابتدائية، تفعيلا لمبدأ تكافؤ الفرص، الذي جاءت به الرؤية الاستراتيجية للإصلاح. لقد شكل التعليم الأولي من قبل مشروعا قائم الذات ضمن مشاريع المخطط الاستعجالي. ومما دعا إليه المخطط بشأن هذا الملف، انخراط الجماعات المحلية في توفير فضاءات لاستقبال أطفال التعليم الأولي، وأداء أجور المشتغلين فيه. وهي دعوة لم تلق الاستجابة اللازمة، وإن نجحت بعض الجماعات المحلية في تنزيلها من خلال بعض الشراكات. لذلك كان المجلس الأعلى حاسما هذه المرة في إعطائها الأولوية اللازمة وجعلها من مهام المدرسة الابتدائية بإضافة سنتين تخصصان للتعليم الأولي. وهي اليوم واحدة من التدابير ذات الأولوية في المدرسة المغربية. ثاني القضايا الكبرى التي حملها تقرير المجلس الأعلى، وهي اليوم في صلب هذه التدابير، هي المتعلقة باللغة. لقد كان المجلس الأعلى قد أدرك أنه أمام إشكال حقيقي عجز المجلس نفسه، في نسخته السابقة، على التعاطي معه والحسم فيه. ولا غرابة أن المخطط الاستعجالي لم يحقق فيه غير نسبة ضئيلة ليتركه إلى حاله. ومن تم فقد كان لا بد لمجلس عزيمان أن ينهي الجدل حوله، ويجزم في اتخاذ القرار النهائي. قرار انتهى، بعد جلسات ومشاورات وتوافقات بل وخلاف أيضا، إلى الإبقاء على اللغة العربية لغة تدريس. القرار الثاني هو الإبقاء على اللغة الفرنسية لغة ثانية، بعد الجدل الذي كان قد توقف عند تجريب اللغة الإنجليزية وجعلها ثانية بالنظر إلى أنها لغة العلم والتكنولوجيا. اليوم حسمت المدرسة المغربية، كما قال بذلك المجلس الأعلى، في تدريس الفرنسية ابتداء من السنة الثانية من التعليم الأبتدائي. أما اللغة الإنجليزية، فينطلق تعليمها ابتداء من السنة الرابعة من التعليم الابتدائي. وهي قرارات خرجت من عنق الزجاجة، بعد أن اشتد النقاش بين المدافيعن عن الفرنسية والمتحمسين للإنجليزية لغة ثانية. وشكلت قضية التعلمات الأساسية، واحدة من القضايا التي أخذت حيزا كبيرا من النقاش بعد كل التقارير التي كشفت عن معطيات مخيفة. لذلك انتهى التقرير التركيبي إلى ضرورة التركيز على أن تكون الصفوف الابتدائية هي مجال تحقيق القراءة والكتابة والحساب. وهي المهام الأساسية للمدرسة المغربية، بدلا من تعدد المواد التي أبانت عن ضعفها وعدم قدرتها على تحقيق الجودة المفترضة. اليوم تعتبر هذه التعلميات الأساسية في صلب التدابير ذات الأولوية التي تدافع عنها وزارة السيد بلمختار. لم يغفل تقرير عزيمان، ومعه المشروع الإصلاحي لوزارة التربية الوطنية، التوقف عند ملف الهدر المدرسي. والذي اعترف الجميع أن له علاقة مباشرة أولا بالبرامج والمناهج، التي وجب إعادة النظر فيها، وثانيا، بالوضع الذي توجد عليه المؤسسات التعليمية التي هي في حاجة لإعادة التأهيل على مستوى التجهيزات والبناءات. وهو مشروع سبق أن حقق فيه المخطط الاستعجالي نتائج محترمة، وجب تطويرها. حينما تذكر وزارة التربية الوطنية بهذه التدابير والمشاريع التي وصلت 32 مشروعا سيشرع في تنزيلها تفعيلا للرؤية الاستراتيجية للإصلاح، فالأمر يعني أن المدرسة المغربية هي اليوم في قلب النقاش العمومي، فقط لو يتم الإسراع بتنزيل هذه التدابير ذات الأولوية إلى تنزيلها. لكن بأية شروط؟ وفي أية بنية استقبال؟ هذا هو السؤال الذي لا زال السيد رشيد بلمختارلم يقو على إيجاد جواب مقنع له. «هل نحن في حاجة إلى الفلسفة ؟ في يوم دراسي لأساتذة الفلسفة بالمنطقة التربوية لسوق السبت نظم أساتذة الفلسفة بالمنطقة التربوية طيلة يوم السبت الأخير يوما دراسيا وطنيا، حضره عدد كبير من الأطر التربوية والباحثون من جهة بني ملالخنيفرة ومن مدن مغربية أخرى وثلة من الفعاليات الثقافية والجمعوية والإعلامية، فضلا عن الحضور المكثف للتلاميذ والتلميذات. واعتبر المنظمون أن هذا اليوم الدراسي المنظم تحت شعار « هل نحن في حاجة إلى الفلسفة ؟» يأتي في سياق وطني ودولي خاص تهيمن عليه روح العنف والتعصب، وفي ظرفية ما أحوج مجتمعاتنا فيها إلى صوت العقل، وذلك بغية إرساء تقليد سنوي، من داخل المؤسسة العمومية، وجعلها فضاء مفتوحا لجميع الأساتذة من داخل المادة أو من خارجها، من أجل اللقاء وتبادل الأفكار والمعارف، مشيرين إلى أن المداخلات المكثفة للأساتذة والباحثين وتدخلات التلاميذ والتلميذات ومختلف الفعاليات الحاضرة، انطلقت بعد بسط أرضية الندوة المكتفة بإشكلات فلسفية عميقة والتي جاء فيها « إن طرح السؤال « هل نحن في حاجة إلى الفلسفة» بصيغة استنكارية قد توحي لقارئه وجود تخمة في الفلسفة، تقتضي التوقف عن طلبها ونشدان الحاجة إليها. وقد يُفهَم منه من جهة ثانية نوع من «الاستنجاد والطلب» الذي تفرضه الضرورات والأزمات التي يعرفها عالمنا، والتي تقتضي استحضار هذا النمط من الفكر لكي يساعدنا في حل مشكلاتنا الفلسفية والوجودية». فالحاجة إلى الفلسفة تؤكد أرضية الندوة «أصبحت مطلبا وجوديا، في ظل الإشكالات السياسية والدينية والثقافية والكوسموبولتيكية، التي يعاني منها الإنسان في عالمنا اليوم. ولهذا، فالتأسيس لهذا المطلب، ليس على نوع من النكران الذاتي أو الجماعي لحضور الفلسفة في المؤسسات التعليمية والجامعية، بل إننا نؤسسه على الاعتراف الصريح بأن هذا الحضور اليوم للفلسفة يجب العمل على تعزيزه، بحيث كان حضورا باهتا في مقابل أشكال وأنماط تعبيرية وثقافية أخرى، ليست بالقيمة التي يجب أن يحظى بها الفكر الفلسفي أمام حجم الصعوبات والإشكالات التي نواجهها. وهكذا فالمطالبة بالحاجة إلى الفلسفة، هي مطالبة بالحق الكوني للإنسان في نمط من المعرفة يُتيح له اكتشاف أهم ما يميزه بوصفه كائنا يملك كينونة تُتيح له تأسيس نوع من التواجد المشترك بينه وبين الآخرين، ليس بوصفهم مطابقين ومتشابهين، بل بوصفهم مُغايرين ومُختلفين، ولهم الحق في أن يكونوا كذلك». هذا ومن خلال الأرضية نفسها قال منظمو هذا اليوم الدراسي «نؤسس مطلب الحاجة إلى الفلسفة كذلك، انطلاقا من الوعي بأن الإشكالات الوجودية الكبرى، والتي سنعالجها على مدار هذا اليوم الدراسي، من قبيل الإرهاب والعنف والتسامح، وأيضا الحق في الاختلاف والحق في المعتقد، والحق في الحفاظ على التعددية الثقافية …. هي إذن قضايا محايثة لوجود الإنسان المعاصر، مهما كانت وظيفته أو درجة مسؤوليته، فإنه يواجه هذه القضايا المصيرية، بحيث لا تتيح له الموارد الثقافية السائدة، من مثل، الإعلام السمعي البصري والورقي ومختلف الأجهزة الإيديولوجية، النظر إلى تلك القضايا بعمق. وحينما يكون الفهم مشوها، لا ننتظر إلا ممارسة أو سلوكا مشوّها، فيصير البحث عن الاختلاف والتعدد والإيمان بالآخر، بحثا حثيثا، تتطلبه الحاجة إلى الفلسفة من أجل الانعتاق من زعم التطابق والمشابهة». وهكذا تكون الفلسفة، والعودة إلى الفلسفة، تضيف أرضية الندوة هي «عودة إلى فكر يؤمن بأن الالتزام «بواجب ما» تجاه هذا الوجود بكل ما يتضمنه، مسألة ضرورية من أجل إنقاذ عالمنا من جميع النزعات التدميرية. فالفلسفة هي العلاج لأعطاب المجتمع كما يرى «نيتشه»، وليست هذه العودة نوعا من النزوع الأخلاقوي، بل هي عودة تفرضها حاجات أخلاقية ومعرفية تتمثل في تمكين ناشئتنا ومجتمعنا من القدرة على تفكيك كل الخطابات، التي تقدم نفسها كونها حقائق خالدة ومتعالية على واقعهم ومواطنتهم وكرامتهم وأمنهم واختياراتهم وحريتهم». وأكد منظمو الندوة «إن ما لا يجب فهمه، هو أن هذا اليوم الدراسي لا يؤسس مطلبه «الحاجة إلى الفلسفة» على حساب الإقصاء لحقول معرفية أخرى تحمل وتتقاسم مع الفلسفة هذا الهم الجماعي في التفكير في أفضل الطرق التي تتيح للجميع العيش بكرامة، بل يعتبر حضور الفلسفة وتعزيز وجودها بوصفها ضرورة يومية سيساهم إلى جانب أنماط أخرى من المعرفة النقدية في تحقيق هذا المطلب. يمكن صياغة بعضا من الإشكالات من خلال المفارقات العميقة التالية: هل مطلب الحاجة إلى الفلسفة القصد منه تجديد ذاتها أم هذه الحاجة هي من أجل توظيف الفلسفة في معركة الصراعات الاجتماعية؟ بمعنى هل خلفية السؤال فلسفية أم سياسية؟ وهل يمكن الفصل بين الفلسفي والسياسي؟» بالمحصلة يقول المنظمون «إن الحاجة إلى الفلسفة قضية معقدة وتتداخل فيها عدة اعتبارات، علما أن إشكالية العلاقة بين الفكر والواقع دائما تعيد طرح إشكالية الحاجة إلى الفلسفة. من قبيل ما حاجة مجتمع متأخر إلى الفلسفة، علما أن الفلسفة موجودة وتحيا في المؤسسة التعليمية ولكن لأيّ غاية ومن يحدد هذه الغاية؟». وفي الأخير أشارت أرضية الندوة إلى « أن الاستيعاب العميق والفلسفي «لشعار ربط المدرسة بمحيطها»، موضحة أن الربط لا يتحقق بفتح أبوابها وإلغاء أسوارها، بل ما نفهمه من هذا الربط هو أن تكون المدرسة والمؤسسة عموما محتضنة للنقاش العمومي، ومتدخلة وحاضرة فيه بأطرها وكفاءاتها، وذلك من أجل تنوير تلامذتنا ومحيطنا ومجتمعنا، لأن المدرسة هاهنا لم تعد بالنسبة لنا ممرا أو جسرا وظيفيا يعبر منه التلميذ نحو مؤسسات أخرى، الجامعة مثلا، بل هي مجال القطائع القيمية، بحيث أن القضايا التي تهم التلميذ، وتمس مصيره ومستقبله يجب أن تكون حاضرة داخل المدرسة، ويجب أن تسهم كل الأطر في إيجاد وتقديم الإجابات عنها عوض أن نترك تلامذتنا ضحية التمثلاث والحس المشترك والأفكار الجاهزة». أزمي: المتعلمون في حاجة لأنشطة موازية منفتحة تطور قدراتهم الذاتية تنشط العديد من الجمعيات والمراصد في مجال التربية على حقوق الطفل والمتعلم والتلميذ. وترفع جميع هذه الجمعيات شعارات الدفاع عن هذه الفئات من المجتمع، والسعي نحو الرقي بمستوى وظروف تعليمها وتعلمها. في هذا الحوار يحدثنا الدكتور عز العرب الإدريسي أزمي رئيس المرصد المغربي للدفاع عن حقوق المتعلم عن دور مثل هذه الهيئات في التحسيس بظاهرة العنف المدرسي وسبل مواجهتها كما يحدثنا عن دور مثل هذه المراصد والهيئات في المساهمة في الرقي بمستوى الممارسة داخل المنظومة التربوية. – بداية في ظل تزايد تأسيس الهيئات والجمعيات المعنية بحقوق المتعلمين والأطفال …نود لو تتحدثوا لنا عن واقع المدرسة المغربية من زاوية الجمعوي / الحقوقي ؟ الحكومة وجميع المنظمات والهيئات والإطارات السياسية والثقافية والحقوقية والتربوية وكل من يعترف بأن المدرسة المغربية بصفة عامة تعيش أزمة خانقة وأن أغلب المتعلمين بجميع الأسلاك التعليمية يعانون الكثير من المشاكل والصعوبات والإضطرابات التي تحول دون تمكنهم من امتلاك الموارد المعرفية والإجرائية والموقفية التي تساهم في نسبة كفاياتهم الضرورية وتساعدهم على الاندماج الإيجابي والتفاعلي في المحيط السوسيو إقتصادي. في ظل هذا الوضع المتأزم وأمام هذه الاختلالات والخروقات التي يعاني منها نظامنا التربوي والتكويني والتي تنعكس سلبا على إنجازات وأداءات المتعلمين وتحرمهم من حقهم في تعليم جيد…، كان لابد من تأسيس العديد من الإطارات الجمعوية التي تهتم بالشأن التربوي والتكويني بصفة عامة وتعتني بحقوق المتعلمين… من هذا المنطلق ووفق هذا التوجيه الذي يخدم مصالح المعلمين ويصون حقوقهم ويوفر لهم كل الشروط والحظوظ التي تضمن لهم تعليما جيدا ومنصفا، عملنا على خلق وتأسيس «المرصد المغربي للدفاع عن حقوق المتعلم». – ما هي الإضافة النوعية التي تسعون إلى تحقيقها من خلال تأسيس هذا المرصد وما هي أهدافه؟ نروم من خلال المرصد الحرص على توفير شروط الممارسة التعليمية والتكوينية والتأطيرية لمختلف المتعلمين بشكل يؤهلهم إلى بلوغ مواقع ومناصب عالية ومراكز القرار والمساهمة في إعداد برامج ومشاريع، تروم محاربة الأمية والهدر المدرسي، والفشل وتحث على ولوج جميع الأطفال الذين بلغوا سن التمدرس ذكورا وإناثا إلى المؤسسة التعليمية. إضافة إلى الدفاع عن حقوق المتعلمين في المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، والهيآت والمحاكم الوطنية والدولية. والمساهمة الفعلية والفعالة إلى جانب باقي معدي البرامج والمناهج والكتب الدراسية بمخلف الأسلاك التعليمية، والتكوينية. وذلك عبر تنظيم ندوات وأنشطة تربوية، وحقوقية، وثقافية تخدم أهداف المتعلم وتساعده على تجاوز التعثرات والصعوبات التي تعترض سيرورته التعليمية وتحول دون تكمنه من الاستمرار التعلمي والتكويني. وكذا القيام بدراسات تشخيصية، وافتحاصية للوقوف عند الاختلالات الحقيقية التي تطال منظومتنا التعليمية، التكوينية والتربوية. نسعى كذلك إلى المساهمة في التوجيه والإرشاد التربويين الخاصين بولوج الأسلاك والمسالك التعليمية والتعلمية، بالوسطين القروي والحضري. ونشر الأبحاث والدراسات والكتب التربوية والثقافية والحقوقية …وخلق منابر إعلامية وتواصلية، ذات طابع تربوي وتثقيفي وحقوقي، عقد شراكات وتعاونيات وتبادلات مع الجمعيات والمنظمات الوطنية والدولية ذات الأهداف والاختصاصات المشتركة.والمساهمة في تكوين وتأطير الأطر التربوية والإدارية المرتبطة بالممارسة التربوية والتكوينية، بمختلف القطاعات العمومية والخصوصية. – من بين القضايا التي تؤرق بال العاملين بقطاع التربية والتكوين، ظواهر العنف المدرسي بشتى أنواعه، وهي الظواهر التي يؤكد الأساتذة والإداريون أنها في تزايد، هل تتوفرون في المرصد الوطني عن معطيات دقيقة وإحصائيات حول هذه الظاهرة المؤرقة؟ بالطبع إن ظاهرة العنف بكل أشكاله وأنواعه تتنامى بشكل سريع وتنتشر بمختلف المؤسسات التعليمية بالشكل الذي أصبح يعيق الجميع، ويدفع بالمسؤولين والمهتمين بالشأن التربوي والتكويني والحقوقي إلى مضاعفة الجهود لإيجاد حلول ملائمة تخفف من حدة تنامي هذه الظاهرة، وتعيد النظر في الكيفية التي ينبغي أن تتم بها عملية إعداد وتنظيم الأنشطة التي يجب أن تسود داخل هذه المؤسسات وتساهم في تلبية حاجات واهتمامات المتعلمين وتساعدهم على تطوير قدراتهم الذاتية والإبداعية والابتكارية. لقد حددت العديد من المنظمات والهيئات والإطارات التنموية والحقوقية والتربوية نسبا مرتفعة في صفوف المتعلمين الذين يلجؤون إلى أساليب العنف داخل مؤسساتهم بشكل متعمد أو غير متعمد، وعملت على تبيان مختلف العوامل التي تحرك هؤلاء المتعلمين لممارسة السلوكات الشنيعة والتصرفات العنيفة التي تخلق حياة مدرسية مضطربة وغير مواتية لاكتساب المتعلمين الموارد التي تطور كفاياتهم وتجعلهم قادرين على مواصلة دراستهم بطريقة فعالة وطبيعية، كما أن الإطارات لم تقف عند حدود الرصد وتحديد العوامل التي تؤدي إلى تنامي العنف المدرسي بل لجأت أيضا إلى طرح بدائل وحلول تعتبر أن إعتمادها من شأنه أن يضع حدا لمثل هذه الممارسات العنيفة التي لا تخدم مصالح المتعلمين ولا تصون حقوقهم. – هل تعتقدون أن البرامج والمواضيع المقترحة في المقررات الدراسية بإمكانها أن تربي التلميذات والتلاميذ على العيش داخل مجتمع المؤسسة التربوية في سلام وتهذبهم؟ ما يلاحظ أن الأنشطة التي يمارسها المتعلمون أغلبها تركز على التعلمات داخل الفصول الدراسية التي تمكنهم من التحكم في الأدوات والموارد المعرفية والإجرائية والموقفية التي تساعدهم على تنمية كفاياتهم الأساسية المرتبطة بالموارد الدراسية، في حين أن هؤلاء المتعلمين لا يحتاجون فقط إلى إكتساب هذه الكفايات بل يرغبون إضافة إلى ذلك، في إنجاز وممارسة أنشطتهم الموازية والمنفتحة تخدم تطوير قدراتهم الذاتية وتلبية حاجياتهم الابتكارية والتجديدية. من هنا ، نعتقد أن المناهج والمراجع الدراسية الحالية تحتاج إلى إعادة النظر وإلى مراجعتها وتنقيحها بالكيفية التي تساهم في تحقيق توازن شخصية هؤلاء المتعلمين وتنمي قدراتهم وكفاياتهم التعلمية والذاتية. – كيف ترون أفق التعامل مع هذه الظاهرة، وهل فعلا التلميذ وحده من علينا الدفاع عن حقوقه، أم أن الأستاذات والأساتذة والإداريين هم أيضا في الحاجة إلى من يدافع عنهم من بطش بعض المشاغبين من التلاميذ؟ بالعودة إلى الأهداف التي أشرنا إليها سابقا، والتي نروم تحقيقها من خلال مختلف المشاريع والبرامج والخطط القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى التي يعتزم المرصد المغربي للدفاع عن حقوق المتعلم تنظيمها، يتضح أننا نعتني بكل العناصر والمكونات والهيئات والجهات التي ترتبط بالمتعلمين وتسعى إلى توفير الأجواء الملائمة والظروف الضرورية التي تشجعهم نحو الانخراط الفعلي والفعال في ممارسة الأنشطة الصفية والمندمجة والتفتحية التي تنمي كفاياتهم التخصصية والذاتية والاجتماعية من هنا، ونؤكد لكم أن المرصد المغربي للدفاع عن حقوق المتعلم يعتني بحقوق المتعلمين ويهتم كذلك بالأطر الإدارية والتربوية والتأطيرية والتوجيهية التي تضمن لهم الوعي بتلك الحقوق وترسيخها لديهم وتساعدهم على الدفاع عنها والقيام بواجباتهم ومسؤولياتهم. – ما هو موقع مواضيع التربية على المواطنة والتشبع بثقافة الحق والواجب في البرامج الإصلاحية لقطاع التربية والتكوين؟ ما يجب الانتباه إليه أن التربية على المواطنة والتشبع بالحقوق والواجبات حيث يجب أن تتضمن مختلف محتويات البرنامج والمناهج الدراسية بجميع الأسلاك التعليمية، ولا يقتصر ذلك على التمرير الهامشي لها. إن المتصفح المحلل للبرامج الدراسية الحالية يلاحظ بسرعة أنها تحتوي على تمرير لقيم المواطنة وحقوق الإنسان بشكل عابر وسطحي لا يرقى إلى ما نطمح إليه وإلى ما ينبغي أن يمتلكه المتعلمون من ثقافة حقوقية شاملة تجعلهم قادرين على الاحترام الفعلي لهذه الحقوق ومستعدين للدفاع عنها وتحمل مسؤولية نشرها وتثبيتها في كيان المجتمع المغربي. – يعتبر العديد من الممارسين أن الترسانة القانونية المؤطرة للأنظمة الداخلية بالمؤسسات التعليمية عاجزة إلى حدود اليوم عن وضع ضوابط معقولة بإمكانها إعادة الاعتبار إلى المؤسسة التربوية، وما هي في نظركم الحلول المقترحة لجعل مؤسساتنا فضاء للعلم والتحصيل والتعايش في إطار من الحوار والاحترام المتبادل؟ صراحة ما نحتاج إليه في مؤسستنا التعليمية هو خلق حياة مفعمة بالحيوية والدينامية وتوفير معيش جماعي داخلها يشرك الجميع في تدبير شؤون هذه المؤسسات ويوفر لهم الطمأنينة والأمن والأمان ، ويسعفهم في إنجاز المهام والأنشطة التي تساهم في تحقيق شخصياتهم المتوازنة القادرة على الترقي التعلمي والمستعدة للاندماج الإيجابي والتفاعلي في المجال السوسيو-اقتصادي. شعراء وزجالون وتشكيليون في اليوم العالمي للشعر بعين السبع الحي المحمدي تخليدا لليوم العالمي للشعر الذي أقرته منظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم «اليونسكو»، وحرصا منها على تفعيل آليات التواصل والانفتاح على فعاليات المجتمع المدني، ومساهمتها في تفعيل مختلف المناسبات الوطنية والدولية، واعتبارا على أن الشعر هو أحد أنقى أشكال التعبير عن حرية اللغة، وهو عنصر مكون لهوية الشعوب، كما أنه يجسد الطاقة الإبداعية للثقافة من حيث قدرتها على التجدد المستمر، احتضن مركب عقبة التربوي بمديرية وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني بعين السبع الحي المحمدي يوم الجمعة 18 مارس 2016 أمسية شعرية شارك فيها صفوة من الشعراء والزجالين، كصلاح الدين الوديع الأسفي، وتوفيقي بلعيد، وسعيد منتسب، وحسن بيرما، وحكيمة عامر، وعبد العزيز السعيدي، إلى جانب الزجالين عبدالرحيم بطمة وعبد العزيز بنسعد الفائز بجائزة الإيسيسكو، وفتيحة رشاد، كما تابعها القاص أحمد يوهو صاحب « الوردة الجميلة « والفنان التشكيلي محمد سعود لذي تؤثث لوحاته العديد من الدواوين الشعرية العالمية. وقد فاجأ الشاعر صلاح الدين الوديع الحضور بإلقائه لقصيدته الجديدة التي لم تنشر بعد وهي تحت عنوان « سوف أخبر الله بكل شيء « وهي القصيدة التي ستتم ترجمتها إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية. وأعربت المديرية الإقليمية بعين السبع الحي المحمدي في كلمتها عن شرفها لاحتضان هذا اليوم العالمي، الذي يهدف أساسا إلى الاحتفاء بالشعر باعتباره أحد أسمى أشكال التعبير والتنوع اللغوي والثقافي، وعنصر هام مكون لهوية الشعوب ومساهم بشكل فاعل في بناء الذات الإنسانية، ومن ثمة وجبت حمايته باعتباره أيضا تراثا ثقافيا غير مادي وتعزيز تدريسه في المؤسسات التربوية، لمد جسور التواصل والحوار بينه وبين والفنون الأخرى كالمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية، وإحياء ثقافة التقاليد الشفوية للأمسيات الشعرية، وبالتالي تحفيز الناشئة على الإبداع، مؤكدة في الوقت نفسه على أن الشعر ليس فقط وسيلة لإظهار القدرة التعبيرية، والترويح عن النفس، وتبادل العواطف والمشاعر مع الآخرين، بل هو إلى جانب ذلك، طاقة تعبيرية تشارك في خلقها كل القدرات والإمكانيات الإنسانية مجتمعة، مضيفة أن الشعر يعتبر مظهرا آخر من مظاهر تنوع الحوار البناء والتبادل الحر للأفكار، كما عبرت المديرية عن فخرها في ترسيم هذا التقليد ومنوهة بالتلبية التلقائية لدعوتها من طرف الشعراء. ثانوية أبو القاسم الزياتي الدارالبيضاء تحتفي بمتفوقيها أشرف مدير الثانوية الإعدادية أبو القاسم الزياني التابعة للمديرية الإقليمية لمقاطعة الحي الحسني مرفوقا ببعض الأطر التربوية والإدارية بتنسيق مع جمعية آباء وأولياء التلاميذ على تنظيم حفل لتكريم التلاميذ والتلميذات المتفوقات والبالغ عددهم 32 تلميذا ممن تمكنوا من الحصول على أعلى المعدلات خلال الأسدوس الأول من الموسم الدراسي الحالي على صعيد كل قسم على حدة بالنسبة للمستويات الثلاثة. ومباشرة بعد نهاية كلمة السيد مدير الثانوية الإعدادية أبي القاسم الزياني تم توزيع العديد من الجوائز التقديرية على التلاميذ والتلميذات الذين تميزوا بحصولهم على أعلى العلامات خلال الأسدوس الأول للموسم الدراسي الحالي تحفيزا لهم على بذل مزيد من الجهد والعطاء علما بأن أفضل المعدلات على صعيد المؤسسة توزعت بحسب التصنيف التالي: فقد حصلت التلميذة بسمة الخالدي من قسم الأولى 7 على معدل 18.11، في حين حصلت التلميذة نادية حنين من قسم الثانية 5 على معدل 18,78 أما التلميذ عبد الصمد الهروسي الذي يدرس بقسم الثالثة 1 فقد حصل على معدل 18,48، مع الإشارة إلى أن التلميذ أمين زكري الذي يدرس بقسم الثالثة 8 (من ذوي الاحتياجات الخاصة ) قد نال جائزة تقديرية استثنائية تقديرا من الأطر الإدارية والتربوية لإعدادية أبي القاسم الزياني للمجهودات التي يبذلها المعني بالأمر بالرغم من وضعيته الصحية الصعبة. إصلاح منظومة التربية والتعليم..الأسئلة المستمرة لا شك أن المتتبع والمهتم بالشأن التعليمي المغربي ستثيره المحطات المتعددة في الزمن التربوي منذ الاستقلال إلى اليوم، تروم إصلاح التعليم وطرح إشكالياته للنقاش والحوار، واتخاذ القرارات التي من شأنها أن تمنح دفعة جديدة، وتنهض بقطاع اجتماعي ذي أهمية قصوى في تقدم المجتمع والوطن، من خلال رسم خريطة واضحة المعالم لمدرسة تؤدي أدوارا إيجابية، وترسم الأهداف المنشودة المتفق عليها من طرف مختلف المتدخلين والفاعلين في الشأن التعليمي المغربي للوصول في النهاية إلى تحقيق النتائج المرجوة بعد رصد الآليات والأدوات الكفيلة بتحقيق تلك الأهداف المنشودة. وفي الوقت نفسه الذي ستثيره هذه المحطات الإصلاحية العديدة عبر مراحل تاريخية، ستثيره كذلك تلك النتائج الكارثية والاخفاقات التي تكون هي النتيجة التي تصل إليها تلك المسماة بالإصلاحات بعد أن تكون قد استهلكت الكثير من الجهد والتفكير والتخطيط. وكذلك الكثير من الإمكانيات المادية واللوجيستية ليقف حائرا أمام سؤال عميق وهو: لماذا يحصد كل مجهود إصلاحي في قطاع التربية والتعليم النتائج الخائبة والفاشلة؟ وهو سؤال يتضمن أسئلة أخرى تتفرع عنه مثل: أين يكمن الخلل في كل محاولة إصلاح؟ وهل العقل التربوي المغربي عاجز عن تحقيق إصلاح متقدم ومتطور يستجيب للغايات ويحقق الأهداف المرسومة؟ ما العامل أو العوامل التي نغفلها بوعي أو بعدمه وتكون حاسمة في فشل محاولة الإصلاح؟ إن هذه الأسئلة وغيرها كثيرة تستدعي منا محاولة طرح موضوع إصلاح التعليم من زاوية تستحضر البعد الاجتماعي، الثقافي، الاقتصادي والسياسي. في محاولة تروم النهوض بمنظومة التربية والتعليم. فالحديث عن إصلاح قطاع اجتماعي بعينه والاستفراد به بعيدا عن استحضار أهمية القطاعات الأخرى التي تتقاطع وتتبادل معه عملية التأثير والتأثر، لا يمكن إلا أن تؤدي إلى نتائج ناقصة وفاشلة مثلما يقع دائما. لأننا نتاعمل مع الإصلاح وكأننا نقدم على قطاع معزول موجود في جزيرة مستقلة بنفسها ولا علاقة لها بما يحيط بها من كل الجوانب الأخرى. إن الفشل المتكرر والنتائج الناقصة التي وصل إليها كل إصلاح تعليمي، ليس إلا نتيجة عقلية تنظر للمدرسة المغربية التي نريد تدبيرها والنهوض ببرامجها ومناهجها، وكأنها توجد في كوكب بعيد ومعزول، وليست مدرسة توجد ضمن بنية فكرية ونسق اجتماعي يتحكم في سلوك الأفراد الذين يتعاملون معها، ويحدد رؤيتهم وتصرفهم اتجاه هذه المدرسة. لذا كيف يمكن أن ننهض بمدرسة تتمتع بمناهج وبرامج تستجيب للمعايير التربوية الحديثة في بيئة تغوص في الفقر والخصاصة والأمراض. ثم كيف يمكن أن تنهض مدرسة مهما بذلنا من جهد للدفع بها للسير إلى الأمام بينما محيطها الاجتماعي يعيش واقعا لا يتناغم ولا يتوازى مع ما ننشده من نهوض وما نقدمه من برامج ومعارف؟ من هنا تبدو سياسة البلد التي تعتمد على الاصلاحات القطاعية دون الرؤية والتفكير الشموليين سياسة تقود حثما إلى النتائج الفاشلة التي تستدعي التوقف والعودة مرة أخرى وبنفس العقلية القطاعية لإعادة محاولة الإصلاح لنبقى ندور في حلقة مفرغة دائمة لن تنتهي إلا بالتفكير الشمولي، وفهم بأن قطاعا من القطاعات ليس إلا جزءا صغيرا من بنية. ولا يمكن إصلاح الجزء بعد عزله عن كله الذي ينتمي إليه ويتأثر ويؤثر فيه.إن إصلاح المنظومة التربوية التعليمية لا يمكن أن يتم وأن ينجح إلا في إطار إصلاح شمولي ورؤية عامة تشمل جميع الميادين والقطاعات. إن النظرة التي تعمل على إصلاح قاطرة معينة معزولة عن القاطرات المعطوبة الأخرى، لا يمكن أن تسير بوتيرة أسرع، ولكي ندقق الكلام أكثر، فإن إصلاح التربية والتعليم في نهاية المطاف ليس إلا قرارا سياسيا في العمق. فالمدرسة لا تنتج إلا المواطن الذي نحدده ونريده. وبالتالي نطرح السؤال: أي مواطن نريد في المستقبل؟ ومن خلال الإجابة يتحدد موقفنا ورؤيتنا للمدرسة التي نريد، ويتحدد بالتالي الإصلاح الذي نريد لهذه المدرسة، التي هي أداة في يد صاحب القرار السياسي الذي يرسم الخطوط العريضة. لذا فيكفي الحديث عن إصلاح قطاع التعليم وإصلاح القضاء، وإصلاح الرياضة، وكأن هذه القطاعات معزولة فيما بينها، لا تنتمي لبنية واحدة تتحكم فيها قرارات سياسية. إن إصلاح التعليم في أي بلد لا يمكنه أن يتم إلا في إطار مشروع نهضة اجتماعية تشمل كل مرافق وقطاعات البلد. فليس من الإصلاح في شيء أن يتم النهوض بالتعليم بينما من نعول عليهم لحمل هذه الرسالة تكسر عقلية سياسية متخلفة ضلوعهم في الشوارع والساحات العمومية. وتقوم هذه السياسة نفسها بخفض المنح التي يستحقونها. إنه مشهد كاريكاتوري وغرائبي أن نتحدث عن إصلاح التعليم ونحن نطارد الأساتدة بالعصا الغليظة. إن السياسة العامة المتخلفة لا يمكن أن تنتج إلا مدرسة متخلفة، وهي التي تنتج لنا بيئة متخلفة ومجتمعا متخلفا. وهكذا يستمر الدوران في الحلقة نفسها والمتاهة نفسها.