كان في معزل عن أصدقائه يدخن بنهم، يتموضع في زاوية يتوارى فيها عن أنظار العامة خوفا من أن يفضح أمره أمام أسرته، يمسك السيجارة بطريقة توحي للعيان أنه احترف التدخين لسنوات، كانت لا تزال تبدو على محياه الأسمر، سمة براءة الأطفال، كانت تعمه هالة من الحزن كذلك الدخان الذي كان ينفثه من سيجارته، بحركة تقول إنه قد صار رجلا يحمل من الكرب والهم الشيء الكثير. إنه شعيب الطفل البالغ من العمر 13 سنة، والذي أدمن السجائر منذ الصغر، تكشف في عمقها، فشل كل من المجتمع والمدرسة والأسرة في مواكبة جيل المستقبل. شعيب، هذا الطفل البريء، ليس سوى مثال حي وبسيط على ما فعله التدخين بطفولة المغرب. مشهد هذا الطفل/المدخن يتكرر عند كل زاوية من أزقة المدن المغربية، كونه ليس لا أول ولا آخر طفل في عمر الزهور، ينفث دخان سيجارة تحترق بين أصابعه، وتحرق معها طفولته وبراءة مستقبله. إثبات الرجولة يعتقد أكثر الأطفال أن التدخين يدخلهم عالم الكبار بسرعة أكثر، وكأن في التدخين إثباتاً لرجولة الطفل أمام أصحابه، باعتبارها فكرة استلهمها هؤلاء الأطفال من مجتمع يعتبر أن التدخين سمة من سمات الرجولة علامة تميزهم عن غيرهم ممن لا يتصفون بها. وبناء على هذه الفكرة الخطيرة، يتصور الطفل المراهق أن هذه العادة تعطيه نوعا من الاستقلالية عن آبائه والإحساس بالبلوغ الذي يمنحه نوعا من «البرستيج» والرقي الاجتماعي وأنه يبدو أكثر جاذبية عند حمله السيجارة، ويوحي له بقدرته على الاعتماد على نفسه تقليدا للكبار، واعتقادا منه أنه لم يعد طفلا ولذلك لم يعد يخاف على صحته ولم يعد يخشى أبويه، ولو أنه كثيراً ما يلجأ إلى الحيلة كي لا يكون موضع الشبهات أمام أبويه. ريان، الطفل ذو العشر سنوات، مثال حي على تغلغل فكرة أن التدخين ينقل الطفل بسرعة إلى عالم الكبار، حيث يبوح في هذا الصدد، أنه اعتاد تدخين السجائر منذ سنة، يقول: «كان دافعي في البداية التباهي أمام أقراني من الأطفال، وإثبات انتقالي بسرعة إلى عالم الرجال»، ويضيف «لحد الآن لم يكشف أمري أمام والدي، رغم أن والدتي صارت تشك في تصرفاتي لكنها لم تصل إلى حد اتهامي بالتدخين، مسايقين خبار بلي راني تبليت شال هاذي». هنا، يكشف ريان جهل والديه بتدخينه، في كشف يعري واقع علاقة الطفل بوالديه، ويكشف مدى غياب مراقبتهما لطفل لم يتجاوز بعد ربيعه العاشر. هذا الأمر يجعل الأبناء ينزلقون عن مسار التربية السليمة. يقول ريان «حين تسألني أمي عن رائحة التبغ التي تفوح أحيانا من ملابسي، فإني أجيبها بالنفي مبررا ذلك بأن نادي الألعاب الإلكترونية وصالة «البلياردو» مملوءان بالمدخنين». ريان ليس الطفل المدخن الوحيد، إذ توجد حالة أخرى لتدخين الأطفال تصف بعمق حجم الآفة التي تنخر طفولة المغرب، ففي زقاق ضيق لحي سيدي عثمان، يجلس محسن الذي يبدو من ملامحه أنه لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره. يستند بكوعه الأيمن على حائط إحدى الدور، يحمل بين ثنايا أصابعه سيجارة ينفث دخانها، محيا هذا الطفل يلفه الحزن والألم، ملابسه رثة تبوح بالكثير من وضعه الاجتماعي الذي يعكس الفقر والحاجة التي نهبت الكثير من أحلام طفولته، وجعلته يتجرع مرارة الإدمان. ما إن أنهى سيجارته التي كانت بيده رمى عقبها أرضا وانتشل أخرى من علبته وأمسك الولاعة وأوقدها لتحترق بين يديه وتحترق معها براءة طفولته، منظر محسن هذا يتكرر في كل زاوية من أحياء مدن المغرب. السرقة في سبيل الإدمان صادفت «المساء» في رحلة كشفها لواقع الأطفال المدمنين، الطفل حسام في ربيعه 11، بوجه شاحب غابت نظارته وتراجع ألقه، وفقد فيه نزق الحياة وروعتها، بعيون غائرة وجسم هزيل ونفس مهيضة هدها الضياع والإدمان وأتعبها الجوع لتموت في أعماقه كل تلك المعاني والأماني الجميلة في الحلم بغد أفضل، تكسوه ملابس مقطعة تعكس حالة القهر والتشرد اللذين يعانيهما، كان بمقربة لمحطة النقل، مرتميا بالرصيف يضع بفمه سيجارة ملفوفة، تعبق منها رائحة الكيف، ينفث دخانها، علامة الحزن والاستياء مرسومة على وجه حسام، والدموع تكاد تنحبس في عينيه وبصوت خافت يروي ل»المساء» قصته مع التدخين» ظروف العيش وتخلي الوالدين عني سببان رئيسيان جعلاني أدمن تدخين السجائر» امتهن حسام السرقة بحرفية لكي يؤمن حاجاته اليومية من السجائر، يقول» لجأت لامتهان السرقة من أجل توفير المال لشراء السجائر، لأنه ليس لدي من يكفلني ويرعاني فأنا في الدارالبيضاء بمفردي، وقد سبق وألقي القبض علي من طرف الشرطة أثناء محاولة السرقة»، مضيفا «الغالب الله الجوع نصبر عليه لكن السجائر مانقدرش نصبر وهادشي علاش كنسرق». لقد أضحت أحلامه موقوفة عن التنفيذ بعدما اقتلعه القدر من أحضان أسرته الدافئة، ليمج به في عوالم مجهولة المعالم، لتتحول حياته إلى جحيم يكتنفها الغموض ويطبعها اليأس. ويسمها الحرمان. التدخين بصيغة المؤنث ففي السبعينيات أو الثمانينيات من القرن الماضي كان مشهد المرأة تدخن أمر جد صعب على المجتمع، إذ كانت هذه العادة حكرا فقط على الرجال، أما اليوم فالمقاهي والجامعات والإدارات العمومية، بل حتى في الثانويات والشارع العام الفتيات يدخن ولا أحد ينتبه ولا أحد يصاب بالدهشة التي كانت تنتابنا سابقا، بحيث وقع نوع من التقبل التدريجي بشكل مسلسل وبدون وقوع تشنجات في المجتمع، فما إن تقتحم إحدى المقاهي أو الأماكن العامة حتى يأسرك مشهد ملفت للنظر لفتيات مراهقات لم يتجاوزن بعد ربيعهن الثاني عشر، انزوين في ركن قصي من المقهى، صدى ضحكاتهن وقهقهاتهن كان مرتفعا بشكل فج، يدخن بكل جرأة وشراهة الواحدة تلو الأخرى، في جو يغلبه الدخان المنبعث من أفواههن يكاد يغطي مساحة المكان، أعمارهن تتراوح بين 12 سنة و16 سنة، أنيقات المظهر جذابات، تعلوهن صفات السذاجة والتلقائية إلى حد أن وجوههن لا توحي بإدمانهن على التدخين. سمية فتاة في الرابعة عشر من عمرها، تدرس بالصف الثاني إعدادي تكشف ل»المساء» قصتها مع التدخين «أول سيجارة ارتشفت دخانها كانت قبل حوالي سنة، عندما انتابتني الرغبة في تجربة هذا السر الذي يجعل المدخنين مولعين به، جربت السيجارة فاعتدت عليها ثم أدمنتها إلى حد الآن «. سمية تكشف بسذاجة الأطفال كيف أدمنت التدخين، كما لو أنها حققت بذلك إنجازا عظيما، لكنها هنا تجهل المستنقع النتن الذي رمت فيه نفسها طواعية، لكن العتب ليس عليها، فهي بالكاد طفلة لا تميز بين الصواب والخطأ بل العتب كل العتب على المجتمع والأسرة والمدرسة، يكشف تدخين سمية وغيرها من الأطفال عن فشل هذه المنظومات جميعها في تنشئة الطفل تنشئة سليمة. فسمية تؤكد أن أهلها يجهلون تدخينها للسجائر وذلك نتيجة نجاحها في إخفاء الأمر عنهم ما يعري بشكل واضح قصور بعض الأهل في مواكبة الحياة اليومية لأطفالهم، تقول سمية «إذا اكتشف أهلي أني أدخن وخصوصا في هذا السن سيصابون بصدمة كبيرة وخيبة أمل حقيقية، لكنهم ماجيبين للدنيا خبار» . «البلية والتشرميل» قصة سمية لا تختلف كثيرا عن قصة وداد البالغة من العمر 15 سنة وتدرس هي الأخرى بالسلك الإعدادي، المكان الطبيعي الذي يجدر بها أن تكون فيه هو المدرسة، لكنها تمتنع عن حضور دروسها، وتختار المقهى مكانا بديلا لتمضية الوقت والاستجمام والتنفيس عن كربها رفقة زملائها، مرتدية بذلة رياضية وحذاء ذكوريا، مظهرها يعكس بعمق الأثر الذي طبعته «الذكورية» على نفسها وسلوكها، عندما تحدثت مع وداد كانت منتشية سيجارتها بجوار صديقاتها تحتسي بين الفينة والأخرى فنجان قهوتها، وتضع رجلا على أخرى غير مبالية بمن حولها، ورغم صغر سنها وبشاشة وجهها إلا أنها تبدو في غاية الحزن والأسى على ما آلت إليه حالها، تقول «أدمنت التدخين منذ الثالثة عشر من عمري، ورغم أنني نادمة أشد الندم إلا أنني أجد فيه راحتي ومتنفسي» ما إن تنتهي من سيجارة حتى تشعل أخرى، منذ أن اعتادت وداد التدخين لم تجد بدًا للابتعاد عنه ولو لبرهة، مضيفة» مانقدرش نقطعو صافي ولى ليا فالدم، صعيب نتخلى عليه صعيب» إنها مدمنة على السجائر إلى حد الجنون. فوداد، تلقي اللوم على الواقع الاجتماعي الذي نشأت في كنفه، فيتمها من ناحية أبويها وتكفل جدتها المسنة بتربيتها، شكلا مرتعا ملائما لإدمانها التدخين، خصوصا في ظل نشأتها في حي شعبي سهل كثيرا من ولوجها عالم الإدمان، حيث تباع السجائر لكل من يدفع لقاءها سواء بالتقسيط أو بالعلبة. وغير بعيد عن الحي الشعبي الذي تقطن به وداد، صادفت «المساء» الطفلة المراهقة منى البالغة من العمر 15 سنة، انقطعت عن الدراسة قبل حوالي سنتين نظرا لعدم رغبتها في متابعة مشوارها، كانت تنفث دخان سيجارتها، وتتوجه بحديثها لمرافقتها بصوت أجش تنم نبرته عن حزن وأسى بالغين، إذ كشفت عن أسباب تدخينها قائلة « بدأت الإدمان على المخدرات في 12 من عمري، عندما وجدت نفسي منبوذة من طرف أصدقائي في المدرسة الذين كانوا يدخنون، فلكي اندمج بينهم قررت أنا أيضا أن أجرب التدخين، لكي لا أظل وحيدة بدون أصدقاء «. سمية، وداد ومنى هن فقط نماذج لمراهقات مغربيات في عمر الزهور، استسلمن لنشوة سيجارة عابرة جرفت بهن إلى مستنقع الإدمان اللامنتهي، في ظل جهلهن بخطورة ما يحاك ضدهن من طرف لوبي الاتجار في التبغ الذي لا يهمه سوى توسيع دائرة الزبناء باستهداف الأطفال والمراهقين على وجه الخصوص، بمنطق ربحي صرف، دون أدنى اكتراث بما يسببه التدخين من ماسي للآخرين. غياب التوعية والتحسيس تؤكد أمينة بعجي رئيسة الجمعية المغربية للإنصات والتحاور أن السبب الرئيسي وراء إدمان الأطفال على التدخين يرجع بالأساس إلى تربية الآباء، الّذين يدفعون في أغلب الحالات أبناءهم دفعا إلى الانحراف، إما بسبب تشديد القبضة عليهم ومراقبتهم بشكل عنيف، وإما بإهمالهم كليا وتركهم يخوضون دروب الحياة بمفردهم، وتضيف أمينة بعجي «عند انغماس بعض الآباء في مثل هذه العادات يصير سهلا على الطفل المراهق أن يعتقد بأن هذه السجائر ليست بهده الخطورة وإلا لما انغمس أهله وأقاربه فيها، وبهذا فإن الأهل يشجعون أبناءهم عن سابق إصرار وتصميم على التدخين، وتولد لديهم رغبة في فعل الشيء نفسه أو أكثر» وتدعو أمينة في هذا الإطار إلى ضرورة الصداقة مع الطفل المراهق، التي يجهل أهميتها معظم الآباء والتي من شأنها أن تساهم في توعية وتحسيس الطفل بمخاطر التدخين كي لا يجد في أصدقاء السوء عوضا عن الانتماء المفقود في البيت، خصوصا في ظل صعوبة التعامل مع المراهق كونه ليس طفلا يخضع لأهله ولا راشدا يعول عليه. فآفة تدخين السجائر تخفي ضمن طياتها ضياعا أكبر، إنها بمثابة باب جهنم، الذي يعبره الأطفال نحو المجهول بكل ما يحمله هذا المجهول من انغماس في كل تلك الآفات التي تقتل طفولة المغرب وتقتل معها مستقبل هذا البلد الذي يعول على أطفاله ليكبروا ويصيروا أفرادا فاعلين في المجتمع، ويحملوا بالتالي مشعل المستقبل، الذي باتت تتهدده مجموعة من المخاطر التي يقود إليها التدخين، باعتباره المدخل الذي يؤدي إلى معاقرة الخمر والإدمان على المخدرات والإجرام التي باتت تنذر بهول الكارثة التي تترصد ببناء النسيج المجتمعي. هذه المخاطر تتكشف جليا من خلال أرقام الإحصائيات التي تفيد أنه يوجد بالمغرب ما يناهز 80 ألف طفل مدخن.. الوسائط الإعلامية والأفلام من جهة أخرى، ترى أمينة بعجي أن الإعلام يلعب دورا محوريا في تفشي هذه الآفة في الأطفال، خاصة الإعلام المرئي، إذ تعتبر أن الصورة تؤثر أكثر من أي شيء آخر في المراهق من خلال اللوحات الإشهارية التي تقدم السجائر على أنها مسألة عادية ومقبولة للتطبيع معها، أو من خلال الأفلام التي تكثر فيها مشاهد لأبطال الفيلم يدخنون، تقول أمينة « ينعكس هذا السلوك جليا على تصرفات الطفل الذي ليست له دراية بالأمر، حيث يبدأ في محاكاة هذه الأدوار في الواقع، بتقليد ما يقوم به البطل المحبوب لديه في الفيلم». وفي ظل الانحلال من كل القيود المجتمعية والقيمية التي أطرت الأجيال السابقة، ترتب عنه حالة من الممارسات والسلوكات المثيرة للاستغراب والدهشة، إذ أصبحنا نعيش مرحلة انتقالية يحاول البعض من خلالها إعادة النظر في مجموعة من القيم السابقة بطرح قيم جديدة هجينة، تندد أمينة بهذا الخصوص بتراجع دور المؤسسات الاجتماعية التقليدية، سواء منها الأسرة أو المدرسة أو المجتمع المدني أو غيرها من المؤسسات الأخرى، كالجمعيات وغيرها من الأطر التي كانت تساهم في التنشئة الاجتماعية والقيمة والتوعية. ليدفع الثمن أطفال أبرياء أثناء تعاطيهم للتدخين، لعدم وعيهم بخطورة هذه الآفة الفتاكة التي تنخر أجسادهم الصغيرة، وتعصف بهم رياح الإدمان نحو الخراب وعالم المجهول، هنا ترجع أمينة بعجي لتشدد على أهمية استثمار التنشئة الاجتماعية والتثقيفية للأطفال في سن مبكر، عن طريق توعية الطفل وتحسيسه بالجوانب السلبية للتدخين، من خلال إبراز التبعات الصحية والعواقب الوخيمة لهذه الظاهرة، أو من خلال جعله يزور أحد المستشفيات ليكتشف عن قرب ما فعله الإدمان على التدخين بصحتهم، ما قد يجعل الأطفال ينفرون من التدخين. البغدادي: تدخين الأطفال يقود إلى التفكك الأسري والفشل الدراسي والأمراض النفسية والجسدية والانحراف الجهود التي تبذلها الجمعية من أجل التصدي لآفة إدمان الأطفال على التدخين ؟ إن مجهوداتنا تنصب بالأساس على تنزيل الاستراتيجية العامة التي سطرتها الجمعية لعملها في شقها الوقائي، بحيث نعمل من خلال حملات توعوية وتحسيسية مكثفة داخل الفضاءات التعليمية على وجه الخصوص، من أجل لفت انتباه الصغار إلى حجم العواقب التي يمكن أن يتعرض إليها الطفل جراء وقوعه في شراك الإدمان، وتشتمل أنشطتنا على برامج ومواد من شأنها أن تجنب الطفل استنشاق السيجارة الأولى، التي غالبا ما تكون بمثابة خطوة بدون رجعة وهذه البرامج والمواد هي من قبيل تقديم الشواهد الحية للضحايا ومعارض للصور ومعلومات وافية عن الأخطار التي يسببها الإدمان بكل أبعادها، يلقيها أخصائيون في مجالات متعددة من أطر الجمعية، ونركز بالأساس على فضح الأساليب التي يستخدمها مروجي المخدرات والحيل الماكرة والخدع المستعملة، كي لا تنطلي على من لا زالوا في بر الأمان. – ماهي الأسباب التي تدفع بالأطفال المراهقين إلى الإدمان؟ هناك أسباب عديدة ومتداخلة تجعل الأطفال يسقطون تباعا وبالجملة في مستنقع الإدمان على استهلاك المخدرات، فبغض النظر عن الخاصية الوراثية التي قد تساهم في وجود شخصية هشة وإيحائية يمكن أن تتأثر وتنصاع بسهولة إلى كل دعوة للانحراف، تبقى المؤسسات الثلاث المتمثلة في الأسرة والمدرسة والمجتمع الرافد الأساسي والموجه الحاسم لكل ميل أو جنوح من الطفل نحو قبوله بالانخراط في نادي المدمنين على المخدرات، فالأسرة مسؤولة لتقصيرها بالمرافقة والمراقبة الناجعة بحسب حاجيات الطفل وتحديات المحيط، تلك الحاجيات التي غالبا ما نجدها محصورة في توفير المأكل والمشرب واللباس، بعيدا عن أي اعتبار للبعد التكويني الذهني والفكري حتى بالنسبة للأسر التي تملك القدرة على فعل ذلك، والمدرسة مسؤولة لأنها لا تواكب ببرامجها تطلعات التلميذ واختارت أن يكون الطريق نحو النجاح سالكا وبدون أي معاناة، مما جعل آفات دخيلة على ثقافتنا من قبيل الغش مثلا مستشرية وفوت الفرصة عليها لتلعب دورها كاملا في تنوير العقول وإشاعة القيم والأخلاق وسط الناشئة، كما أن المجتمع يبقى بدوره مسؤولا عن انتشار الظاهرة، بحكم سماحه بالتطبيع معها دون إبداء أي امتعاض اتجاهها أو اعتراض عليها بالنسبة لعموم الجمهور وبالنسبة لمؤسسات الحكومية ذات الصلة، فسلوكها حيال الظاهرة يتسم بالتراخي في تطبيق القوانين الخاصة بمنع التدخين وأجرأتها وعدم إظهار الإرادة السياسية الكافية لأخذ الأمر على محمل الجد، بحيث يمكن ملاحظة ذلك عبر الترخيص لمزيد من الشركات التبغية للعمل على تراب الوطن. – ما هي التطورات التي ترصدها الجمعية بخصوص استفحال هذه الظاهرة في صفوف الأطفال؟ إن واقع الحال فيما يخص الظاهرة لا يمكن إلا أن يبعث على الانزعاج الشديد، فعدد الملتحقين بنادي الإدمان يعرف وتيرة تصاعدية جد مقلقة وشكاوى الآباء وآهات الأمهات جراء السقوط المبكر لأبنائهم في فخ الإدمان يتعالى صوتها من كل مناطق المغرب، يصم الأذان تقابله لامبالاة من جانب القائمين على الشأن العام، فهاهو المغرب على لائحة الدول القليلة التي لم تصادق بعد على الاتفاقية الدولية لمحاربة الإدمان، وهاهي أبواب وفضاءات مدارسنا تشكل حلبة مفتوحة أمام بائعي ومروجي المخدرات، لاقتناص الزبناء من المدارس واختطافهم والزج بهم في غياهب الإدمان. كل هذه المدخلات لا تبشر بخير ولن تحيلنا إلا إلى الرفع من الفاتورة التي سيدفعها الأطفال من جودة حياتهم ومن طمأنينتهم، ستتمظهر جليا في مزيد من التفكك الأسري والفشل الدراسي والأمراض النفسية والجسدية والانحراف والانحلال الخلقي وزيادة معدل الجريمة ضد الأصول، خاصة إذا ما نظرنا إلى منسوب الإرادة السياسية والمكانة المخصصة في سلم الأولويات التي تحظي بها معضلة مكافحة الإدمان لدى المسؤولين عن صحة المواطن في بعدها العلاجي والقانوني والوقائي. – أنتم كجمعية ما هي أهدافكم التحسيسية للحد من إدمان المراهقين على التدخين ؟ أهداف الجمعية تنقسم إلى أهداف على المدى المنظور وأخرى على المدى البعيد، فالأولى تتمثل في بعث وإشاعة وعي حقيقي لدى المستهدفين بخطورة الإقدام على الخطوة الأولى وأخذ أول جرعة، عبر كشف الستار عن حجم الأخطار والمساحة التي تشملها ارتدادات سلوك الإدمان على المدى القريب والمتوسط والبعيد، لثنيهم عن أي استجابة لدعوة تذوق المواد المخدرة، وأما الأهداف الاستراتيجية فهي تتجسد في الوصول إلى القطع مع سلوك اللامبالاة والتطبيع مع الإدمان، سواء من جانب الضحايا أو غير المدمنين أو لدى المسؤولين، وجعل سلوك الإدمان سلوكا منبوذا اجتماعيا وأمر التصدي له مسألة مستعجلة ومسؤولية جماعية وفردية يجب أن تستدعي ضمائرنا وتستنفر وعينا الجمعي. – ما هو تقييمكم للمجهودات التي تبذلها الحكومة في هذا النسق، هل لا ترقى إلى تطلعاتكم كمجتمع مدني يهدف إلى الحد من آفة إدمان الأطفال على التدخين ؟ إن المجهودات المبذولة من طرف الحكومة حتى الآن لا ترقى بأي حال من الأحوال لا إلى حجم الكارثة كما أقرتها الجهات الحكومية نفسها، ولا إلى تطلعاتنا كمجتمع مدني والمؤشرات الشاهدة على ذلك عديدة وظاهرة للعيان، وما القبول بفتح الباب أمام شركة جديدة إلا عربونا على سطوة لوبي السيجارة والمواد المخدرة، بما يؤكد أن كلمته تبقى هي العليا وأن الوقوف أمامه يبقى حديثا سابقا لأوانه، مما دفعنا داخل الجمعية إلى اعتماد المقاربة الوقائية في المقام الأول، لأن المقاربات الأخرى المسطرة في استراتيجيتنا لن يكتب لها النجاح، في ظل هذا المناخ المتسامح جدا مع أباطرة تجارة التبغ وخاصة المقاربة القانونية والعلاجية والتشاركي