دخلت المفتشية العامة لوزارة المالية على خط الأبحاث الجارية بعد تسريب مكالمات هاتفية منسوبة لاسم بارز في قطاع التعليم، تتضمن فضائح مدوية حول طريقة تدبير الملايير، التي رصدت لصفقات البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم. وتزامنت هذه الخطوة مع شروع الشبكة المغربية لحماية العام في الإجراءات القانونية لتقديم شكاية مباشرة للوكيل العام للملك بالرباط، للمطالبة بفتح تحقيق في مضمون هذه المكالمات والاستماع إلى جميع المتورطين في الفضائح التي كشفت عنها. وأفاد مصدر مطلع بأن مفتشية وزارة المالية ستباشر بدورها بحثا لتحديد أوجه صرف مبالغ ضخمة في صفقات شراء المعدات برسم البرنامج الاستعجالي،علما بأن جزءا مهما من هذه المعدات تحول إلى متلاشيات لعدم قابليته للاستغلال، أو أنه لم يصل أصلا إلى المؤسسات التعليمية رغم وجوده على الوثائق التي اعتمدت في إجراء افتحاص سابق. وقال المصدر ذاته إن هذا الافتحاص تم بطريقة روتينية بعد أن اقتصر على الملفات والمساطر التي حرص بعض المتورطين في الصفقات المشبوهة على إعدادها بعناية، دون أن تكلف لجن المراقبة عناء معاينة المستودعات وفضاءات المؤسسات التعليمة، التي تحولت فيها بعض المختبرات المتحركة التي كلفت 24 مليون سنتيم لكل مختبر، إلى وعاء حديدي لتخزين الملابس والأحذية. ويأتي تحرك مفتشية وزارة المالية بالتزامن مع مساعي تبذل في الخفاء من أجل طي هذه الفضيحة المدوية، التي تهدد، حسب المصدر ذاته، بجر مسؤولين من عيار ثقيل مشرفين على قطاع التعليم، ممن استفادوا من كعكة المال العمومي، وهو ما اتضح من خلال المسارعة إلى اعتقال مسيرة سابقة بإحدى الشركات التي نالت نصيبا واسعا من صفقات البرنامج الاستعجالي، بتهمة الوقوف راء هذه التسريبات التي لازالت مستمرة إلى حدود الآن، رغم إيداعها بالسجن بعد أن بلغت الحلقة 19 من أصل 50 حلقة. وبدا لافتا أن مديرة سابقة لإحدى الأكاديميات وعضو بالمجلس الأعلى للتعليم، تعتبر معنية بشكل مباشر بالمكالمات الهاتفية، لكنها التزمت الصمت منذ تفجر هذه الفضيحة دون أن تكلف نفسها عناء نفي مضمونها، أو تكذيب صحة المعلومات الواردة فيها، والتي تشير بوضوح إلى وجود تلاعبات بالجملة وخروقات خطيرة في تدبير صفقات مرتبطة بالمنظومة التعليمية. وقال محمد المسكاوي، رئيس الشبكة، إن الشكاية ستطالب بأن يتخذ التحقيق في هذه الفضيحة المدوية مجراه، من خلال استدعاء جميع الأطراف التي اعترفت على نفسها من خلال المكالمات بالتلاعب في المال العام، وبيع معدات الخردة، والتواطؤ لتلقي عمولات ورشاوى، وجني ثروات من المال العام مقابل صفقات مشبوهة تدخل في إطار البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم. ونبه المسكاوي إلى أن اقتصار التحقيق، الذي بوشر من طرف وكيل الملك بالدار البيضاء، على تحديد هوية المسؤولين عن تسريب المكالمات الهاتفية، دون البحث في مضمونها، الذي يكشف عن جرائم خطيرة، يعد تناقضا صارخا يكشف حقيقة التعاطي مع ملفات الفساد بالمغرب. وحمل المتحدث ذاته وزارة التربية الوطنية المسؤولية القانونية والسياسية عن فضائح نهب المال العام، التي بلغت مستوى غير مسبوق، وقال: «نحن نرفض المقاربة الانتقائية في التعاطي مع التسريبات بالتركيز على هوية المرسل مع التغاضي عن المضمون الخطير للمحادثات الهاتفية». وأصدرت الشبكة بلاغا أكدت فيه أنها «تتابع بقلق بالغ فضيحة التسريبات الهاتفية التي تفضح بجلاء حجم الفساد المالي، الذي رافق تنزيل أكبر مخطط حكومي لإصلاح أعطاب قطاع التربية والتعليم في السنوات الأخيرة»، وقالت إن «خطورة مضامين التسجيلات الهاتفية وما تنطوي عليه من مخالفات تشكل في مجملها جريمة كاملة الأركان». وأضاف البيان أن الشبكة تعبر عن صدمتها من حجم الفساد المستشري في المنظومة التربوية، والذي تسبب في هدر اعتمادات مالية غير مسبوقة، تصل إلى 52 مليار سنتيم، مع ما استتبع ذلك من تداعيات هذا الهدر على مستقبل البلاد ارتباطا مع ورش إصلاح القطاع المتعثر منذ عقود. وطالبت الشبكة الحكومة بالتعامل مع قضية التسريبات، باعتبارها مدخلا لرصد أي اختلالات مالية طالت ميزانية المخطط الاستعجالي، مع فتح تحقيق قضائي في قضية التسجيلات الهاتفية، يشمل كل الأسماء التي ورد ذكرها، وشددت على ضرورة تحمل البرلمان بغرفتيه مسؤوليته في المساءلة والرقابة على أعمال الحكومة. كما دعت الشبكة إلى استبعاد الأجهزة الرقابية للوزارة من عمليات الافتحاص التي أعلنت عنها مؤخرا، ومساءلة كل المتورطين بوزارة التربية الوطنية قضائيا حول التورط أو التغاضي عن تبديد المال العام، كل حسب موقعه.