المعارضة: السيادة الصناعية "شعارات"    مشروع قانون المالية 2025.. لقجع يتحدث عن إعفاء الأجور التي تقل عن 6000 درهم من الضريبة    وجبات "السيبيا" ترسل أزيد من عشرة أفراد للمستعجلات في اشتوكة    القضاء يدين المالكي ب4 أشهر حبسا نافذا.. والبراءة من "كراهية الأمازيغ"    الصحافة الإسبانية تشيد بإبراهيم دياز بعد تسجيله هاتريك مع أسود الأطلس        المؤامرة الجزائرية الجديدة.. زعزعة استقرار موريتانيا ومالي لتحقيق الوصول إلى الأطلسي    رئيس الحكومة: الشروع في الإطلاق التدريجي للمنطقة الصناعية محمد السادس "طنجة تيك"    بشكل مفجع.. وفاة طالب بين مدينتي العرائش والقصر الكبير تحت عجلات حافلة للنقل العمومي    حملات تحسيسية بالشمال بمخاطر تلويث الموارد المائية بمخلفات الزيتون.. وغرامات تنتظر المخالفين تصل ل50 مليونا    أكادير تحتضن تخطيط "الأسد الإفريقي"    "برلمان الطفل" يحتفي بربع قرن من الالتزام المدني وتربية القادة الشباب    قيمة رساميل الاستغلال للمشاريع الصناعية المُصادق عليها بلغت 140 مليار درهم مابين ماي 2023 ونونبر 2024 (أخنوش)    بعد 20 عاماً من الغياب.. لمريني يشرف على أول حصة تدريبية على رأس الإدارة الفنية لهلال الناظور    المدور: المغرب من الدول السباقة في مقاربة محاربة الفساد وحقوق الإنسان        بورصة البيضاء تنهي التداولات ب"الأخضر"    وضع الناشط المناهض للتطبيع إسماعيل الغزاوي رهن تدابير الحراسة النظرية    أونشارتد: أحدث العروض التوضيحية المفقودة تراث عرض الكنز الصيد ديو في المزامنة    ليدي غاغا سحبت قبالة واحدة من أفضل عروض الوقت الحقيقي من أي وقت مضى    "اليونسكو" تدرس إدراج الحناء في قائمة التراث الثقافي غير المادي    انخفاض أسعار اللحوم الحمراء في المغرب بعد بدء عملية الاستيراد    درك أزمور يحبط محاولة للهجرة السرية    لافروف يحذر الغرب من النووي الروسي    مقتل جندي إسرائيلي في معارك لبنان    الأمطار تعود إلى الريف وسط انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة    جدول أعمال مجلس الحكومة المقبل    حكيمي يبتغي اعتلاء العرش الإفريقي    وزارة الصحة الروسية تطلق اختبارات سريرية لعلاج جديد لسرطان الدم    الذهب يلمع عند أعلى مستوى في أسبوع مع تراجع الدولار    الإعلام الإسباني يتغنى بتألق ابراهيم دياز رفقة المنتخب المغربي    مساء هذا الثلاثاء في برنامج "مدارات" : لمحات من السيرة الأدبية للكاتب والشاعر محمد الأشعري    محاولة اغتيال وزير العدل الكندي السابق الداعم لإسرائيل    من حزب إداري إلى حزب متغول    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال 24 ساعة الماضية    ولي العهد السعودي يهنئ الملك بمناسبة عيد الاستقلال    شبكة تسلط الضوء على ارتفاع أسعار الأدوية في المغرب    أسعار صرف أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    حاتم عمور يصدر كليب «بسيكولوغ»        أربع جهات مغربية تفوز بجائزة "سانوفي" للبحث الطبي 2024    تسجيلات متداولة تضع اليوتيوبر "ولد الشينوية" في ورطة    في تأبين السينوغرافيا    الشاعرة الروائية الكندية آن مايكلز تظفر بجائزة "جيلر"    ما هي الطريقة الصحيحة لاستعمال "بخاخ الأنف" بنجاعة؟    فريق بحث علمي يربط "اضطراب التوحد" بتلوث الهواء    صحتك ناقشوها.. إضطراب النوم / الميلاتونين (فيديو)    إندرايف تغير مشهد النقل الذكي في المغرب: 30% من سائقيها كانوا يعملون بسيارات الأجرة    مجموعة ال20 تعلن وقوفها خلف قرار وقف إطلاق النار في غزة    ارتفاع حصيلة ضحايا فيضانات فالنسيا بإسبانيا إلى 227 قتيلاً ومفقودين في عداد الغائبين    عرض الفليم المغربي "راضية" لمخرجته خولة بنعمر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي    العسكريات يسيطرن على التشكيلة المثالية لدوري أبطال إفريقيا    نشرة إنذارية: زخات رعدية ورياح عاصفية في عدد من أقاليم المملكة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لغة التدريس.. معارك إثبات الوجود بين «حماة» العربية و«سفراء» الفرنسية
اختلفت حولها مكونات المجلس الأعلى للتعليم وأطلق من أجلها مثقفون وسياسيون نداء حماية
نشر في المساء يوم 17 - 05 - 2015

قبل أن يصدر المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي تقريره الذي أضحى بمثابة ميثاق وطني جديد، يفترض أن يشكل خارطة طريق المدرسة المغربية في أفق سنة 2030، كان عدد من العلماء والمثقفين ورجال سياسة قد وقعوا ما سموه نداء من أجل اللغة العربية، الذي رأوا من خلاله أن حضور اللغة العربية في المغرب بوصفها مكونا من مكونات الهوية الوطنية ورمزا للوحدة الحضارية للشعب المغربي وحاضنة لفكره وثقافته وإبداعه، هو حضور ملازم لمفاهيم الانتماء والسيادة. وأي اعتداء على مكانتها الرمزية والمادية، هو اعتداء على السيادة الوطنية، يوازي في الجرم الاعتداء على الثوابت السياسية والعقائدية للمغاربة.
وبدا أن إشكالية اللغة، التي ظلت سببا مباشرا في التعثر الذي عرفته أشغال مجلس عمر عزيمان، هي التي حركت هذه الفئة التي ضمت صوتها لمؤسسة الإئتلاف الوطني لحماية اللغة العربية، الذي ظل يطالب بإعطاء اللغة العربية ما تستحقه.
في نداء المثقفين والعلماء، تذكير بأن العربية عانت لعقود من عراقيل وعقبات أثرت على موقعها الوظيفي ودورها، سواء من حيث المقررات أو المناهج أو الموارد المالية والبشرية، وتقنيات التدريس. ليخلص النداء إلى أن ربط فشل المنظومة التعليمية إلى لغة الضاد، هو مغالطة إيديولوجية وليست نقاشا علميا.
أما الضرورة فتفرض إصدار قانون حماية اللغة العربية، وتنمية استعمالها، وإخراج أكاديمية محمد السادس للغة العربية إلى الوجود، وتمكينها من الشروط المادية والمعنوية، ووضع آليات مؤسسية وقانونية لمراقبة التزامات الدولة بحماية اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية على الصعيدين المحلي والوطني.
حينما عين رشيد بلمختار وزيرا للتربية الوطنية والتكوين المهني خلفا لمحمد الوفا في النسخة الثانية لحكومة عبد الإله بنكيران، قال إن مشروع الإصلاح التربوي سيكون جاهزا في ربيع سنة 2015.
ووعد عمر عزيمان، حينما عين رئيسا للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، أن التقرير التركيبي لهذا المشروع سيكون جاهزا في مارس من سنة 2015 على أبعد تقدير. غير أن هذه المواعيد لم تحترم لأن إشكالية اللغة تعثرت، ولم يقو المجلس على الحسم فيها إلا في اللحظات الأخيرة.
لقد ربط الكثيرون هذا التعثر بإشكالية اللغة التي فرقت أعضاء المجلس، خصوصا بعد أن تم التوافق في بداية الأشغال حول إمكانية تجريب اللغة الإنجليزية، وجعلها لغة ثانية بالنظر لأنها أضحت لغة العلم والتكنولوجيا، قبل أن تتحرك السياسة والخلفيات الثقافية لتدافع عن اللغة الفرنسية وعن مكانتها في منظومتنا التعليمية. أما حكاية الدارجة وإمكانية جعلها لغة للتدريس في الصفوف الإبتدائية، فقد كادت تفرق أعضاء المجلس الأعلى بعد أن نزل صاحب الفكرة نور الدين عيوش بثقله الفرانكوفوني، قبل أن يتحدث التقرير النهائي عن إمكانية توظيف الدارجة في عملية الشرح لتلامذة الصفوف الإبتدائية.
لقد سبق أن فشل مشروع اللغة، ضمن المشاريع التي جاء بها المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم، ولم يحقق غير نسبة نجاح لم تتجاوز الخمسة في المائة، خصوصا أنه من المشاريع التي ظلت جامدة لا تتحرك بالنظر لحساسيته.
كما اختار المجلس الأعلى للتعليم، في نسخته السابقة، القفز على هذا الملف لنفس الحساسية. وحينما طرح السؤال كيف يمكن للتلميذ المغربي أن يتابع دراسته الجامعية في المواد العلمية بلغة غير اللغة العربية التي تابع بها دراسته في التعليم الإعدادي والثانوي، لم يجد غير صيغة توفيقية سماها بالمسالك الاختيارية التي تعطي للتلميذ إمكانية اختيار اللغة التي يود متابعة التدريس بها في الجامعة بين الفرنسية والإنجليزية. غير أن هذا الطرح توقف في منتصف الطريق خوفا من نفس الحساسية التي لا تزال تأسر هذه القضية.
من النقط السوداء التي سجلت على أشغال مجلس الراحل مزيان بلفقيه هو أنه عجز عن الحسم في ملف اللغة، بعد أن قال أعضاؤه إن الإشكال سياسي أكثر منه فكري أو فلسفي. والحصيلة هي أن نفس العجز كاد ينتقل إلى مجلس عمر عزيمان، قبل أن يقع التوافق حول جملة من الإجراءات أساسها جعل العربية هي لغة التدريس، والحفاظ على الفرنسية لغة ثانية حيث سينطلق تدريسها من السنة الثانية. أما الإنجليزية فلن ينطلق تدريسها إلا ابتداء من السنة الرابعة من التعليم الإبتدائي.
في هذا الخاص نعرض لإشكالية لغة التدريس وتدريس اللغة في كل المناهج التربوية التي سبق أن جربتها المدرسة المغربية. ونتوقف عند محطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وكيف تعامل مع هذه القضية. ونعرض للمعركة التي اندلعت بين اللغة الفرنسية واللغة الانجليزية وكيف مالت كفة لغة موليير على لغة شيكسبير، بعد أن تحركت خيوط السياسة.
أما الدعوة إلى إعمال الدارجة في الصفوف الابتدائية من قبل نور الدين عيوش، صاحب مؤسسة زاكورة، فقد كادت تدخلنا نفقا يصعب أن تخرج منه المدرسة المغربية بدون خسارة.

لغة التدريس تتسبب في تأخير صدور الإصلاح التربوي
النقاش احتد حولها داخل مجلس عزيمان
عاش المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي على عهد عمر عزيمان، نفس أجواء الخلاف التي سبق أن عاشها هذا المجلس في نسخته السابقة على عهد الراحل مزيان بلفقيه.
ولم يكن سبب هذا الخلاف، غير إشكالية اللغة التي فرضت الاحتكام إلى التصويت بداخل إحدى لجان المجلس.
ففي أول وآخر تقرير كان قد أصدره المجلس الأعلى للتعليم في نسخته السابقة، عجز عن التعاطي مع ملف اللغة، ولم يتمكن من الحسم فيه. ولم يكن مبرر هذه المؤسسة، غير أن قضية اللغة ليست في حاجة لاختيار فكري أو فلسفي، بقدر حاجتها لقرار سياسي من أعلى سلطة في البلاد.
لقد عاد نفس السؤال ليطرح من جديد لماذا لم تنجح المدرسة المغربية في الحسم مع ملف اللغة، بعد كل هذه السنوات على إطلاق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وما تلاه من مخطط استعجالي كلف الملايير؟ وكيف عجزت وزارات التربية والتعليم على التعامل معه بالحزم والصرامة اللازمين، خصوصا بعد أن تم تجريب تعريب تدريس المواد العلمية في الأقسام الإبتدائية والإعدادية والثانوية، دون أن يصل التعريب إلى التعليم العالي، الذي ظل تلامذته يشتكون من هذا التباين. والحصيلة هي أن نتائج الجامعة المغربية تدهورت بشكل مخيف خصوصا في المجالات العلمية بسبب هذا الاختيار.
هل حدث ذلك فقط لأن وزارة التربية الوطنية لم تكن تتوفر وقتها على رؤية شاملة للموضوع. أم أنها اعتبرت الأمر واحدا من مهام المجلس الأعلى للتعليم، الذي لم ينجز بشأن ملف اللغة، على عهد رئيسه السابق، غير عقد مائدة مستديرة نشرت خلاصاتها تحت عنوان «اللغات في المدرسة المغربية»، دون أن يصدر بشأنه ما الذي يجب أن تقوم به المدرسة المغربية. وهو نفس الفراغ الذي تعيشه المدرسة اليوم.
حينما انطلق مجلس عزيمان، بعد أن استكمل أجهزته، في التداول في قضايا التربية والتكوين وأطلق سلسلة مشاوراته التي همت الفاعلين التربويين والشركاء الاجتماعيين والأحزاب السياسية ووزراء القطاع الذين تعاقبوا على تدبيره، اعتقد الكثيرون أن هذا المجلس سيستفيد من أخطاء سابقه خصوصا على مستوى الحسم في بعض القضايا الكبرى التي تشغل بال المدرسة المغربية، ومنها قضية تدريس اللغة ولغة التدريس.
لقد تحدث الكثيرون في مستهل أشغال المجلس الأعلى للتكوين والبحث العلمي، بمن في ذلك وزراء في حكومة عبد الإله بنكيران، عن قيمة اللغة الإنجليزية، وإمكانية جعلها لغة التعليم الثانية على اعتبار أنها لغة العصر والتكنولوجيا. إلا أن دعاة المحافظة على اللغة الفرنسية تحركوا بقوة. وسعوا لكسب المعركة قبل صدور التقرير التركيبي للمجلس. وبدأ الحديث عن ضرورة حماية هذه اللغة، نظرا لجملة من العوامل فيها الاقتصادي والسياسي. وهو التحرك الذي سماه البعض الانقلاب داخل المجلس الأعلى للتعليم حينما دعا رئيسه عمر عزيمان لتشكيل لجنة خاصة للنظر في إشكالية الفرنسية أو الإنجليزية كلغة ثانية، بعد أن كان هذا الملف قد أخذ من أعضاء المجلس وقتا وجهدا كبيرين.
لقد كانت اللجنة الدائمة للمناهج والبرامج والتكوينات والوسائط التعليمية بداخل المجلس قد أوصت بإعمال الإنجليزية بدلا من الفرنسية لغة ثانية. وقدمت بشأن ذلك عرضا أمام الجمعية العامة للمجلس. وهو العرض الذي أكد على أننا نعيش في عالم متحول ومتطور يستعمل أكثر اللغة الإنجليزية بالأساس، باعتبار أنها لغة علم وتنمية وتطور، بدلا من الفرنسية التي أضحت، حسب خصومها في المجلس، عبئا على الثقافة المغربية، وتضييقا لمجال الانفتاح على شعوب العالم.
ودخل رئيس الحكومة وقتها على الخط حينما قال بأن القناعة التي تكونت لديه، هي أن اللغة الإنجليزية أضحت لغة العصر، ولغة العلم والبحث العلمي، ولغة التكنولوجيا، ولغة التجارة. ونحن في الدول العربية نحتاج إلى اللغة الإنجليزية.
رسالة رئيس الحكومة حركت مناصري الفرنسية ليذكروا بأن للأمر أبعادا سياسية أكبر مرتبطة بعلاقة المصالحة المغربية الفرنسية الأخيرة. وهي الأبعاد التي أرخت بظلالها على نقاشات المجلس، مما جعل الرئيس عزيمان يدعو إلى إعادة النظر فيها. كما أن الإبقاء على الفرنسية لغة أولى في المناهج التعليمية، يعود إلى كونها تحتل، حسب المدافعين عنها، مكانة متقدمة في المنظومة التعليمية المغربية. وهي نفسها اللغة المعتمدة ضمن أكثر من بلد إفريقي، وبعموم الدول الفرانكفونية التي اختار المغرب الانفتاح عليها بشكل أكبر ضمن مساعيه الإستراتيجية سياسيا واقتصاديا. لذلك كان نور الدين عيوش، قد اعتبر في رده على بنكيران، بأن «اللغة الفرنسية ليست لغة المستعمر فقط، بل هي غنيمة حرب».
غير أن أكبر الإشكالات التي ظلت تقف أمام منح اللغة الانجليزية السبق بدلا من الفرنسية كلغة ثانية، هو المتعلق بالموارد البشرية المؤهلة، وهو الذي يكون قد فرض عليها التراجع إلى الوراء في مشروع الإصلاح المنتظر، في الوقت الذي كانت تحتل فيه أهمية كبرى بعد أن طالب رجال سياسة بجعلها لغة ثانية بالنظر إلى أنها لغة العلم والتكنولوجيا. ولذلك انتهى المجلس الأعلى إلى منحها مرتبة متقدمة مقارنة مع ما كان عليه الوضع من قبل، دون أن يفرط في الفرنسية التي حافظت على مكانتها كلغة ثانية في منظومتنا التربوية.

الحسن الثاني يختارالتعريب تقربا من دول المشرق
الاختيار كان لحظيا ولم يكن مدروسا وكانت نتائجه كارثية على التعليم
حينما كانت أشغال المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي تفتح سيرة اللغة في المدرسة المغربية، كان لا بد أن تتوقف عند محطة التعريب الذي كان قد اتخذ قرار إعماله في منتصف التسعينيات، مع كل ما رافق تلك الخطوة من تجاذبات ومواجهات أخذ بعضها صبغة السياسة. أما نتائجها فلا أحد يمكن أن ينكر أنها لم تعط للمدرسة المغربية تلك الانطلاقة التي انتظرها الجميع، خصوصا حينما نجح أساتذة التعليم العالي في منع قطاع التعريب لكي لا يصل محطة الجامعة.
والحصيلة، التي كانت بحق مفارقة غريبة عجيبة، هي أن التلميذ الذي ظل يتابع دروسه في الرياضيات أو العلوم الفيزيائية أو العلوم الطبيعية باللغة العربية في الصفوف الإعدادية والثانوية، كان مضطرا لتلقيها باللغة الفرنسية حينما يلج التعليم العالي. ولذلك كانت النتائج التي حققتها الشعب العلمية في جامعاتنا، متواضعة بشكل كبير.
حينما نسترجع اليوم حكاية المدرسة المغربية مع التعريب، لا بد أن نصحح معلومة سرت بين كل المشتغلين في القطاع تقول إن هذا الاختيار في مناهج التعليم كان بتوجيه من حزب الاستقلال باعتباره حزبا تقليديا أراد سياسيوه أن تحافظ اللغة العربية على حضورها في التربية والتعليم.
وكاد هذا الرأي يستمد مشروعيته حينما نكتشف كيف أن حقيبة التربية والتعليم ظلت، خصوصا في منتصف السبعينيات، بيد وزراء من حزب الاستقلال لعل أشهرهم لم يكن غير عز الدين العراقي، الذي سيصبح بعد ذلك وزيرا أول حينما اختار ألا يستقيل من الحكومة، لكنه استقال من حزب علال الفاسي.
غير أن الحقيقة التاريخية تؤكد أن اختيار التعريب كسبيل لتدريس المواد العلمية كان اختيارا ملكيا من قبل الراحل الحسن الثاني.
ويشرح المفكر عبد الله العروي في مؤلفه «المغرب والحسن الثاني»، هذا الأمر بالكثير من التدقيق حينما يؤكد على أن نظرة الملك الراحل هي التي دفعته لهذا الاختيار.
نحن في منتصف السبعينيات حيث كانت أثمنة الطاقة قد عرفت ارتفاعا مهولا. وكان على المغرب أن يبحث عن صيغة لكسب ود وعطف أثرياء البترول في المشرق العربي. لذلك أعلن عن تعريب المدرسة المغربية بدلا من أن تظل تحت «هيمنة» الغرب بلغته وثقافته، فيما يشبه التودد. ومن يومها كان على المدرسة المغربية أن تختار لغة أراد لها ملك البلاد، عن حسن اختيار أو خطأ في التقدير، أن تلعب وظيفة ما. والوظيفة هي أن نقول لإخوتنا في الشرق العربي إننا معكم. وهو اختيار رفضته جل الأحزاب السياسية وقتها.
لقد ظلت للغة، أي لغة، دوما ارتباطات بعضها سياسي والبعض الآخر اقتصادي. لذلك كان ولا يزال علينا أن نضع هذه الاعتبارات في الحسبان ونحن نختار اللغة المناسبة، في الظرف الزمني المناسب. أي أن عملية الاختيار يجب أن تنطلق أساسا من مبدإ أولي وهو تحديد الوظيفة التي يمكن أن تقوم بها هذه اللغة. وتحديد الكلفة المالية التي وجب توفيرها للنجاح في التجربة. ومن ذلك كان على المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي وهو غارق في إشكالية اللغة، أن يضع في اعتباره ما الذي يمكن أن تلعبه هذه الأداة لخمس أو عشر سنوات المقبلة. أما التركيز على اللحظة في عملية الاختيار، فلن يعط غير نتائج ظرفية.
لقد ظل الحسن الثاني يدرك أن مجال التربية والتعليم حساس لارتباطه بتكوين الأجيال. أما اختيال لغة التدريس فتتحكم فيها خلفيات بعضها ثقافي والبعض الآخر اقتصادي، والكثير منها تفوح منه رائحة السياسة. لذلك كان من أشد المعارضين أن تؤول حقيبة التربية والتعليم لأستاذه وخصمه السياسي المهدي بن بركة، الذي كان متحمسا لها في حكومة عبد الله ابراهيم، حينما تودد لأبيه الملك محمد الخامس ألا يضع هذه الحقيبة في يد خصم سياسي يعرف ذكاءه.

الميثاق الوطني للتربية والتكوين يعزز مكانة اللغة في التعليم
جاء ذلك في المبادئ الأساسية التي بني عليها
ظلت قضية اللغة واحدا من أعقد الملفات التي تقف في وجه المدرسة المغربية، بعد أن عجز كل المسؤولين الذين تعاقبوا على تدبير شأن التربية والتعليم، عن الحسم فيها. لذلك كان لا بد أن تشكل واحدا من الملفات التي وجب أن يخرج منها مجلس عزيمان بأقل الخسائر تحقيقا للهدف الأكبر وهو مصلحة المدرسة المغربية.
لقد سبق للسيد رشيد بلمختار، أن عبر في أكثر من مناسبة عن دهشته من كون تلاميذ السنة الرابعة من التعليم الابتدائي مثلا، لا يحسنون القراءة ولا الكتابة باللغة العربية. كما كان المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم قد نبه هو الآخر لنفس الأمر حينما قال في عملية التشخيص التي قام بها، إن المدرسة المغربية لا تزال عاجزة عن أداء مهمتها الأصلية المتمثلة في القراءة والكتابة والحساب، خصوصا لتلاميذ الصفوف الابتدائية. لذلك كان المخطط الاستعجالي قد وضع ضمن مشاريعه شقا اهتم باللغة وتدريسها، وتحديدا اللغة العربية ومصيرها في المدرسة المغربية.
ولم يغفل الميثاق الوطني للتربية والتكوين، هذا الأمر، وقدم ما يكفي من إجراءات لكي تأخذ اللغة حقها من الاهتمام.
لقد أعطى الميثاق الوطني للتربية والتكوين للغة العربية مكانة أكبر مقارنة مع بقية اللغات.
ففي مبادئه الأساسية، يتحدث المرتكز الثاني على أن «النظام التربوي للمملكة المغربية يلتحم بكيانها العريق القائم على الثوابت ومقدسات يجليها الإيمان بالله وحب الوطن والتمسك بالملكية الدستورية. عليها يربى المواطنون مشبعين بالرغبة في المشاركة الإيجابية في الشأن العام والخاص وهم أعوان واعون أتم الوعي بواجباتهم وحقوقهم، متمكنون من التواصل باللغة العربية، لغة البلاد الرسمية تعبيرا وكتابة.» وخلاصة هذا المرتكز هي أن النظام التربوي للمملكة المغربية ليس مقطوع الجذور والأواصر مع ماضي المملكة، ومقدساتها على الرغم من حداثة صدوره. ونكتشف كيف أن اللغة العربية توجد في مقدمة الأولويات في هذا النظام التعليمي، الذي يروم الإصلاح. ولذلك جعلها من غاياته الأساسية، حين نص بوضوح على أن التواصل بها شيء يربى عليه المواطنون. بمعنى أن اللغة العربية في مقدمة ما يتعلم ويتلقى في المدرسة المغربية. وحين ينص الميثاق على مسألة التمكن من التواصل تعبيرا وكتابة، فإنه يشير ولاشك إلى الجهود الجمة التي يجب أن تبذل لإرساء هذا التمكن، وكذا إلى المساحة التي يجب أن تشغلها اللغة العربية تدريسا واستعمالا.
غير أننا حينما نتأمل واقع المدرسة المغربية اليوم، نكتشف كيف أن الكثير من الأهداف التي رسمها الميثاق الوطني للتربية والتكوين لم تتحقق. ولذلك عاد الحديث مجددا عن ضعف المدرسة المغربية، وعن التراجع الخطير التي عرفته التعلمات الأساسية، إلى درجة أن جل التقارير الصادرة عن مؤسسات تعنى بتقييم المردود العام للتربية، ظلت تصنفنا في المراتب المتأخرة.
وعلى الرغم من أن الدعامة التاسعة للميثاق تدعو صراحة إلى «تحسين تدريس اللغة العربية واستعمالها، واستعمال اللغات الأجنبية، والتفتح على اللغة الأمازيغية» إلا أن النتائج لم تعط ما كان منتظرا منها.
لم يكتف الميثاق الوطني بالإفصاح عن منزلة اللغة العربية، بل أماط اللثام عن دواعي هذا التقديم، مستندا في ذلك على ما يقول به دستور المملكة من كون اللغة العربية، هي اللغة الرسمية للبلاد وحيث إن تعزيزها واستعمالها في مختلف مجالات العلم والحياة كان ولا يزال وسيبقى طموحا وطنيا».
كما اتجه الميثاق الوطني إلى بيان وسائل دعم اللغة العربية من خلال الدعوة إلى «تعزيز تعلم اللغة العربية وتحسينه. مع جعله إلزاميا لكل الأطفال المغاربة في كل المؤسسات التربوية العاملة بالمغرب». وهو بهذا يضع حدا لكل محاولات التأويل التي دعت إلى إعمال لغة أخرى غير العربية في التدريس. كما عشنا ذلك مع حكاية الدارجة التي جاء بها السيد عيوش، وما خلقته من ردود فعل.
غير أن الواقع يقول إن مشاريع الإصلاح اللغوي تعطلت. ومنها مشروع إصلاح اللغة العربية، الذي لم يحقق فيه المخطط الاستعجالي شيئا مقارنة مع عدد كبير من المشاريع التي وصلت فيها النتائج إلى مستويات عليا. أما أسباب ذلك، فيمكن إجمالها، حسب العارفين، في غياب مؤسسات ضاغطة من أحزاب ومجالس علمية، ونقابات وجمعيات المجتمع المدني، مع استثناءات قليلة، كما هو حال الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية. بخلاف الأمازيغية مثلا، والتي واكبت ملفها المطلبي وعضدته العشرات من الجمعيات الثقافية والحقوقية، وإن كانت لا تزال لم تحقق كل الرهان الذي سعت إليه.
واليوم حينما نعود، بعد كل هذه السنوات إلى إطلاق الميثاق الوطني للتربية والتكوين للحديث عن اللغة، لا بد أن نطرح السؤال كيف لم تنجح المدرسة المغربية في التعاطي مع هذا الملف الذي ظل يتدحرج في كل إصلاح. وكيف عجزت وزارات التربية والتعليم على التعامل معه بالحزم والصرامة اللازمين، خصوصا بعد أن تم تجريب تعريب تدريس المواد العلمية في الأقسام الابتدائية والإعدادية والثانوية، دون أن يصل التعريب إلى التعليم العالي، الذي ظل طلبته يشتكون من هذا التباين. والحصيلة هي أن نتائج الجامعة المغربية تدهورت بشكل مخيف خصوصا في المجالات العلمية بسبب هذا الاختيار.
هل حدث ذلك فقط لأن وزارة التربية الوطنية لم تكن تتوفر وقتها على رؤية شاملة للموضوع. أم أنها اعتبرت الأمر واحدا من مهام المجلس الأعلى للتعليم، الذي كان يجب أن يتداول في أمره باعتبار القضية في حاجة إلى قرار سياسي، أكثر منه علمي أو فلسفي؟ على الرغم من أن كل ما أنجزه هذا المجلس بشأن ملف اللغة على عهد رئيسه السابق، هو أنه عقد مائدة مستديرة نشرت خلاصاتها تحت عنوان» اللغات في المدرسة المغربية»، دون أن يصدر بشأنه ما الذي يجب أن تقوم به المدرسة المغربية. وهو نفس الفراغ الذي ظلت تعيشه المدرسة.
يسجل المتتبعون أيضا كيف أن اشتداد نفوذ التيار الفرانكفوني المسلح بقوة المال والإعلام في محاربة كل الخطوات التي من شأنها أن تهدد مصالحه الاقتصادية، كان واحدا من أسباب هذه الوضعية. بالإضافة إلى ارتفاع أعداد التلاميذ الملتحقين بمدارس البعثات الفرنسية، وانتشار المدارس الخصوصية التي دفعتها التنافسية إلى الاهتمام باللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية، إذ يلجأ الكثير منها إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، أو دراسة نفس المادة باللغتين معا، لإغراء أولياء الأمور، تحت حجة تمكين التلاميذ من الولوج السلس إلى التعليم الجامعي.
غير أن ما يطلبه جل المتدخلين اليوم هو أن تتوفر لوزارة التربية الوطنية الشجاعة الأدبية الكافية للتعامل مع هذا الأمر ببراغماتية، وهي تجيب عن سؤال جوهري وأساسي، أية لغة يمكن أن تنجح في عالم اليوم، بعيدا عن ضغضغة العواطف، التي يظل فيها التلميذ هو الخاسر الأكبر، خصوصا إذا علمنا أن قضية اللغة مرتبطة بكل القضايا التربوية الأخرى كالتعلمات الأساسية والتعليم الأولي.

اللغة في الإصلاحات التربوية على مدى سنوات الاستقلال
من التعريب إلى التعميم والمغربة والتوحيد
كان لا بد لفرنسا، وهي توقع وثيقة الاستقلال، أن تترك خلفها ثقافتها ولغتها، وكل طرق التدريس التي اعتمدتها منذ 1912 في عدد من مناطق المغرب، والتي لم تكن تنافسها غير بضعة مراكز للتعليم التقليدي والديني، التي حافظت على بعض الروابط التي جعلت منها مدارس مغربية بامتياز. لذلك فحينما وجد الوطنيون أنفسهم أمام الأمر الواقع في تدبير الشأن المغربي، راهنوا على تعليم يجب أن يكون مستقلا، ويستمد روحه من مقومات المغرب ومرجعياته الثقافية والدينية.
وهكذا سجلت السنة الأولى من الاستقلال إنشاء اللجنة العليا لإصلاح التعليم. وفي هذه اللجنة تقرر أن يتم تعريب التعليم الابتدائي، وتوحيد البرامج التعليمية بمختلف مناطق البلاد. مع تحديد سلك أول ابتدائي يتوزع على خمس سنوات، وسلك ثانوي من ست سنوات.
غير أن هذه التجربة لم تعمر غير سنة واحدة حيث ستحمل لنا سنة 1958 إنشاء اللجنة الملكية لإصلاح التعليم، والتي أطلقت أولى «مبادراتها» بإلغاء ما حملته اللجنة العليا لإصلاح التعليم، والتراجع عن كل قراراتها.
وبنفس السرعة والارتجال أيضا، ستحمل السنة الموالية وهي 1959 قرارا جديدا يعني القطاع وهو إنشاء لجنة التربية والثقافة، والتي سيتقرر بموجبها وضع التعليم الخاص تحت وصاية وزارة التربية الوطنية.
أما في السنة الموالية وهي 1960، فقد أحدث معهد الدراسات والبحوث حول التعريب، في أفق تعريب المواد العلمية في السلك الابتدائي. وهو ما حدث في نفس السنة. وقد اعتبرت هذه الخطوة بداية الانعتاق من هيمنة اللغة والثقافة الفرنسيين.
لم ينعقد أول اجتماع للمجلس الأعلى للتعليم إلا في 1961، لكنه فشل في القيام بدوره التربوي الذي انتظرته منه الأسر والمربون، لأن الحصيلة هي أن القطاع سيعود للارتباك حينما سيتقرر مرة أخرى إلغاء تعريب المواد العلمية من سلك التعليم الابتدائي.
وابتداء من سنة 1963، ستختار الدولة المغربية أن تسن سياسة إلزامية التعليم للفئة العمرية ما بين سن السابعة والثالثة عشر بموجب ظهير شريف. لكن هذه الإلزامية ستشكل مجرد محطة عابرة لأن السنة الموالية، وهي 1964 هي التي ستعرف تحولا عميقا في مسار المدرسة المغربية حينما تقرر تنظيم مناظرة وطنية حول التعليم بالمعمورة. ومن أهم خلاصات هذه المناظرة الأولى في القطاع، الإقرار بأن لغة التعليم في جميع المراحل هي اللغة العربية. ولا يشرع في تعليم اللغات الأجنبية إلا ابتداء من التعليم الثانوي.
وابتداء من سنة 1965 إلى 1957، وهي سنوات ما عرف بالمخطط الثلاثي، ستعرف المدرسة المغربية تراجعا خطيرا مس المبادئ الأساسية التي بنيت عليها المدرسة المغربية في عهد الاستقلال وهي التعريب والتوحيد والمغربة، بمبرر أن ميزانية التعليم في حاجة للتقليص بسبب ارتفاع فاتورتها.
هذا بالإضافة إلى العودة مجددا إلى الازدواجية في التعليم الابتدائي بين اللغة العربية والفرنسية. لكن سنة 1967، ستعرف التوقف النهائي لتعريب مواد العلوم والرياضيات في سلك التعليم الابتدائي، مع الإنهاء مع تجربة مغربة الأطر.
ستشكل بعد ذلك سنة 1970 منعطفا حاسما في مسار المدرسة المغربية حينما تم إحداث المجلس الأعلى للتعليم، مع ما رافق ذلك من قرارات يعتبرها الكثير من المتتبعين البداية الحقيقية لإشكالية التعليم في المغرب، ومنها قرار تعريب مواد الفلسفة والتاريخ والجغرافية.
وفي نفس هذه السنة، ستعود الدولة لتجرب عقد مناظرة ثانية حول التعليم انعقدت بإفران. لكنها لم تسفر عن أي نتائج عملية يمكن اعتمادها للمستقبل.
ثلاث سنوات بعد ذلك، سيقرر المخطط الخماسي نفس المبادئ من خلال سياسة التعميم، وتكوين الأطر المغربية. لكن قبل أن يضع هذا المخطط نقطة نهايته في 1977، سيعترف وزير القطاع، وهو وقتها السيد عز الدين العراقي، الذي كان يمثل حزب الاستقلال في الحكومة، أن الازدواجية هي سبب تدني مستوى التعليم في البلاد. لذلك لابد من المحافظة على مبادئ التعميم والتعريب والمغربة.
غير أن سياسة التعريب ستصبح ابتداء من سنة 1980 إلزامية في المواد العلمية بالسلك الابتدائي، على الرغم من أن مناظرة إفران الثانية انتهت إلى وضع مشروع لإصلاح التعليم ككل.
أما حينما تم العمل بالميثاق الوطني للتربية والتكوين، فقد عادت للغة العربية قيمتها حيث نصت المادة 110 منه على بيان وسائل دعم اللغة العربية من خلال عنوان بارز أطلق عليه «تعزيز تعلم اللغة العربية وتحسينه». وفي ذلك تقول المادة 111 من الميثاق الوطني للتربية والتكوين إنه «يتم تجديد تعليم اللغة العربية وتقويته، مع جعله إلزاميا لكل الأطفال المغاربة في كل المؤسسات التربوية العاملة بالمغرب». وهو بهذا يضع حدا لكل محاولات التأويل التي ظلت تدعو إلى إعمال لغة أخرى غير العربية في التدريس.
غير أن الواقع يقول إن مشاريع الإصلاح اللغوي تعطلت في مجملها. ومنها إصلاح اللغة العربية. أما أسباب ذلك، فيمكن إجمالها، حسب العارفين، في غياب مؤسسات ضاغطة من أحزاب ومجالس علمية، ونقابات وجمعيات المجتمع المدني، مع استثناءات قليلة، كما هو حال الجمعية المغربية لحماية اللغة العربية. بخلاف الأمازيغية مثلا، والتي واكبت ملفها المطلبي، وعضدته العشرات من الجمعيات الثقافية والحقوقية.
بالإضافة إلى اشتداد نفوذ التيار الفرانكفوني المسلح بقوة المال والإعلام في محاربة كل الخطوات التي من شأنها أن تهدد مصالحه الاقتصادية. بالإضافة إلى ارتفاع أعداد التلاميذ الملتحقين بمدارس البعثات الفرنسية، وانتشار المدارس الخصوصية التي دفعتها التنافسية إلى الاهتمام باللغة الفرنسية على حساب اللغة العربية، إذ يلجأ الكثير منها إلى تدريس المواد العلمية باللغة الفرنسية، أو دراسة نفس المادة باللغتين معا، لإغراء أولياء الأمور، تحت حجة تمكين التلاميذ من الولوج السلس إلى التعليم الجامعي.
لقد نجح التيار الفرانكوفوني في الحفاظ على مكونات الثقافة الفرنسية سواء في المدرسة المغربية أو خارجها. واليوم حيث يشتغل المجلس الأعلى للتعليم والبحث العلمي حول ما تنتظره المدرسة المغربية من خطوات للإصلاح، عاد النقاش ليطرح حول أية لغة يمكن أن تدرس بها المواد العلمية بين الفرنسية والإنجليزية. وهي المعركة التي دخل على خطها عدد من وزراء الحكومة الذين يسير بعضهم في اتجاه أن نعطي للإنجليزية حظها باعتبارها لغة العلم والتكنولوجيا، وبين المحافظة على اللغة الفرنسية باعتبارها ذات امتداد وحضور في المجتمع والاقتصاد والثقافة. حيث نجح مناصرو الفرنسية ليذكروا بأن للأمر أبعادا سياسية مرتبطة بعلاقة المصالحة المغربية الفرنسية. وهي الأبعاد التي أرخت بظلالها على نقاشات المجلس، مما جعل الرئيس عزيمان يدعو إلى إعادة النظر فيها. كما أن الإبقاء على الفرنسية لغة أولى في المناهج التعليمية، يعود إلى كونها تحتل مكانة متقدمة في المنظومة التعليمية المغربية. وهي نفسها اللغة المعتمدة ضمن أكثر من بلد إفريقي، وبعموم الدول الفرانكفونية التي اختار المغرب الانفتاح عليها بشكل أكبر ضمن مساعيه الإستراتيجية سياسيا واقتصاديا. لذلك كان نور الدين عيوش، قد اعتبر في رده على بنكيران، بأن «اللغة الفرنسية ليست لغة المستعمر فقط، بل هي غنيمة حرب». لذلك وجب الحفاظ عليها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.