سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
أعبوشي: «الأصالة والمعاصرة» وضع حكومة عباس الفاسي في «أزمة مؤسساتية» قد تتوج بإسقاطها قال إن مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الحكومة «قسرية» وهو ينتظر الزمن السياسي الملائم ليعلن انسحابه منها
أكد الدكتور الحسين أعبوشي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن نجاح حزب الأصالة والمعاصرة في تعبئة أصوات من الأغلبية لصالحه دليل على اختلال واضح داخل المؤسسة التشريعية، ستكون له انعكاسات سلبية على مستقبل الحكومة ومشاريعها بشكل مباشر. وفي ما يلي نص الحوار: - أن تصوت الأغلبية على مرشح المعارضة أمر لا تستوعبه مفاهيم علم السياسة.. فما هي الدلالات العامة لانتخاب بيد الله رئيسا لمجلس المستشارين؟ > لنعد إلى سياق الحدث الذي سيغير العديد من المعادلات السياسية داخل المؤسسات التمثيلية.. فقد عرف المغرب، منذ 12 يونيو2009 إلى حدود يوم الثلاثاء 13 أكتوبر 2009 مسلسلا انتخابيا على مستوى الجماعات المحلية، والمجالس الإقليمية والجهوية والغرف المهنية وهيئات المأجورين، وتوج هذا المسلسل بانتخاب ثلث أعضاء مجلس المستشارين وانتخاب رئيسه. فالقراءة الأولية للسلوك السياسي للأحزاب السياسية خلال هذه الانتخابات تسعفنا للوقوف على عدة ملاحظات: أولها تنديد كل الأحزاب المشاركة في هذه الانتخابات، عبر صحافتها وقياداتها، باستعمال المال لشراء أصوات الناخبين، وثانيها لجوء كل الأحزاب السياسية في تكوين المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية إلى تحالفات غير خاضعة لضوابط تنظيمية (الكتلة الديمقراطية...)، أو برنامجية وإيديولوجية (يمين، يسار، وسط)، أو سياسية (تحالف الأغلبية والمعارضة) أو حتى أخلاقية (عدم احترام إرادة الناخبين). أما الملاحظة الثالثة فهي مراهنة العديد من الأحزاب السياسية خلال هذه الانتخابات على «الأعيان»، في الوقت الذي تم فيه تهميش المناضل السياسي الحزبي، نظرا إلى ضعف قدرته على توزيع الموارد. في هذا السياق جرى انتخاب رئيس مجلس المستشارين، حيث حصل الأمين العام لحزب في المعارضة، وهو حزب الأصالة والمعاصرة، على الأغلبية المطلقة للأصوات، 140 صوتا في الدور الثاني، مقابل 100 صوت للرئيس السابق لمجلس المستشارين ومرشح «الأغلبية الحكومية» التي يقودها حزب الاستقلال. - إذن كيف يمكن قراءة ما جرى وما هي أبعاده ودلالاته؟ > من خلال ما سبق، هناك، إذن، ثلاثة مداخل يمكن أن تسعفنا لقراءة دلالة هذا الحدث وأبعاده: مدخل سوسيولوجي: ما جرى قد يكون نتيجة تصويت احتجاجي على البنية الحزبية لحزب الاستقلال الذي عمل على توزيع الحقائب الوزارية بناء على اعتبارات القرابة، مما جعل العديد من الحقائب حكرا على بنيات أسرية محدودة وعلى فئات تكنو- حزبية، وفي المقابل تم تهميش المناضل السياسي داخل الحزب، هذا «التصويت الاحتجاجي» لقياديين داخل الحزب قد يتكرر في انتخابات رئيس مجلس النواب أو يأخذ شكل «ترحال سياسي احتجاجي» في اتجاه حزب الأصالة والمعاصرة. المفهوم الثاني، الذي يمكن استحضاره لتفسير تصويت أعضاء من داخل الأغلبية الحكومية لصالح مرشح المعارضة، هو «التصويت العقابي» فمكونات الأغلبية الحكومية غير مقتنعة وغير راضية على الطريقة التي يقود بها حزب الاستقلال هذا الائتلاف الحكومي، وهذا واضح من خلال قراءة وتتبع مواقف هذه الأحزاب والصحافة الناطقة باسمها. مدخل مؤسساتي: إن تمكن المعارضة من تعبئة 140 صوتا لصالحها، بما في ذلك أصوات الأغلبية الحكومية، هو مؤشر على اختلال توازن التحالفات بالبرلمان المغربي، وهو اختلال قد نشهد تداعياته وآثاره في حالة عدم موافقة المعارضة / الأغلبية داخل مجلس المستشارين على مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة أو في حالة تحريك هذه المعارضة / الأغلبية لمسطرة توجيه التنبيه وملتمس الرقابة. مدخل سياسي: الحكومة الحالية تم تنصيبها بعد انتخابات تشريعية امتنع %63 من الجسم الانتخابي عن المشاركة فيها، وبالتالي فهذه الحكومة تبقى موسومة بأزمة التمثيلية الانتخابية، إلى جانب كونها فشلت في ضبط مواقف أعضائها. - هددت قيادات من التجمع الوطني للأحرار بالانسحاب من الحكومة في حال لم يفز مرشحها المعطي بنقدور أمام بيد الله، كما أن بنقدور نفسه قال إن أغلبية الفاسي هي التي خسرت. ما مدى جدية هذا السيناريو في ظل الأحاديث التي راجت مؤخرا عن رغبة عدد من أعضاء الاتحاد الاشتراكي الخروج بدورهم من الائتلاف الحكومي؟ > المعطى المؤسساتي الآن أن حكومة عباس الفاسي «أصبحت في مهب الريح»، فالأمر لا يتعلق برئاسة مجلس المستشارين من طرف السيد «الشيخ بيد الله» بل يتعلق الأمر بفقدان الحكومة للأغلبية داخل مجلس المستشارين، ومن زاوية دستورية فهذه الأغلبية/ المعارضة بإمكانها إما عرقلة مشاريع قوانين الحكومة أو توجيه تنبيه وتحريك مسطرة ملتمس الرقابة. وبالنسبة إلى حزب الاستقلال وبغض النظر عن إمكانية الانسحاب من الحكومة، فالتناقضات داخل هذا الحزب وصلت إلى المدى الأقصى، مما يحتم ضرورة القيام بشيء ما لتجاوز هذه التناقضات، المشكل أن هذا الحزب لا يتوفر على بنيات تنظيمية كفيلة بتدبير الأزمات في اتجاه الحفاظ على وحدة الحزب، وخطر الانشقاق قائم. وبالنسبة إلى الاتحاد الاشتراكي فمشاركته في هذه الحكومة كانت «مشاركة قسرية» وهو ينتظر الزمن السياسي الملائم ليعلن انسحابه من الحكومة، لتجنب المزيد من النزيف الذي يطال بنياته ويباعد الهوة بينه وبين المجتمع. - ما مصير حكومة عباس الفاسي بعد ما جرى؟ وهل سيناريو التعديل الحكومي هو الحل؟ ومن هو أكبر مستفيد من هذا الوضع؟ > مع استحضار تجارب حكومات سابقة، يمكن الوقوف على ثلاثة سيناريوهات، الأول ويرتبط بالتعديل الحكومي: هذا السيناريو وارد بشكل كبير بمبادرة من الملك، في سياق ممارسته لاختصاصاته الدستورية، وهو سيناريو سيكون ضروريا خصوصا إذا فقدت الأغلبية الحكومية رئاسة مجلس النواب في أبريل المقبل، لصالح حزب داخل المعارضة، ففي هذه الحالة سنصبح أمام أزمة حكومية حقيقية تقتضي تعديلا حكوميا لخلق التوازن المؤسساتي. السيناريو الثاني يتعلق بإسقاط الحكومة من داخل البرلمان: وهو سيناريو وارد بدوره ما دامت المعارضة الآن تتوفر على الأغلبية داخل مجلس المستشارين، وبالتالي هناك إمكانية إسقاطها بتحريك مسطرة بتوجيه التنبيه وملتمس الرقابة. أما السيناريو الثالث فهو أن تتدخل المؤسسة الملكية على الخط لضمان الأغلبية والاستقرار للحكومة الحالية في انتظار انتخابات 2012. - الغرفة الثانية كانت دائما وسيلة لضبط الحياة البرلمانية وفرملة المعارضة وقوانينها.. كيف سيستغل حزب الهمة وتحالفه هذا المجلس لتفعيل هذا الضبط السياسي وكيف يمكن ربط ذلك بالخارطة السياسية لعام 2012؟ > جاءت الغرفة الثانية لسنة 1996 في سياق التعديلات الدستورية، وجاء الانتخاب الأول لها في سياق تحقيق نوع من «الأمن المؤسساتي» وتأمين لحظة التناوب التوافقي، وذلك من خلال الضبط والمراقبة، حيث خولها النص الدستوري اختصاصات تنفرد بها مقارنة بالغرف الثانية في الأنظمة الدستورية المقارنة، فهي تتدخل في مسطرة التشريع، ويعطيها الدستور إمكانية إسقاط الحكومة. فالملاحظ أن حزب «البام» سيوظف موقعه داخل هذا المجلس لبناء تحالفات جديدة ولتعبئة الموارد لمزيد من الضبط السياسي لباقي الفاعلين الحزبيين. وتسعف قيادة حزب «البام» لمجلس المستشارين، ورئاسته لعدد من الجهات وعموديات المدن ومئات المجالس البلدية، للتهييء الجيد لانتخابات 2012، فهذه البنيات المحلية تزيد من القدرة التوزيعية للحزب ومن قدرته التواصلية وقدرته التمثيلية كذلك، وهي العناصر التي تفتقدها بقية الأحزاب السياسية، على اختلاف مستوياتها، والتي تعاني من أزمة تأطير. فإذا تمكن الحزب من استثمار النتائج التي حصل عليها في الجماعات المحلية والهيئات الأخرى، فسيمكنه ذلك من الهيمنة على الانتخابات التشريعية لسنة 2012، ومن أن يصبح رقما أساسيا داخل المشهد الحزبي المغربي. ومن الواضح أن هذا الحزب وتحالفه داخل مجلس المستشارين وضع حكومة عباس الفاسي في «أزمة مؤسساتية»، حيث يمكن، في أي لحظة، أن يتوجه هذا التحالف إلى إسقاط الحكومة.