سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جنس وسيارات وساعات غالية على موائد سياسيين مرتشين في الحزب الشعبي الإسباني إسبانيا تعيش على وقع واحدة من أكبر الفضائح المجلجلة في تاريخها السياسي الحديث
إسبانيا تعيش هذه الأيام واحدة من الفضائح المجلجلة في تاريخها السياسي الحديث، أبطالها من الرؤوس البارزة في الحزب الشعبي، إنها فضيحة تجمع ما بين الصفقات المشبوهة والرشاوى الظاهرة وتبادل المصالح وحفلات الجنس الماجنة. ديمقراطية جيراننا تهمنا، وفساد جيراننا يهمنا أيضا.. وفي كلتا الحالتين فإن الاستفادة من ديمقراطيتهم وفسادهم شيء ضروري. يجب أن نقرأ عنهم ونقارن حالنا بحالهم.. وسنستنتج أن فسادهم طبيعي لأنه يوجد قانون يلجمه ويحاسبه، وفسادنا متوحش وغير طبيعي لأن لا شيء يوقفه. «قنبلة انفجرت وسط الحزب الشعبي». بهذه العبارة تصف أوساط إعلامية وسياسية الأوضاع التي يعيشها الحزب الشعبي الإسباني المعارض حاليا، والذي يتسقط عدد من رؤوسه الواحدة تلو الأخرى، بينما ينتظر أن تسقط خلال الأيام أو الأسابيع المقبلة رؤوس أكبر بسبب ملف فساد متعدد الأطراف والتشعبات. وللتدليل على حجم الفضيحة، فإن ملف هذه القضية يوجد في 17 ألف ورقة.. وهناك عدد من النواب البرلمانيين من الحزب الشعبي استقالوا، وعدد من عمداء المدن أقيلوا، ويوجد أزيد من 70 شخصا في لائحة الاتهام.. والبقية تأتي. فضحية الحزب الشعبي تهدد بإصابة الحزب في مقتل، وكثيرون يصفونها بأنها فضيحة تهدد قلب الحزب مباشرة، وقلب الحزب هم زعماؤه الكبار، ومن بينهم خوسي ماريا أثنار، رئيس الحكومة السابق الذي حكم البلاد لمدة 8 سنوات، قبل أن يخسر بصعوبة في انتخابات مارس 2004، ومع ذلك فإنه استمر يدير خيوط الحزب عن بعد، وبقي الرجل القوي في الحكم وفي المعارضة. بداية خيوط الفضيحة اسمها فرانسيسكو كوييّا، وهو رجل في الخمسينات من العمر لا يختلف في شيء عن كبار زعماء المافيا في الأفلام السينمائية، وأدار خلال العقد الأخير شبكة معقدة من العلاقات، ابتدأت بمنح السياسيين والمسؤولين الحزبيين والحكوميين هدايا «متواضعة» مثل بذلات أنيقة أو ساعات أو صفقات متواضعة من هنا وهناك، لتنتهي بمنح سيارات فاخرة وساعات سعرها عشرات الملايين وصفقات تدر على أصحابها الكثير من الربح والكثير من العمولات، وأيضا، وهذا هو المثير، منح لسياسيين فاسدين فتيات جميلات لتمضية ليال حمراء، وهي رشوة نادرا ما يصمد أمامها سياسيون يتظاهرون بالرصانة والوقار، وفي ساعاتهم الخاصة يفعلون ما يفعله ذلك الشخص الذي يتحدث عنه المغاربة في حكمتهم القائلة «الله يحفظك من المشتاق إذا ذاق». صفقات وعقار واختلاسات الذين يوجدون اليوم في لائحة الفضيحة هم مسؤولون من عدد من المناطق الجهوية في إسبانيا، خصوصا في الحكومة الجهوية لبلنسية (شرق) وغاليسيا ومدريد وقشتالة وليون. ويوجد في قلبها أيضا مسؤولون من قلب حكومة خوسي ماريا أثنار التي سادت في الفترة ما بين 1996 و2004. الأمين العام للحزب الشعبي حاليا، ماريانو راخوي، يقول إنه لا توجد امتدادات خطيرة لهذه القضية، وإن البحث قد انتهى، لكن كلامه مجرد أمنيات، لأن لهيب النار يلسع حتى بيت أثنار، الرجل القوي في الحزب الشعبي. الوجه الأول من الفضيحة هو أن كثيرا من الصفقات العمومية، خصوصا صفقات البناء وشق الطرقات والعقار، تم تمريرها إلى مقاولات صديقة مقابل عمولات تذهب مباشرة إلى جيوب الذين صادقوا على تمرير هذه الصفقات، أو أودعت في حسابات سرية بأسماء مختلفة. وحسب المعلومات التي حصلت عليها السلطات القضائية الإسبانية عبر التنصت على محادثات هاتفية بين المتهمين، فإن هناك ميزانية خاصة في كل صفقة كانت مخصصة لتأدية عمولات السياسيين الفاسدين. الوجه الثاني من الفضيحة هو مقاولة تدعى «أورانج ماركت»، وهذه المقاولة كانت مخصصة لتنظيم كل اللقاءات والتجمعات والمهرجانات والأنشطة التي يقوم بها الحزب الشعبي في منطقة بلنسية، والتي تقدر أرباحها كل سنة بحوالي 10 ملايير سنتيم. هذه المقاولة قدمت رشاوى مادية لمسؤولين في الحكومة الجهوية، كما قدمت سيارات فارهة لمسؤولين آخرين، وساعات يفوق سعر الواحدة 25 مليون سنتيم، مثل تلك التي تم تقديمها للعمدة السابق لمدينة أليكانتي، ريكاردو كوستا. وهناك رشوة غريبة قدمتها هذه المؤسسة لمسؤول في المنطقة وهي العمل على تنظيم لقاء بينه وبين الرئيس الأمريكي باراك أوباما، من أجل دعم موقف الحكومة الجهوية البلنسية لتنظيم ملتقى «غْرامي» العالمي. وفي منطقة غاليسيا (شمال غرب إسبانيا)، الذي يعتبر المعقل الرئيسي للحزب الشعبي، تم الكشف عن مخالفات كبيرة في الصرف، وتم صرف مبالغ كبيرة من الودائع المخصصة لتعويض أفراد الأمن. وفي العاصمة مدريد، تم تقديم عمولات لمسؤولين رئيسيين في الحزب توسطوا بين الحكومة وبين منعشين عقاريين من أجل السماح ببناء عمارات أو من أجل شراء أراض شاسعة والترخيص بالبناء فيها. مقربون من أثنار الأخطر في القضية، هو أن أليخاندرو عجاج، زوج ابنة خوسي ماريا أثنار، يوجد في قلب هذه الفضيحة، وحسب وثائق القضاء الإسباني فإنه توسط أكثر من مرة من أجل منح عدد من الأصدقاء مناصب مهمة في عدد من المناطق، أو من أجل منحهم أسهما في شركات معينة. والقضية وصلت إلى آنا بوطيا، زوجة أثنار، التي التقت بأحد المتورطين في القضية بواسطة زوج ابنتها وتحدثوا حول أسهم زوجها، وسعدت كثيرا بذلك اللقاء، وفق ما يقوله رجل حضر اللقاء. المشكلة تكمن أيضا في أن كثيرا من مجريات الفضيحة تمت في فترة حكم خوسي ماريا أثنار، بل إن كل شيء يثبت أن ما جرى تم خلال حكمه، لكن، إلى حد الآن، لا يوجد ما يؤشر على تورط مباشر لأثنار في هذه الفضيحة رغم أن مقربين منه يوجدون في قلبها. من بين المقربين الآخرين من أثنار، والموجودين في قلب هذه الفضيحة، هناك القيادي البارز في الحزب الشعبي، خيسوس سيبولفيدا، الرجل المقرب كثيرا من أثنار عندما كان هذا الأخير رئيسا للحزب الشعبي. العلاقة بين الرجلين ابتدأت عندما كان سيبولفيدا منسقا انتخابيا على المستوى الوطني ومسؤولا عن تنظيم التظاهرات الانتخابية للحزب، واستمرت بعد ذلك العلاقة بينهما تنمو باطراد. هذه العلاقة الوثيقة أثمرت بعد ذلك فوز سيبولفيدا في انتخابات منطقة بوثويلو دي ألاركون، المنطقة الأكثر غنى في العاصمة مدريد، ومنذ ذلك الوقت اختلط الخاص بالعام، والحزبي بالشخصي، وبدأ الرجل يمنح توقيعاته لمقاولات خاصة كانت تمول الحزب الشعبي وسياسييه من وراء ستار. ومنذ أن فاز سيبولفيدا برئاسة بلدية هذه المنطقة سنة 2003، فإنه كان يتوصل براتب شهري «خاص» بانتظام. وفي أربع سنوات، تلقى حوالي 500 ألف أورو (حوالي 600 مليون سنتيم)، وكان معه سياسيون آخرون كانوا يتوصلون براتب شهري يزيد عن 6 آلاف أورو شهريا. زوجة سيبولفيدا لم تكن بدورها بعيدة عن مجال فساد زوجها. ومن بين ما تلقته سيارة فارهة كانت في ملكية زوجة كورييّا، زعيم الشبكة. كما أن زوجة سيبولفيدا تشتغل حاليا في جهاز حزبي جد مقرب من ماريانو راخوي، الأمين العام الحالي للحزب الشعبي. سيارات بألوان منتقاة الرشاوى التي تتم عبر سيارات فارهة كثيرا ما تم استعمالها بين أفراد هذه الشبكة. وفي حوار مسجل بين شخصين، يبرز أن ذلك كان شيئا عاديا بين الجميع. في هذا النموذج يتحدث شخص يرمز إليه برقم 1 مع شخص يرمز له برقم 2، وهما معا يتحدثان حول سيارة كانت ستقدم لمسؤول كرشوة. 1 : هل عرفت إذن نوع وطبيعة السيارة التي يريدها «إكس»؟ 2 : نعم، يريد سيارة فارهة مثل سيارتك، لكنه لم يحسم بعد في اللون. إنه متردد كثيرا في طبيعة لونها. 1 : لكن لابد أن نحدد لونها لكي نقدم طلبا بشأنها. 2 : حسنا. سأربط به الاتصال الآن عبر شبكة الأنترنيت وأطلب منه أن يحدد اللون بسرعة. 1 : قل له أن يسرع لأننا إذا تأخرنا في طلبها فلن نحصل عليها قبل يناير. إذا طلبها الآن سنحصل عليها قريبا. 2 : حسنا.. حسنا.. 1 : إذن أخبره وقل له أن يسرع. وفي لقاءات أخرى تم تسجيلها، يتحدث السياسيون الفاسدون عن بعضهم البعض بكثير من الاحتقار والسخرية. ويقول ألفارو بيريث، أحد أعضاء الشبكة، عن عمدة أليكانتي السابق، الذي حصل على ساعة ممتازة وغالية «لقد أصابته الساعة بالجنون وأفقدته عقله. إن سعرها هو 20 ألف أورو لذلك تحول إلى طفل صغير وهو يضعها في معصمه. إنه يتحول إلى مجنون بمجرد أن يضع شيئا مثل تلك الساعة. لقد نصحته بألا يضع ساعته مكشوفة أمام الناس لأنها غالية وكبيرة ويمكن للجميع ملاحظة ذلك، لكنه لم يصغ إلي وبدا كأنه صبي يرتدي حذاء جديدا». النساء زينة الحياة والحفلات نساء المتعة كان لهن حضور كبير في هذه الشبكة التي تضم كبار القياديين في الحزب الشعبي الإسباني. وفي كثير من المرات، كان محرك خيوط الشبكة، فرانسيسكو كورييّا، يعمد إلى تقديم فتيات جميلات جدا إلى سياسيين معروفين، وأغلب الفتات يتحدرن من بلدان أوروبا الشرقية. السياسيون الذين تلقوا الجنس كرشوة هم في الغالب مسؤولون في دواليب الحزب والحكومة في العاصمة مدريد، وسياسيو العاصمة عادة ما يفضلون المزاوجة ما بين الجنس والمال. تقديم الفتيات للسياسيين في حفلات خاصة استمر على مدى عقد كامل من حكم خوسي ماريا أثنار، لكن هناك حكايات معدودة فقط خرجت إلى العلن. في شهر مارس 2007، قدم كورييّا خمس فتيات من أوروبا الشرقية إلى سياسيين في العاصمة مدريد، وخلال هذا اللقاء الحميمي، كلف كورييّا أحد المصورين الصحافيين بالتقاط صور لسياسي بعينه رفقة فتاة من أجل ابتزازه بعد ذلك. وفي إحدى الحفلات التي تم تنظيمها في «شاليه» العمدة السابق لمدينة أليكانتي، كانت هناك ست فتيات فائقات الجمال أصبن السياسيين الموجودين في الحفل بالدوار، وكل سياسي أمسك بفتاته وأدخلها غرفة خاصة. ومن بين هؤلاء الفتيات، كانت هناك فتاة رائعة الجمال تبلغ من العمر 25 سنة. كانت صموتة ومهذبة مما دفع أحد السياسيين إلى التعلق بها كثيرا، لذلك وعدها بأن يمنح لها تذاكر طائرة ذهاب وإياب إلى بلدها لكي تزور والديها في أحد بلدان أوروبا الشرقية، لكن الفتاة أخبرته بأنها لا تتوفر على أوراق إقامة في إسبانيا، وأن خروجها من البلاد سيسبب لها متاعب حقيقية ولن يسمح لها بالعودة، آنذاك اتصل كورييّا بكارلوس كليمينتي، نائب مستشار شؤون الهجرة في بلدية مدريد، وطلب منه أن يحل مشكلة الفتاة الشرقية، فرد كليمينتي بأنه سيحل القضية سريعا وبدون أية مشاكل. ما يجري في إسبانيا يهم المغرب.. وما يجري في المغرب يهم إسبانيا هل يمكن أن تكون إسبانيا أكثر فسادا من المغرب؟ هذا سؤال لا يبدو منطقيا لأنه غير واقعي، والدليل على ذلك أن الفضيحة التي انفجرت في إسبانيا كشفت على أنه، في كل الأحوال، يوجد قانون في البلاد يكشف أخيرا عن المفسدين ويضعهم في مكانهم الطبيعي أي في السجن، بينما في المغرب يعتبر تفجير مثل هذه الفضائح ضربا من المستحيل، ومن غير المتوقع يوما أن تنفجر فضيحة مغربية على الشاكلة الإسبانية. في المغرب توجد الكثير من حالات الفساد التي يسمع عنها الناس وكأنهم يسمعون حكايات من كتاب ألف ليلة وليلة، وبعد ذلك يعتقد الكثيرون أن ذلك يدخل في إطار النميمة، بينما الواقع أن ما سمعوه هو فقط مجرد الجزء الظاهر من جبل الجليد، لأن لا أحد في هذه البلاد يستطيع الكشف عن فضائح الفساد، وفي حال الكشف عنها فإنه يجري تحجيمها واختيار ضحاياها بانتقاء كبير، والدليل على ذلك هو حالات الكشف عن ملفات المخدرات، حيث يتم اختيار الضحايا بانتقائية واضحة، وبعد ذلك يتم إغلاق الملف ثم ينتهي كل شيء. الفرق بين إسبانيا والمغرب في معالجة قضايا الفساد هو أنه يوجد في إسبانيا قضاة شجعان يعتمدون على الديمقراطية من أجل محاسبة المفسدين، بينما في المغرب يتهيب الجميع من معالجة مثل هذه القضايا، كما أن الأوامر الهاتفية موجودة دائما لكي تحدد طبيعة الأحكام ومصير القضايا. في قضايا فساد مثل هاته، تصبح المقارنة بين المغرب وإسبانيا ضرورية، ويصبح المغاربة ملزمين ب«تخيل» حالات الفساد عندهم التي تجري أطوارها في الكواليس من دون أن تخرج إلى العلن. الدرس الكبير الذي يمكن استيعابه من فضيحة إسبانيا هو أن الديمقراطية لا تقتل الفساد، لكنها تحجمه بشكل كبير وتجعل الفاسدين المستقبليين يفكرون ألف مرة قبل أن يدخلوا غمار الفساد. لكن في البلدان المتخلفة والمرتبكة ديمقراطيا مثل المغرب، فإن كل فاسد سابق يشجع الفاسدين اللاحقين ويعطيهم ألف دليل على أن الفساد هو الطريق السهل والمضمون نحو العز والثروة والنفوذ وكسب الاحترام. الاهتمام بما يجري في إسبانيا ضروري أيضا لسبب وجيه، وهو أن كثيرا من المقاولات الإسبانية في مختلف المجالات تستثمر في المغرب، وعندما يستفحل الفساد في جارتنا الشمالية فإن الكثير من المال الملوث يتوجه نحو المغرب، والمغرب بطبيعة الحال لا يسأل عن مصدر المال، لذلك يختلط الحابل بالنابل ويصبح المغرب عمقا استراتيجيا مهما للفاسدين الإسبان، وهناك الكثير من الأمثلة حول أموال كثيرة مشبوهة توجهت للمغرب للاستثمار في مجال العقار ومجالات أخرى. إن الفساد مثل بقعة الزيت، تبدأ برقعة صغيرة ثم تتوسع غير معترفة بالحواجز ولا بالحدود.