غالبا ما يحتفي الأطفال وينتشون نشوة بالغة خلال شهر رمضان بأول أيام صيامهم، حيث يبدون حماسا كبيرا لتقليد آبائهم وأمهاتهم في أداء هذه العبادة ليقرروا بكل عزم وتصميم الإمساك عن الطعام والشراب رغم حداثة سنهم وطراوة أجسامهم التي لازالت في طور النمو. 1 - صيام تحت إشراف الأسرة. وغالبا أيضا ما يسعد الآباء لهذا التوجه الذي يعد تدريبا وتعليما للعبادات منذ الصغر. وخصوصا وأنهم يعرفون أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر لكن مع ذلك يساورهم دائما القلق والارتياب من القدرة الفعلية لصغارهم على تحمل مشاق الصيام لتنشأ لدينا في المغرب وفي باقي دول العالم الإسلامي ثقافة محلية لتدريب الأطفال على الصيام تضع في حسبانها دائما عنصرين اثنين: المحافظة على صحة الطفل ووقايته من مضاعفات الصيام. وكذا ضرورة تنشئة هذا الطفل منذ نعومة أظافره تنشئة إسلامية صحيحة. لذلك فإن صيام الأبناء يجب أن يتم دائما تحت إشراف الآباء والأسرة الذين يتعين عليهم أن يمزجوا بين التشجيع والضبط والتنظيم والمراقبة والتنويه، وبين التنبيه والتخويف أحيانا أخرى، نظرا لعدم احتمال الأطفال لما يحتمله البالغون من جوع وعطش ونظرا لخصوصيات أجساد الأطفال التي قد تتأثر سلبا أو إيجابا بعملية الصيام. 2 - خطة تدريب الطفل على الصيام يتفق الكثير من الأطباء ورجال التربية وفقهاء الدين أن رمضان فرصة سانحة للشروع في تربية الأطفال على آداء الواجب وتحمل المسؤولية. ويرون أنه يمكن البدء في تدريب الطفل على الصيام منذ سن السابعة من خلال دفعه أو تركه يقوم بالصيام الجزئي فقط. لأن الغرض من تدريب الأطفال على الصيام هو تمكينهم من التأقلم تدريجيا مع رمضان، وليس فرضه عليهم. لأنه في هذه السن يكابر الطفل فقط لأجل الصيام بدافع الغيرة والتقليد لآبائه وإخوته الكبار في حين يكون جسده عاجزا عن الاضطلاع بهذه العبادة بشكل كامل، ففي هذه السن يكون في أمس الحاجة إلى المغذيات المختلفة الضرورية لنمو جسده الفتي. إلا أن السنة العاشرة تعتبر علامة فارقة في حياة الطفل إذ إن أغلب الأطفال قد يتمكنون من الصيام في هذه السن ويبدو من استطلاع سلوك الأسرة تجاه صيام الطفل أن هناك خطتان لصيام الأطفال: الخطة الأولى : أن يصوم الطفل بعد تناول وجبة السحور من الفجر إلى آذان الظهر ثم يتناول طعامه ويستكمل صيامه إلى المغرب ليجلس على مائدة الإفطار «فخورا» بنفسه معتدا بها لأنه يشعر في قرارة نفسه أنه صام مثله مثل الكبار. الخطة الثانية : يتم تقسيم الصيام فيها إلى 3 مراحل وهكذا يصوم الطفل في البداية بعد وجبة السحور إلى الظهر وذلك لمدة عشرة أيام ثم نرفع بعد ذلك مدة الصيام حتى آذان العصر لمدة عشرة أيام، وأخيرا نسمح له بصيام اليوم كاملا في الأيام العشرة الأخيرة من رمضان، بحيث تمكن هذه الخطة من التكيف تدريجيا مع واقع الصيام. 3 مراقبة الطفل أثناء الصيام . رغم هذا التدرج في تدريب الأطفال على الصيام لابد من مراقبتهم طيلة مدة الصيام لرصد المضاعفات المحتملة وإيقاف الصيام، إن استدعى الأمر ذلك في بعض الأحيان، لذلك فإن صيام الأطفال يجب أن يخضع لعدد من الضوابط والقواعد ويراعي أيضا عددا من المحاذير. أولها أن الصيام بشكل عام يقلل من السكريات في الدم فيما يحتاج الأطفال إلى سكريات أكثر لنشاطهم الزائد وصخبهم وحركتهم، مما قد يؤدي بهم إلى التعب وبالتالي إلى انخفاض مستوى السكر لديهم في الدم من خلال ظهور بعض الأعراض والعلامات المنذرة كصداع الرأس ووجع العضلات والنسيان والارتجاف والعرق، وانخفاض مستوى الوعي والإدراك مما يفرض المبادرة بإيقاف الصيام. ولأجل تقليل نسبة هذه المخاطر يكتسي تعجيل الإفطار والحرص على تناول السحور وتأخيره طبقا للسنة النبوية الحميدة أهمية كبيرة في حالات صيام الأطفال. لذلك فإنه لا يسمح بتاتا بصيام الطفل للأيام التي لم يتناول في ليلتها طعام السحور لأن ذلك يؤدي إلى إجهاده وإرهاقه وتعريضه للاجتفاف وإلى نقص حاد في معدل السكر. كذلك يجب أن يعي الآباء أن هناك تباينا كبيرا في قدرة الأطفال على تحمل تبعات الصيام. وأن هذه الاختلافات توجد حتى بين الأطفال الذين لهم نفس السن بسبب اختلاف البنية والشخصية ومستوى الحالة الصحية العامة. ويشدد الأطباء على ضرورة أخذ العوامل البيئية بعين الاعتبار، فإذا صادف رمضان فصل الصيف فإنه يعرض الطفل للجفاف بسبب نقص السوائل. أما إذا صادف فصل الشتاء فإن الجو البارد والاختلاف إلى مقاعد الدراسة يزيدان من حاجة الطفل إلى السعرات الحرارية مما يفرض تناول وجبات غنية وجيدة في الليل. كذلك ينبغي إيلاء معاملة خاصة للطفل المريض إذ يحذر الأطباء من صيام الأطفال الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل مرض الربو. ومرض التهابات الكلي المتكررة أو المزمنة التي تتطلب مد الجسم بالسوائل بشكل مستمر وكذلك أمراض السكري من النوع الأول المحتاج إلى العلاج بالأنسولين الذي قد يهبط فيه السكر إلى معدل خطير في حالة الصيام ناهيك عن الأمراض التي تتعب الجسم بصفة عامة كمرض السل وبعض أمراض الدم المزمنة، مثل الطلاسيميا وفقر الدم المنجلي وكذا بعض الأورام والسرطانات التي تحتاج لرفع المستوى العام للصحة لتقبل العلاج الذي يكون ثقيلا جدا، بالإضافة إلى بعض الأمراض الأخرى التي ليست حكرا على الراشدين والموجودة أيضا عند الطفل مثل قرحة المعدة التي في طور العلاج والتي لم تلتئم بعد وكثير من الأمراض الحادة المفاجئة التي تتطلب علاجات مناسبة وبالخصوص عدم حرمان الجسم من السوائل كالأمراض التعفنية المحمومة (التهاب اللوزتين. التهاب الشعب الرئوية .. الخ) وكالإسهال الشديد. وأخيرا ينبغي أن تكون وجبة الإفطار غنية ومتنوعة في حالة صيام الطفل حتى يتأتى له تحصيل الطاقة والحيوية اللازمة، بحيث يجب أن تحتوي على البروتينات الضرورية لمواكبة عملية النمو التي يعرفها جسده الغض . كما يتعين على الطفل أن يقتصد في حركاته وفي تمارينه الرياضية التي ينبغي أن تكون جد خفيفة ولا تتطلب مجهودا عضليا مضنيا. أما المجهود العقلي الذي تستدعيه الدراسة والتحصيل فيبقى ممكنا وخاليا من أية عواقب محتملة. وفي النهاية يجب ألا أن ننسى حساسية الطفل إزاء تعليقاتنا عند آذان الغروب، حيث ينبغي أن نشعره بقيمته وقيمة ما أنجزه وتشجيعه في حدود إمكانياته البدنية على مواصلة الصيام لتنمية حس المسؤولية لديه وتعويده على أداء هذا الركن من أركان الشريعة منذ صغره.