جاء عمر القزابري فملأ الدنيا وشغل الناس وصار حديث الألسن ووسائل الإعلام، وتابع الجميع كيف امتلأت جنبات مسجد الحسن الثاني خلال شهر رمضان لأول مرة منذ الانتهاء من بنائه لدرجة يستحيل معها إيجاد مكان فارغ في فترة ما بعد الإفطار. في الوقت الذي يفضل فيه الكثيرون الإفطار داخل المسجد لضمان وجود أماكن فارغة به للصلاة خلفه، فيما يصر الذين لا يستطيعون السفر إلى البيضاء على متابعته عبر قناة محمد السادس للقرآن الكريم التي تنقل صلاة التراويح مباشرة. سر هذا الإقبال منقطع النظير يكمن في صوت الشاب القزابري بحيث يجمع المعجبون به على أن الاستماع إلى آي الذكر الحكيم بصوت القزابري له طعم مختلف، ويستحق عناء الانتظار والسفر لسماعه. - قلت إن وفاة الوالدين رحمهما الله أثرت فيك بشكل كبير.. كيف تبلورت عندك فكرة الموت بعدهما؟ > بفضل الله لم أغفل عن الموت وتفاصيل الحياة الأخرى في حياة والدي وحتى بعد وفاتهما، غير أن فراقهما كان صعبا ومريرا والحمد لله على قدره. لقد كان اعتقادي منذ البداية أن معرفة تفاصيل الحياة الآخرة التي يعد الموت بداية لها ضرورية ومهمة لكي ينضبط سلوكنا ومفهومنا للحياة. وهو مهم كذلك للمساعدة على الثبات في مواجهة الفتن التي غدت كقطع الليل في هذا الزمن. ومعرفة تفاصيل البعث والنشور والوقوف الرهيب بين يدي الله تعالى يهون عليك مصائب الدنيا وهمومها. والله تعالى يقول في سورة الحديد « ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير، لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور». - الناس عادة ما تهرب من فكرة الموت وترفض تذكرها أو معرفة تفاصيلها، ويظهر الذين يذكرون بهذه الحقيقة على أنهم يائسون من الحياة ورافضون التمتع بجماليتها.. ما تعليقكم على ذلك؟ > المؤكد أن أصحاب شعار «اشرب والعب فالموت آت آت» يعيشون أشياء لا تتوافق حتى مع العقل الذي يدعو الإنسان لبناء مستقبله وعدم إضاعة حياته في التافه من الأمور. كلنا نعلم أن الموت حقيقة يعيشها كل إنسان، والوقوف بين يدي الله تعالى للمساءلة آت آت، إذن فالمنطق يقول بالاستعداد لذلك عوض الهروب منه. غير أن معرفة الحياة الآخرة وتفاصيلها ووجوب تأثير تلك المعرفة على سلوكنا وأسلوب حياتنا لا يعني إهمال الحياة الدنيا، فالتوازن مطلب شرعي والله تعالى يقول «وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين». الإنسان المؤمن عليه أن يعلم أن الموت بالنسبة له بداية للأفراح ونهاية للأتراح. كان أبي يقول لي عندما أسأله عن الموت «هو رحلة إلى الحبيب» ويضيف « يا ولدي أشتاق إلى الموت».. والله تعالى يقول «إلى ربك يومئذ المساق» ! - إذن ما هي الشروط التي ترى توفرها ضروريا لكي يغير المرء رؤيته إلى الموت؟ > ابتداء لا بد من التوحيد والإخلاص لله وعدم الإشراك به والاستقامة على طريق الله بحسب الاستطاعة. وهنا لا بد أن أشير إلى أن الموت كان دائما أمرا مخوفا منه حتى بالنسبة للصالحين الذين أجمعت الأمة على صلاحهم. وأنا من خلال «المساء» أدعو كافة المسلمين وخاصة الشباب منهم إلى عدم نسيان هذه الحقيقة وبالتالي الانسياق وراء الرغبات والشهوات التي تحجب فكرة نهاية الحياة. ثانيا لا بد للإنسان المسلم من توثيق صلته بكتاب الله قراءة وفهما وتفسيرا. فالقرآن يبقى صلة الوصل بيننا وبين عالم ما بعد الموت وهجرانه يتسبب في نسيانها بكل بساطة. كذلك يجب على الإنسان أن يختار رفقته ويلزم الصالحين. وكما قال ابن عطاء الله السكندري «لا تصحب من لا ينهضك حاله ولا يدلك على الله مقاله». لا بد أيضا من تخصيص وقت لزيارة المقابر وهي مساكن الآخرة التي أوصانا الرسول صلى الله عليه وسلم بزيارتها والاعتبار بها، حتى تبقى حقيقة حياتنا ماثلة أمامنا. ومما يثير الأسف في النفس هو أننا نشاهد في أحيان كثيرة البعض يغفلون عن عبر المقابر ودروسها ويتحدثون عن المشاريع والأموال حتى وهم بين أظهرها.. - الموت عند البعض فكرة تؤدي إلى ارتباك وغياب الاستقرار النفسي... > على العكس من ذلك تماما.. ترسيخ فكرة الموت في النفس وتوضيحها يبعث في النفس الطمأنينة والشعور بالراحة واليقين كونه يحدد الحجم الحقيقي للأشياء التي نعيشها فلا نخاف إلا الله تعالى، كما نشجع النفس بذلك على تجاوز المشاكل التافهة والانخراط في البناء والعمل والإحسان إلى عباد الله. مقابل ذلك فنسيان الموت يضيع الأمانة وينشر مختلف المظاهر السلبية وفي مقدمتها انتشار الغش والرشوة وهو ما يسيء إلى الكل. القضية خطيرة ومهمة جدا فالإنسان الذي لا يذكر أنه سيحاسب وأنه سيموت تغيب عنده الضوابط ولا يقف في وجهه شيء ويعمل وكأنه سيعيش أبدا دون عقاب. على الناس أن تذكر قوله صلى الله عليه وسلم «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال له رجل وإن كان شيئا يسيرا يا رسول الله؟ قال وإن قضيب من أراك».