شكلت سنة 2013 بالمغرب سنة الجدل الفكري، وسنة رحيل بعض القامات الفكرية والتشكيلية وكذا السينمائية. وبهذا يمكن وصف 2013 بسنة الرحيل. إلى جانب ذلك عرفت السنة الماضية إقامة مجموعة من الندوات واللقاءات والتظاهرات الفنية والسينمائية، وكذا صدور روايات وكتب نقدية وفكرية، وحصول بعض الفاعلين في المجال الثقافي والفني على بعض الجوائز سالم يفوت.. صوت الفلسفة والالتزام أكبر الخسارات التي عرفها المغرب الثقافي والفكري تبقى هي رحيل المفكر سالم يفوت، الذي استطاع بالالتزام المثالي وحرفية الباحث أن يؤسس، بمعية مفكرين آخرين، الدرس الفلسفي بالمغرب، إذ كان باحثا أكاديميا عتيدا في مجال البحث الفلسفي بالمغرب إلى درجة أن الفلسفة كانت بالنسبة إليه رديفا للحياة اليومية. وقد أدى الراحل عن ذلك ثمنا غاليا، حيث ذاق تجربة السجن، التي جعلته يعيد حساباته ويبتعد عن السياسة ويرتمي في أحضان الفكر بحثا وترجمة، مما جعل «السمة الأساسية للاتجاه الفكري والفلسفي للمرحوم هو الاتجاه العقلاني الحداثي، والراديكالي الذي جعل مساهمته مساهمة متميزة في إطار المدرسة الفلسفية المغربية» كما سبق أن صرح لنا بذلك محمد سبيلا. وقد خلف الراحل مجموعة من الكتب، ترجمة وتأليفا، مثل: «مظاهر النزعة الإخبارية في بنيوية ليفي – ستروس»، و«مفهوم الواقع في التفكير العلمي المعاصر»، و«الفلسفة والعلم والعقلانية المعاصرة»، و«العقلانية المعاصرة بين النقد والحقيقة»، و»فلسفة العلم المعاصر ومفهومها للواقع، و«ابن حزم والفكر الفلسفي بالمغرب والأندلس»، و«حفريات المعرفة العربية الإسلامية»، و«حفريات الاستشراق: في نقد العقل الاستشراقي»، و«الفلسفة والعلم في العصر الكلاسيكي، و»الزمان التاريخي». محمد شبعة.. رائد الحداثة الفنية بالمغرب كما ودع المغرب في السنة الماضية محمد شبعة، الذي فارق الحياة يوم 24 يوليوز 2013، والذي كان واحدا من آباء الفن التشكيلي الأساسيين، وخلف وراءه سجلاً حافلاً بالعطاء والإنتاج التشكيلي، سواء على مستوى التنظير أو الممارسة، إلى جانب تجربته البيداغوجية الكبيرة ودفاعه عن الدرس الجمالي والتراثي ضمن منظور تربوي شمولي أسسه على خيارات تحديثية تروم دمج الفن في الحياة اليومية، كما يقول أحد نقاد الفن بالمغرب. ولد محمد شبعة سنة 1935 بطنجة، وتابع دراسته بمدرسة الفنون الجميلة بتطوان، والتحق سنة 1962 بروما، حيث واصل تكوينه بأكاديمية الفنون الجميلة إلى حدود سنة 1964. وقد عيّن سنة 1966 أستاذا بمدرسة الفنون الجميلة بالدار البيضاء، وكذلك أستاذا بالمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بالرباط. وقد انضمّ إلى اتحاد كتاب المغرب سنة 1968، وساهم في الحركة التشكيلية من خلال مجموعة من المعارض الشخصية والجماعية بالمغرب وفي العالم. وساهم الراحل في وضع لبنات مشروع رؤية جديدة للفن والثقافة والمجتمع عبر مجلة «أنفاس» سنة 1965، حيث أسس رفقة محمد لمليحي وفريد بلكاهية حركة طليعية في الفن أطلقوا عليها اسم: جماعة 65. وقد عاش الراحل تجربة السجن، حيث اعتقل ضمن حملة شملت نشطاء الحركة اليسارية الراديكالية آنذاك بالمغرب، أمثال عبد القادر الشاوي وعبد اللطيف اللعبي. كتب عنه حسن نجمي في العمل التوثيقي «الوعي البصري بالمغرب» الذي صدر في يوليوز 2001، تحت عنوان «محمد شبعة، جدلية الفني والثقافي»: «لا حاجة لتقديم الفنان التشكيلي المغربي الكبير محمد شبعة. أو بالأحرى، لا داع لتقديمه من جديد. فالساحة التشكيلية، والساحة الثقافية الوطنية بشكل عام، تعرفه كأحد رواد فن التصوير بالمغرب ومن أكثرهم وعيا بجدل الثقافي والفني، وبعمق الوشائج التي تربط الجمالي -بماهو جسدي- بالسياق العام للمجتمع، ثقافيا وحضاريا وتاريخيا..إن جانبا من مسار حركتنا التشكيلية المعاصرة يتصل بالمسار الفني للفنان محمد شبعة وثلة من أبناء جيله. ويصعب اليوم بالنسبة لمؤرخ الفن المغربي أو لباحث في تطورنا الثقافي والفني أن يقرأ تجربتنا المغربية بدون أن يقرأها من خلال أسمائها ورموزها الأساسية وضمنها، بل في مقدمتها، الفنان محمد شبعة». وجوه سينمائية ترحل هي الأخرى الساحة الفنية والسينمائية رزئت هي الأخرى في سنة 2013 برحيل عدد من الوجوه السينمائية التي بصمت المشهد السينمائي والدولي أيضا ببصمة خاصة، كان في مقدمتها حميدو بنمسعود ومحمد مجد، إضافة إلى حسن مضياف ومحمد بنبراهيم ومحمد الحبشي. كما عرفت السنة الماضية رحيل الناقدين السينمائيين محمد الدهان وإبراهيم آيت حو، إضافة إلى رئيس لجنة دعم الأعمال السينمائية الباحث إدريس بنعلي، الذي عوضه الكاتب المسرحي عبدالكريم برشيد. جوائز السنة وبعيدا عن مرارة الفقد والفجيعة عرفت السنة التي نودعها فوز الشاعر محمد بنيس بجائزة «ماكس جاكوب». فيما حصلت الصحافية والكاتبة كنزة الصفريوي والمحلل النفساني جليل بناني على جائزة الأطلس الكبير2013 في فئتي كتابات فرانكفونية وجائزة «كيل تير تيك» على التوالي التي يمنحها الجمهور، وقد تم تتويج كنزة الصفريوي عن عملها المعنون بمجلة أنفاس «آمال الثورة الثقافية في المغرب»، وجليل بناني عن كتابه «طبيب نفساني في المدينة»، وفي صنف الترجمة توج كتاب «الإسلام واليومي» لمحمد رشيق ومحد الطوزي ومحمد العيادي، وهو بحث اجتماعي ميداني عن الدين في اليومي المغربي. كما عرفت السنة التي نودعها فوز ثلاثة كتاب مغاربة بجوائز ابن بطوطة للأدب الجغرافي في دورتها التاسعة (2013-2014)، والتي يمنحها المركز العربي للأدب الجغرافي «ارتياد الآفاق». إذ عادت جائزة فرع تحقيق المخطوطات للمغربي نور الدين شوبد عن تحقيقه «الرحلة الحجازية» لأبي عبد الله محمد بن الطيب الشرقي الفاسي، وهي من أمهات الرحلات المغربية إلى الحج في القرن الثامن عشر. فيما فازت المغربية مليكة نجيب بجائزة فرع الدراسات عن كتابها «المرأة تمثلا وتمثيلا في الرحلة السفارية المغربية خلال القرنين 18 و19»، الذي تتناول فيه مظاهر حضور المرأة في كتابات الرحالة إلى أوروبا في تلك الفترة. في حين فاز عبد العزيز الراشدي بجائزة الرحلة المعاصرة عن كتابه «سندباد الصحراء»، وهو عبارة عن نصوص رحلية إلى مدن غربية وعربية. وخلال السنة فاز عادل حدجامي بجائزة الشيخ زايد للكتاب «فرع المؤلف الشاب» (2012-2013) التي ترعاها هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة بدولة الامارات العربية المتحدة وذلك عن كتابه «فلسفة جيل دولوز في الوجود والاختلاف» الصادر عن منشورات دار توبقال بالمغرب سنة 2012 . ويسجل خلال هذه السنة أيضا فوز الكاتب فؤاد العروي بجائزة غونكور للقصة القصيرة لسنة 2013 عن «قضية سروال الدسوكين الغريبة» إصدارات إبداعية ومعرفية وعلى مستوى الإصدارات صدرت خلال السنة الماضية مجموعة من الكتب في مجالات إبداعية ومعرفية مختلفة، يمكن ذكر بعضها على سبيل التمثيل لا الحصر: «أتكلم جميع اللغات لكن باللغة العربية» لعبد الفتاح كيليطو. الكتاب قام بترجمته إلى اللغة العربية الباحث والمترجم عبد السلام بنعبد العالي. وفيه يتحدث كيليطو عن أن كل متكلم يتحدث جميع اللغات الأجنبية لكن انطلاقا من لغته.و يدعو كيليطو في كتابه إلى ضرورة إتقان اللغة الأصل قبل الانتقال إلى تعلم اللغات الأخرى. وعن منشورات دار توبقال، بتعاون مع كلية الآداب والعلوم الإنسانية، صدر كتاب جماعي عن كيليطو بعنوان «عبد الفتاح كيليطو، متاهات القول»، وهو عبارة عن ندوة علمية نظمتها الكلية بمشاركة ثلة من الباحثين والنقاد المغاربة والأجانب. وتناول الكتاب مختلف أوجه كيليطو في مجال البحث الأدبي والمنهجي. وقد خلصت أبحاث الكتاب إلى أن فرادة أعمال كيليطو تتجلى في تجاوزه الحدود الأجناسية المتداولة وتأسيسه جنسا أدبيا فريدا. كما صدر كتاب «السرد والسرديات في تجربة النقد سعيد يقطين»، الذي أشرف عليه شرف الدين ماجدولين، وقد شارك فيه نقاد من المغرب وخارجه. والكتاب عبارة عن ندوة علمية نظمتها مديرية الثقافة بمدينة شفشاون شمال المغرب. وفي مجال الرواية صدرت لعبد الرحيم جيران رواية «كرة الثلج»عن دار الآداب ببيروت. وهي رواية تحكي عن السنوات الصعبة في مغرب السبعينيات واستمرت حتى الثمانينيات، والتي عرفت ب«سنوات الرصاص». وصدر لمحمود عبد الغني رواية «الهدية الأخيرة» عن المركز الثقافي العربي ببيروت، وفازت بجائزة المغرب للكتاب. وهي رواية تحكي عن مصائر شخصيات يجمعها فن التصوير الفوتوغرافي. أما الروائي بنسالم حميش فقد أصدر عن دار الشروق المصرية رواية «امرأة أعمال»، إضافة إلى غيرها من الأعمال. أهم المحطات الثقافية والفنية عرفت سنة 2013 الثقافية والفنية عدة تظاهرات لا تختلف في حجمها وفي مضمونها عن السنة الماضية، إلا في حالات استثنائية. ففي المجال الموسيقي وعلى سبيل الاستثناء، انعقدت خلال هذه السنة الدورة التاسعة عشرة لمهرجان فاس للموسيقى العريقة العالمية، تحت شعار «فاس الأندلسية»، تخللتها عروض لفنانين من المغرب، مصر، موريتانيا، تركيا، اليونان، إسبانيا، البرتغال، فرنسا، أمريكا الشمالية، إفريقيا الجنوبية والهند. وقد استطاع هذا المهرجان أن يؤكد حضوره وفاعليته لما استطاع أن يقوم به من استقطاب واسع للزوار. وفي المجال السينمائي، نظمت الجمعية المغربية لنقاد السينما، بالمعرض الدولي للكتاب بالدار البيضاء، ندوة بعنوان «هل هناك قطيعة بين الأدب المغربي والسينما المغربية؟ لأجل الانفتاح وربط جسور التواصل مع باقي الفنون الأخرى. كما نظمت جامعة محمد الخامس أكدال الرباط والجمعية المغربية لنقاد السينما ندوة في موضوع «السينما والتاريخ» وسؤال المرحلة. فيما نظمت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والمركز السينمائي المغربي والمكتبة الوطنية يوما دراسيا في موضوع «الإبداع السينمائي في خدمة الذاكرة التاريخية للمقاومة الوطنية» بهدف إخراج تاريخ الكفاح الوطني من رفوف مكتبات وخزانات الأرشيف المصور والاشتغال عليه كمادة علمية. أما على مستوى العرض فقد عرضت القاعات السينمائية شريطين متميزين لهذه السنة: الأول بعنوان «القمر الأحمر»، الذي يحكي سيرة المبدع عبد السلام عامر الذي طاله النسيان، والثاني تحت عنوان «يوم وليلة»، الذي يحكي عن امرأة بربرية تغادر القرية للبحث عن زوجها بالمدينة في ظروف صعبة، إضافة إلى أفلام أخرى، من بينها «زمن الإرهاب» لسعد الله عزيز، و»روك القصبة» لليلى المراكشي، و»سارة» لسعيد الناصري، و»يما» لرشيد الوالي. ولعل ما ميزت سنة 2013 هو تكريم الفنان المغربي محمد خيي بمهرجان مراكش كحدث اعتبر إضافة نوعية للإبداع المغربي في هذا المجال، إضافة إلى صدور الكتاب الأبيض حول السينما بالمغرب، الذي تضمن مجموعة من التوصيات، التي ستناقش وستعدل من طرف المهنيين في الدورة 15 للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة لسنة 2014. أما أهم الأحداث التي بصمت هذه السنة تشكيليا فهي تظاهرة «السامبوزيوم الدولي للفن المعاصر» لحوض المتوسط والشرق الأوسط بدار الفن المعاصر بضواحي أصيلة، الذي نظمته الجمعية المغربية للفن والثقافة. وقد مكنت هذه التظاهرة من الانفتاح على تجارب عدد من الدول العربية والغربية، منها سوريا، الأردن، سلطنة عمان، العراق، تونس، مصر، إسبانيا، النمسا، إيطاليا والمغرب. إضافة إلى المعرض الذي نظم بمتحف بنك المغرب بعنوان «الفن كحركة قصوى» بعد عشر سنوات عن رحيل الفنان محمد القاسمي، وبعد الحل الذي آلت إليه مشكلة وراثة أعماله منذ وقت قصير. كما كان هناك معرض جماعة أرض، في إطار تيمة بعنوان «التعبير الرعوي»، الذي نظم بمدينة مراكش، والمعرض الجماعي حول تيمة الفرس، الذي تم الاشتغال عليه بمدينة آزمور وعرضه بمدينة الجديدة من طرف أسماء وازنة في التشكيل المغربي الحديث، في إطار عمل جماعي كان الغرض من إنجازه هو انصهار الذوات في الذات الواحدة. بالإضافة إلى معرض جماعي آخر بالمكتبة الوسائطية بمسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء، جمع بين 45 فنانا من تيارات مختلفة، في إطار شهر التضامن مع الفنان، من أجل مساعدة الفنانين الذين يمرون بظروف صعبة ولا يتوفرون على مسكن. بالإضافة إلى ذلك عرفت السنة الماضية افتتاح معرض جماعي بأحد الأروقة بالدار البيضاء ساهم فيه كل من: عبد الكريم الغطاس، عبد الرحمان رحول، عبد القادر لعرج وعبد الرحمان وردان. وقد اعتبر هذا اللقاء الجماعي محاولة لتنويع المجال البصري، بمختلف مشاربه التقنية والموضوعية، للانفتاح على المتلقي بحلة جديدة ومغايرة، تستدعي التفكير وتحيين الأسئلة الجوهرية في التشكيل المغربي. كما عرفت بعض القاعات عروضا تشكيلية جماعية وفردية استثنائية متنوعة، من أهمها معرض التلصيق أو الكولاج بفيلا الفنون بالدار البيضاء لكل من بشير أمال، رجاء الأطلسي، عبد الله الديباجي، عبد الكريم الأزهر وأحمد حجوبي، ثم معرض لثلاثة فنانين عصاميين من مدينة الصويرة، تحت عنوان «نشوء»، ومعرض بالرباط لكل من الفنان فؤاد بلامين برواق (كولت)، وعبد الحي الديوري تحت عنوان «آر كلاش ArtClash»، بعد أول معرض شخصي له منذ ثمان سنوات، حيث عاد محملا بعدد من الأفكار والاقتراحات التي تحمل أسئلة تحيينية عن علاقة الإنسان بالتكنولوجيا من خلال تجهيزات كبيرة الحجم، تم توزيعها على مكان داخلي بباب الرواح وآخر خارجي بالمكتبة الوطنية، كمحاولة لخلق حوار ثقافي اقتصادي واجتماعي في علاقته بتأثير تطورات هذه التكنولوجيا على الحياة العامة، مع إبراز أضرارها على حياة الإنسان في علاقته باليومي، ثم التيباري كنتور وعبد الكبير ربيع وفريد بلكاهية بالدار البيضاء، كما تم الاحتفاء بالفنان الحسين طلال من طرف جمعية «مهن وفنون»، مع تنظيم معرض تشكيلي جماعي تحت شعار «الحق في الحلم»، تكريما له كأحد الوجوه البارزة في الفن المعاصر. أما على صعيد الكتابة والنقد التشكيلي فقد صدرت للفنان والناقد إبراهيم الحيسن ثلاثة إصدارات، أولها «المرأة في الأمثال الشعبية الحسَّانية/ رْزَقْ لَمْرَ تَحْتْ كَايْمَتْتَهَ»، وثانيها يحمل عنوان «الشعري والتشكيلي/ المعايشة الجمالية بين اللفظي والمرئي» ويرسم العلاقة بينهما. في حين كان الكتاب الثالث بعنوان «الجمالية..والإيديولوجيا/ عن العلاقة المتشابكة بين الفن والسياسة». وأخيرا عرفت مدينة المحمدية، بتنظيم من جمعية الثقافات والفنون، لقاءً هاما بعنوان «لقاء الكتابة والتشكيل»، حيث جمع هذا اللقاء بين فنانين ونقاد تشكيليين، وشعراء وكتاب وباحثين، عمل كل واحد منهم على مقاربة الموضوع من زاوية اهتمامه أو اشتغاله. فكما كان للنقد التشكيلي، وللمقاربة التصويرية الجمالية، دورها في ملامسة الموضوع، كان للبحث الفلسفي والبحث الأدبي دورهما، أيضاً، مما جعل موضوع اللقاء يكون مفيداً ومفتوحاً على مداخل متعددة ومتنوعة. العروي..يخرج من مقبعه أبرز ما يمكن تسجيله خلال سنة 2013 هو خروج عبد الله العروي من مقبعه ليدلي بدوله في الدعوة إلى اعتماد الدارجة كلغة في التعليم الأولي، التي تقدمت بها جمعية «زاكورة» لصاحبها نور الدين عيوش، الذي أكد على ضرورة استعمال اللغة الأم في التعليم الأولي والابتدائي في تعليم الأطفال بدل اللغة العربية الفصحى، معتبرا أن الطفل يجد صعوبة في التواصل مع المعلم الذي يستعمل لغة مختلفة عن تلك التي يسمعها في البيت، مما يؤدي، في نظره، إلى ارتفاع نسبة الهدر المدرسي في صفوف التلاميذ لكون المدرسة «لا تعترف بشخصية الطفل». فيما رأى العروي أن الدعوة إلى استعمال الدارجة في التعليم الأولي «مبادرة نافلة، حيث إنه في الثلاث سنوات الأولى من التعليم يتم التواصل مع الأطفال بالدارجة، وبالتالي فما دعت إليه المناظرة يوجد على أرض الواقع». وأكد أن «العقبة الرئيسية أمام استعمال اللغة الدارجة أو العامية في التدريس مرتبطة بالحرف الذي ستكتب به هذه اللغة»، مشيرا إلى أن الإدارة الاستعمارية الفرنسية كانت قد شكلت في 1934 لجنة تضم عددا من الخبراء لبحث سبل ترسيم اللغة الدارجة كلغة وطنية بالمغرب، فكان جواب اللجنة أن ذلك أمر غير قابل للتطبيق. وأيد العروي هذه الفكرة بالتأكيد بأن» استعمال الدارجة لفترة تتراوح ما بين ثلاث وست سنوات لا يطرح أي مشكل «، مشيرا في هذا السياق إلى أن « سر تفوق بعض البلدان في أوروبا كالدنمارك راجع إلى اهتمامها بالتعليم الأساسي»، غير أنه أكد على ضرورة التعامل مع العامية كوسيلة فقط لتسهيل وتوضيح وإيصال المعلومات. كما أشار العروي في المقابل إلى ضرورة تبسيط تدريس اللغة العربية، مؤكدا على ضرورة تنظيم دورات تكوينية لفائدة الأساتذة من أجل تلقين لغة عربية مبسطة يسهل على الطفل فهمها واستيعابها. وأيد العروي طرحه من خلال رفضه اعتبار الدارجة لغة وطنية، معتبرا أن الدارجة لا تستطيع أن تكون لغة ثقافة في مستوى اللغات الأجنبية. وقد أدى طرح الدراجة كلغة بديلة في التعليم الأولي إلى خروج مثقفين آخرين من أجل إبداء آرائهم حول هذه الدعوة كما هو الحال مع الباحث اللغوي واللساني عبد القادر الفاسي الفهري، والروائي بنسالم حميش، وأحمد شحلان وغيرهم. وصبت آراء هؤلاء في عدم صلاحية دعوى عيوش وابتعادها عن الواقع، بل إن بعض الفاعلين وصفوها بخدمة أجندة استعمارية. وهذا النقاش حول الدارجة والعربية أدى إلى توقيع شخصيات حزبية وثقافية على مذكرة تم توجيهها إلى الملك يقترحون فيها خطة لإصلاح التعليم. . أعد الملف - ط .حمزاوي ش. الزكاري