آل الفاسي الفهري لا يوجدون فقط في وزارة الخارجية ووكالة توزيع الماء والكهرباء وشركة الطرق السيارة، بل أيضا في دواليب وزارة الداخلية. وبالأمس ظهر إلى الوجود أحد أعضاء «الحكومة الفهرية»، وهو محمد الفاسي الفهري، الوالي المدير العام لمفتشية الإدارة الترابية، لكي يزف للصحافيين خبرا سعيدا ظل المغاربة ينتظرونه زمنا طويلا. فقد قال وهو يعلن عن قرار وزارة الداخلية عزل بلكورة رئيس المجلس الجماعي لمكناس وإحالة ملفه على القضاء، أن «الدنيا ما سايباش». والحقيقة أن سيادة الوالي طمأن المغاربة على مستقبلهم بهذه الجملة، لأن الجميع كان يعتقد أن البلاد «سابت»، خصوصا عندما يرى المواطنون أطنان التقارير التي تنجزها المؤسسات العمومية وأجهزة الدولة والمجلس الأعلى للحسابات، تذهب نحو الأرشيف لكي تأكلها الرطوبة، في الوقت الذي يستمر فيه كل أولئك المسؤولين الذين تتحدث عنهم التقارير في أكل الميزانيات. من حق وزارة الداخلية أن تستعمل سلطتها في عزل رؤساء المجالس الجماعية عندما تتأكد من أنهم قاموا بخرق القانون، ويبقى اللجوء إلى القضاء في مثل هذه النوازل السلوك الأكثر تحضرا في الدول التي تحترم مؤسساتها. وطبعا يبقى المتهم بريئا حتى تثبت إدانته. طبعا إذا حافظ القضاء على نزاهته واستقلاليته. لكن عزل رئيس المجلس الجماعي لمكناس، واقتياده أمام القضاء، وإعلان البلاد منطقة خالية من «السيبة»، يطرح أسئلة محرجة بالنسبة للداخلية والقضاء على حد سواء. فبلكورة قد يكون متورطا في خروقات غير قانونية، وهذا ما سيثبته القضاء في حقه أو سينفيه عنه. لكن لماذا لم يطل الوالي الفاسي الفهري على الصحافيين عندما صدر تقرير المجلس الأعلى للقضاء الذي يعدد خروقات وتجاوزات البحراوي والي الرباط وأعضاء معه في مجلس المدينة. ولماذا لم يصدر عن سعادة الوالي أي تعليق عندما صدر تقرير المجلس الجهوي للقضاة بفاس وعدد تجاوزات وخروقات عمدة فاس ومجلس مدينته. ولماذا لم يتحرك وزير العدل عندما اتهم عمدة فاس بعض أعضاء المجلس بالإرهاب. ولماذا لم يتحرك أحد في الداخلية أو العدل عندما صدر التقرير الأخير للمجلس الأعلى للقضاة والذي يعدد الخروقات بالمئات في مؤسسات عمومية كثيرة يتم تمويلها من جيوب دافعي الضرائب. نحن نريد أن نصدق مدير المفتشية العامة بوزارة الداخلية عندما يقول بأن البلاد «مسايباش». ولذلك نتمنى أن تفتح مصالح وزارته بتنسيق مع وزارة العدل تحقيقا شفافا ودقيقا في الأطنان من التقارير المرفوعة إليهم من طرف قضاة المجلس الأعلى للحسابات. فدراهم الشعب لها نفس الرنين، سواء كانت في مكناس أو فاس أو الرباط أو الزغنغن. والمسؤولون وممثلو السكان يجب أن يكونوا جميعهم سواسية أمام القانون، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية وولاءاتهم العشائرية أوالقبلية. ألم يصل مثلا إلى أسماع وزارة الداخلية أن رئيس المجلس البلدي لأكادير، طارق القباج، حول سنة 2006 بقعة كانت في تصميم سنة 2000 موقفا للسيارات إلى مجمع سياحي بتجزئة «صونابا». ألم يتناهى إلى أسماع الداخلية أن نائب رئيس المجلس البلدي بأكادير فوت أراضي لستة موظفين يشتغلون معه في مصلحة التعمير والممتلكات بسبعة ملايين للبقعة، فأعاد بعضهم بيعها بثمانين مليون. وأن هذه الأراضي نفسها كانت مبرمجة خلال المجلس السابق كأرض مخصصة بموقف للسيارات. هكذا ربح بعضهم سبعين مليونا في «دقة» واحدة. المغاربة سيصدقون بأن بلادهم ليست سائبة عندما سيرون جميع المسؤولين المشكوك في اغتنائهم السريع مجبرين على الإجابة عن سؤال واحد أمام القضاء، من أين لكم هذا. والداخلية، تبارك الله، بمصالحها وشبكة اتصالاتها تعرف أسماء كل هؤلاء المسؤولين الذين دخلوا الوزارات والإدارات العمومية ربنا خلقتنا وخرجوا منها غير قادرين حتى على المشي بسبب بطونهم التي تدلت من فرط أكل أموال الشعب. هناك وزراء يعرفهم الجميع، كان بعضهم قبل تسلم الحقيبة الوزارية يسكن في بيت للكراء من عيار «حبس كرف»، ويلبس قمصانا مأكولة العنق، وعندما قضى في الحكومة خمس سنوات أصبح يلعب بالملايير ويربي، بالإضافة إلى «الحنيكات»، أنواعا نادرة من الأبقار والخيول. ألا يستحق أمثال هؤلاء المتابعة بتهمة «الاغتناء الشخصي» التي يتابع بها بلكورة. هل يسمح راتب وزير في المغرب بظهور كل هذه النعم على بعضهم، بحيث يتحولون في ظرف خمس سنوات إلى أصحاب شركات في العقار والمواد الغذائية والفلاحية، «يلعبون» بالملايير. سيصدق المغاربة بأن بلادهم ليست سائبة عندما يقف كل من يخالف القانون ويعتدي على مصالح المواطنين وسلامتهم الجسدية أمام القضاء، ليحاكم على أفعاله ويأخذ العقاب الذي يستحق. سيصدقون أنهم ليسوا في بلاد «السيبة» عندما سيأتي اليوم الذي يرون فيه ابن الوالي السكران الذي يدهس مواطنا بسيطا بسيارته، يقضي عقوبة في السجن بسبب جريمته. وليس فترة نقاهة في مستشفى للأمراض العقلية، ما يكفي لتبرد القضية ويدفن أهل الضحية جثمانهم ويدفنوا معه حزنهم إلى الأبد. سيصدق المغاربة أنهم ليسوا في بلاد «السيبة» عندما يأتي اليوم الذي يكف فيه أبناء «الفشوش» عن استعمال سياراتهم الفارهة والمصفحة لدهس عظام مستخدميهم البسطاء كلما طالبوا برواتبهم التعيسة. سيصدق المغاربة أنهم ليسوا في بلاد «السيبة» عندما يرون ابنة النقابي الكبير المحجوب بن الصديق محبوسة مع بنات الشعب في السجن بانتظار محاكمتها على اعتدائها السافر على سلامة الناس. سنصدق جميعا أننا لسنا في بلاد «السيبة» إذا كفت محاكم المملكة عن قبول شهادات الخرف والجنون والحمق من كبار المسؤولين وأبنائهم المدللين الذين يتدربون على «الرالي» في الشوارع ويدوسون كرامة الناس وأجسادهم بلا خوف من المتابعة. فهم قادرون على شراء المحكمة بكراسيها وقضاتها، وقادرون على شراء تنازل الضحايا وكرامتهم، وقادرون على شراء ذمم الصحافيين حتى يغلقوا جيدا أفواههم لكي لا يدخلها الذباب. وبمناسبة الحديث عن شواهد الحمق والجنون، وبما أن وزارة الداخلية قامت بعزل ثمانية عشر رئيس جماعة في مختلف مناطق المغرب، فلماذا لا تكمل الوزارة خيرها وتفتح تحقيقا حول المستشارين الجماعيين وبعض رؤساء المجالس، خصوصا في الشمال والشرق الذين عاشوا فترة طويلة من حياتهم في هولندا وبلجيكا وألمانيا وعادوا إلى المغرب وترشحوا في الانتخابات وفازوا بمقاعد في الجماعات المحلية والقروية. وهاهم اليوم ينخرطون في حملة سابقة لأوانها لتجديد الثقة فيهم خلال الانتخابات المقبلة كمستشارين جماعيين أو رؤساء المجالس. وربما ستتساءلون عن علاقة هؤلاء المستشارين بالجنون والحمق. والجواب هو أن بعضهم ليست لديه من شهادة أخرى في ملفه سوى شهادة الحمق المسلمة من أحد مستشفيات المملكة. وهذه الشهادة يدلون بها للمؤسسات الاجتماعية التابعة لوزارة الشغل في هولندا على وجه الخصوص، وذلك بغرض إثبات فقدان الأهلية والحصول على تعويضات شهرية بالملايين إلى حين بلوغهم سن التقاعد. وبفضل هذه الملايين بالضبط استطاعوا أن يضمنوا الفوز بمقاعدهم في المجالس الجماعية. وعلى الرغم من أن المستشفيات العمومية سلمت بعضهم شواهد تثبت حمقهم فإنهم يوقعون على المحاضر والشيكات ويديرون مصالح المواطنين كأشخاص لديهم أهلية للقيام بذلك، في الوقت الذي تقول فيه الشواهد الطبية التي أدلوا بها للهولنديين أنهم «شوية لاباس». فالشواهد الطبية التي تثبت الجنون والحمق لم تعد صالحة فقط للإفلات من العقاب في المغرب، بل أيضا لجلب العملة الصعبة لخزينة المغرب. سيصدق المغاربة أن الدنيا ليست «سائبة»، في اليوم الذي يتم فيه تعميم لائحة بأسماء هؤلاء «الحمقى والمغفلين» الذين يستغلون سهولة الحصول على شواهد طبية لإثبات كل الأمراض والعاهات، من أجل جني الملايين كل شهر بالعملة الصعبة لتمويل حملاتهم الانتخابية السابقة لأوانها وراء ظهر الداخلية. «شفتي أسي الفاسي الفهري، هادي مكانتش فراسك، المهم هاهيا فراسك دابا».