يعتبر الراحل محمد الدهان، 31 دجنبر 1953 – 17 فبراير 2013، أحد كبار الجمعويين والنقاد السينمائيين المغاربة، الذين ناضلوا على الواجهة الثقافية داخل حركة الأندية السينمائية و خارجها وساهموا، على امتداد عقود من الزمان، في نشر الثقافة السينمائية على نطاق واسع، عبر الأندية السينمائية والجامعة المغربية ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة والورقية والإلكترونية. لقد مارس التنشيط السينمائي منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي بمكناسوالرباط ومدن أخرى داخل ”الاتحاد المغربي للنوادي السينمائية” وبعده في إطار ”الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب” ، التي يعتبر أحد مؤسسيها البارزين يوم 11 مارس 1973، إلى جانب الأستاذ نور الدين الصايل وآخرين، وراكم تجربة معتبرة في تنشيط جلسات مناقشة الأفلام وفي تسيير الندوات العلمية المرتبطة بتخصصه السوسيولوجي أو المشاركة فيها. إلا أن ما يلاحظ عليه وعلى غيره من كبار أسماء حركة الأندية السينمائية بالمغرب وثلة من المثقفين المغاربة البارزين، هو ندرة نصوصه النقدية والثقافية والعلمية المنشورة، مقارنة مع تدخلاته الشفوية العديدة في المهرجانات السينمائية التي اعتاد حضورها بانتظام، كالمهرجان الوطني للفيلم بطنجة ومهرجان السينما الإفريقية بخريبكة ومهرجان سلا الدولي لفيلم المرأة وغيرها. فلم يعط الراحل قيد حياته أهمية كبرى لتدوين أفكاره وتحليلاته ومواقفه وتصوراته لواقعنا الثقافي والفني، ورقيا أو إلكترونيا ، إلا في السنوات الأخيرة، حيث نشر بعض المقالات والأبحاث السوسيولوجية والسينمائية وفتح مدونة خاصة به على الشبكة العنكبوتية، منذ نونبر 2009، ضمنها بعض كتاباته المتمحورة حول السينما والتلفزيون تاريخا ونظرية وأخبارا وتغطيات، وغير ذلك. لقد تربى محمد الدهان في أحضان حركة الأندية السينمائية منذ كان تلميذا بالثانوي في مكناس، وزاد ارتباطه بهذه الحركة عندما انتقل إلى الرباط لمتابعة دراسته الجامعية في الفلسفة وعلم الاجتماع وعلم النفس والأنتروبولوجيا وغيرها من العلوم الإنسانية، حيث تحمل مسؤولية التسيير في مكتب نادي الرباط السينمائي وفي أول مكتب وطني لجامعة الأندية السينمائية برئاسة صديقه نور الدين الصايل وعضوية الراحل غازي فخر وآخرين، وكان واحدا من الذين أسسوا تظاهرة السينما الإفريقية بخريبكة سنة 1977 إلى جانب الصايل وغازي وأطر النادي السينمائي بخريبكة والمكتب الشريف للفوسفاط كعبد الحق بوزيد وغيره. شاهد الراحل الدهان المئات من روائع السينما العالمية وقرأ العديد من الكتب والمجلات السينمائية، وشارك في جملة من الندوات ولجن التحكيم والمهرجانات السينمائية الوطنية والأجنبية، ونشط العديد من جلسات مناقشة الأفلام ونظم تظاهرات علمية جامعية ونشر بعض المقالات في منابر مختلفة وأنتج ونشط من 1987 إلى 1990 برنامجا تلفزيونيا بعنوان ”الشاشة الكبرى” بالقناة الأولى للتلفزيون المغربي، استضاف من خلاله العديد من وجوه السينما الوطنية والعربية والعالمية. وكان حضوره في أي مهرجان سينمائي يعتبر مكسبا نظرا لما كان يضفيه من حيوية ملحوظة على الجوانب الثقافية للمهرجان، بفضل ثقافته السينمائية الموسوعية وتدخلاته العميقة في الندوات وجلسات مناقشة الأفلام وغيرها. كرم علميا يومي 3 و4 ماي 2012 بكلية الآداب والعلوم الإنسانية أكدال بالرباط، حيث كان يعمل أستاذا للتعليم العالي متخصصا في السوسيولوجيا، وسيكرم سينمائيا في الدورة 16 لمهرجان السينما الإفريقية بخريبكة، الذي ترأس لجنة تحكيم مسابقة دورته الخامسة عشر سنة 2012، وذلك بعد تأبينه من طرف الجامعة الوطنية للأندية السينمائية بالمغرب، رفقة صديقه غازي فخر عبد الرزاق، في مجلسها الوطني التاسع عشرة المنعقد بالدار البيضاء. نتمنى أن يتم التفكير بجدية في تجميع نصوصه النقدية والصحافية ودراساته العلمية المبعثرة هنا وهناك في كتب ليستفيد منها عشاق السينما والطلبة وغيرهم.