منذ عدة أشهر قرر التقنيون الطبوغرافيون التوقف عن العمل في جميع مصالح المحافظات العقارية، والسبب، حسب الجمعية التي تمثلهم، هو أن العديد من المقتضيات القانونية تعتبرها هذه الفئة «مجحفة» في حق التقنيين، وتعطي المهندس المساح الطبوغرافي مهمة إعداد الدراسات والعمليات والتصاميم والوثائق التي ترجع إلى وضع الخرائط. لكن هيئة التقنيين تقول إن العدد المحدود للمهندسين الطبوغرافيين بالمغرب جعل التقنيين يقومون بمهام أكبر مما خوله لهم القانون، وبالتالي فهم يتساءلون: إذا كانت الوكالة تعترف بكفاءة التقني الطبوغرافي ولا تشكك في ذلك، فلماذا لا تسلم لهؤلاء التقنيين الطبوغرافيين شهادة الكفاءة المهنية لهذه المهام التي يزاولونها؟ سؤال أجابت عنه الحكومة بمشروع تعديل بعض بنود القانون، التي ستخول للتقنيين إنجاز مهام التحديد مثلهم مثل المهندسين، وهو ما أثار حفيظة هؤلاء. أعدت الحكومة مشروع تعديل قانون يهدف إلى إدخال تغيير أساسي في مجال التحفيظ العقاري، فيما يتعلق بالجانب المتعلق بعمليات التحديد. ويسمح مشروع القانون 57.12، في صيغته الحالية، للتقنيين بإنجاز مهام التحديد، التي تعتبر من الاختصاصات الحصرية للمهندس المساح الطبوغرافي. وترى الهيئة الوطنية للمهندسين الطبوغرافيين أنه من خلال توسيع إحدى الصلاحيات الأساسية لجهاز مهني يعمل تحت مسؤولية ومراقبة المهندس، فإن هذا النص لم يقم فقط بإعادة ترتيب قانوني بسيط وإنما، على العكس من ذلك، قام بإعادة بناء منهجي لأحد الأسس التي تضبط في الوقت ذاته السلامة القانونية لممارسة مهنة المهندس المساح الطبوغرافي، والعلاقة مع طالبي التحديد بشكل عام، أي المواطنين. التعديل الذي أجج الصراع يقول المشروع حرفيا: «يمكن للمحافظ على الأملاك العقارية أن ينتدب لإنجاز عمليات التحديد (...)، تقنيا طبوغرافيا محلفا...». وحسب المهندسين، فإن التعديل الذي تعتزم الحكومة إدراجه سيحدث قطيعة مزدوجة على المستويين المعياري والمهني، ومع المنظومة القانونية المنظمة لمهنة المهندس المساح الطبوغرافي، التي يشكل فيها التحديد قطعة مركزية في فسيفساء التحفيظ العقاري. فعلى المستوى المعياري، يتناقض هذا التعديل تناقضا صارخا مع الفصل 19 من القانون 14.07 والفصول1 و3 و25 على الخصوص من القانون 30.93 المنظم لمهمة التحديد ولمهام المهندس المساح الطبوغرافي، بما في ذلك تحديد الأملاك العقارية. فحين توضح هذه النصوص الأساسية الطابع عالي الكفاءة لممارسة مهنة المهندس المساح الطبوغرافي، وعلاقتها المباشرة بالمسؤولية الملازمة للخبرة والهندسة، فإن التعديل اليتيم الذي تريد الحكومة الحالية إدخاله ذو طابع تراجعي، تضيف هيئة المهندسين، في الوقت الذي كانت المهنة دائما متميزة بالانسجام القانوني والاستمرار التنظيمي. وبهذه الصفة المزدوجة، فإن تحديد الملكية العقارية لا يمثل فحسب العنصر المركزي الذي فوضه المشرع، منذ 1913، بشكل حصري للمهندس المساح الطبوغرافي، بل هو كذلك النقطة المركزية في تفعيل المسؤولية (المدنية والجنائية)، في الإطار الشامل للحكامة الاقتصادية والاجتماعية المتعلقة بالملكية العقارية بطريقة عامة. ولهذا الغرض، فإن النصوص الجاري بها العمل، خاصة القانون 30.93، تحمي المواطن لأنها تلزم مباشرة المسؤولية الذاتية والحصرية للمهندس المساح الطبوغرافي. وبالتالي فإن هذه الأخيرة تخضع لمراقبة مزدوجة: من جهة، المراقبة التي تمارسها الهيئة المركزية، وهي الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين، التي تحكم الجهاز المهني، وتؤطر ممارسة المهنة وتزجر المخالفات والانزلاقات. ومن جهة ثانية، مراقبة السلطات العمومية على الملكية العقارية، من خلال المحافظ الذي يتابع ويصادق على المحاضر التي يضعها المهندس المساح الطبوغرافي في كل العمليات التي يتكفل بإنجازها. هكذا، تتم ممارسة مهمة المهندس المساح الطبوغرافي على أساس مقتضيات قانونية واضحة وصارمة، والتي يمكن لآثارها المفيدة والنوعية العالية أن تتعرض بكل بساطة للإلغاء بسبب مشروع التعديل الذي قدمته الحكومة. فمن خلال إفراغ القوانين 14.07 و30.93 من روحهما في مجال المسؤولية المرتبطة بالتحديد، فإن مشروع التعديل يشجع على تمييع هذه الخبرة، مما يؤدي إلى خلق حالة غموض قانوني ويفتح الباب على مصراعيه أمام كل الممارسات، كما سيصبح خاليا من أي رقابة قبلية أو بعدية على السواء، يضيف بلاغ المهندسين. المهندسون ينتفضون ضد القانون الجديد يخضع تحديد الملكية لمقتضيات قانونية وتنظيمية تضع مسؤولية الفاعلين في قلب الدينامية الوطنية للتحفيظ العقاري. ومن خلال تخويل مهمة إنجاز التحديد بشكل حصري للمهندسين المساحين الطبوغرافيين، فإن المنظومة القانونية الداخلية، ومنذ 1913 إلى اليوم، أرست الأسس التي تقوم عليها أعمال التحديد، خاصة تحديد الأملاك والعقارات أو إخضاعها للملكية المشتركة، على مبادئ المسؤولية والمراقبة. ويؤكد المهندسون أن عملية التحديد تعتبر، فيما وراء الدراسات الطبوغرافية العامة، إجراء خالقا للحقوق والالتزامات. وهذا ليس فقط بالنسبة لطالبي التحديد، ولكن أيضا بالنسبة للجماعة. وبذلك ترى هيئة المهندسين الطبوغرافيين بأن المشرع أعطى الهيئة مهمة تخص المصلحة العامة. وهذه الهيئة، التي تعتبر مؤسسة وطنية ذات طابع عام، هي الجهة المكلفة دستوريا وقانونيا بالسهر على السير الجيد للإجراءات، وبالتالي، فللهيئة رأي عام حول كل ما يتعلق بالتحديد العقاري، كما يتضح ذلك في النصوص الثلاثة الأساسية التي تقنن التحفيظ العقاري: ظهير 12 غشت 1913، القوانين 30.93 و14.07 ورسومها التطبيقية. وتضيف الهيئة أنه، بشكل انفرادي وبدون إشعار، أقدمت الحكومة على التقنين في هذا المجال، دون أي تشاور قبلي مع الهيئة المختصة، كما ينص على ذلك القانون، ودون أن تأخذ بعين الاعتبار الشروط والمتطلبات التي تقود مهمة التحديد، كما تنص عليها البنية القانونية الجاري بها العمل. وبعد أن قامت الهيئة بتنبيه المسؤولين المعنيين، خاصة وزير الفلاحة ورئيس الحكومة، فإن الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين تجد نفسها مضطرة إلى دق ناقوس الخطر والتأكيد على أن هذا التعديل، إذا ما تم اعتماده في صيغته الحكومية، سيكون بمثابة إعادة نظر شاملة في المنظومة الأمنية المتعلقة بالمسؤولية عن فعل التحديد. ويضيف بلاغ الهيئة أنه من أجل إعادة التوازن والحفاظ على الحقوق المكتسبة فيما يتعلق بالتحفيظ العقاري، فإن الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين، مع التوجه نحو توسيع القاعدة القانونية المتعلقة بتحديد الملكية العقارية، وتبقى مقتنعة بأن أي تغيير يجب أن يسير في اتجاه تعزيز المسؤولية، بدل التوجه نحو تعدد الفاعلين في نهاية المطاف.لهذا، فإن أي تعديل جوهري للقانون يجب أن يسهر على الأمن المعياري والحفاظ على ثقة المواطنين.وهذه ليست حالة مشروع القانون 57.12 في صيغته الحالية. التقنيون يرفضون احتكار المهندسين للمهنة ترى الجمعية الوطنية للتقنيين الطبوغرافيين أن الحديث عن أي نجاعة في غياب التقني الطبوغرافي أمر مردود عليه، خاصة أن عدد المهندسين الطبوغرافيين الذين يشتغلون بالوكالة يقدر بحوالي 300 مهندس، في حين أن عدد التقنيين الطبوغرافيين يناهز 1400 تقني، بل إن عدد المهندسين الطبوغرافيين المشتغلين بمصالح المسح العقاري حوالي 180 مهندسا، أي لا يشكلون سوى 21 في المائة فقط بالمقارنة مع التقنيين الطبوغرافيين العاملين بنفس المصالح، الذين يفوق عددهم 830 تقنيا. ويرى التقنيون أن فئتهم تشكل الدعامة الأساسية في مصالح المسح العقاري وتسهر على عمليات التحديد والعمليات اللاحقة بسرعة وفعالية على عكس ما تدعيه هيئة المهندسين. وتضيف جمعية التقنيين الطبوغرافيين أن الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية هي الموكول لها السهر على حسن تطبيق مساطر التحفيظ، إذ أن الهيئة تعتبر أن تنصيص مشروع قانون 12-57 على أن انتداب تقني طبوغرافي للقيام بعملية التحديد سيحول دون تحقيق نجاعة مسطرة التحفيظ والرفع من وتيرتها أمر خاطئ وغير منطقي، موضحة أن التاريخ يشهد من خلال أرشيفات الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية أن التقنيين الطبوغرافيين أجروا الملايين من محاضر التحديد والعمليات اللاحقة بكل احترافية، مقارنة بعدد المحاضر القليلة المنجزة من قبل المهندسين الطبوغرافيين، وهو الأمر الذي مازال مستمرا لحد الآن، تقول جمعية التقنيين.قبل أن تضيف أن هيئة المهندسين تدعي بأن الحكامة الجيدة لقطاع التحفيظ العقاري لن تتحقق بشكل قطعي إلا من خلال الضمانات التي يوفرها القانون 93-30، وهو ما يشكل، حسب الجمعية، اعتداء صريحا على إرادة المشرع، وكأن هذا الأخير، تقول الجمعية، شرع قانون التحفيظ العقاري بدون ضمانات لحقوق المواطنين أو من أجل سلبهم حقوقهم. وتضيف جمعية التقنيين أن الهيئة تريد احتكار مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة والتكوين العالي والمستمر والتأطير والمراقبة والضبط والزجر، مشيرة إلى أن الملفات الطبوغرافية، بشتى أنواعها، المنجزة من طرف المهندسين المساحين الطبوغرافيين الخواص تتم مراقبتها وتدقيقها حصريا، وبنسبة تزيد عن 95 في المائة من طرف تقنيين طبوغرافيين عاملين بمصالح المسح العقاري. مشروع لإحداث هيئة خاصة بالتقنيين بعد تراجع التقنيين الطوبوغرافيين عن قرار التوقف عن عمليات التحديد ومراقبة الأشغال والملفات الطبوغرافية الذي اتخذ منذ دجنبر المنصرم، حيث قرر التقنيون العودة إلى ممارسة المهام المعلقة، تشتغل الجمعية الوطنية الممثلة لهذه الفئة على وضع اللمسات الأخيرة لمشروع يرمي إلى إحداث هيئة خاصة بهم، بهدف تنظيم مهام التقنيين في القطاع الخاص والعام، وإمكانية فتح آفاق أمام التقني لممارسة مهنته بكل حرية مع إنشاء مقاولته دون قيود. وبالنسبة لدوافع تأسيس الهيئة، فمسؤولو الجمعية يرجعونه إلى الاحتقان الذي تعرفه الوكالات وتضارب المهام بين المهندسين والتقنيين. فالعديد من المقتضيات القانونية تعتبرها هذه الفئة «مجحفة» في حق التقنيين، وتعود إلى سنة 1994 تاريخ المصادقة على قانون رقم 93 -30 المنظم لمهنة الهندسة المساحية. ومن بين النقط المثيرة للجدل هناك الفقرة الأولى التي تقول بصريح العبارة:«تناط بالمهندس المساح الطبوغرافي مهمة القيام باسمه، وتحت مسؤوليته، بإعداد الدراسات والعمليات والتصاميم والوثائق التي ترجع إلى وضع الخرائط»، بل إن المادة الثالثة من نفس القانون تقول: «لا يجوز لأحد أن يزاول مهنة الهندسة المساحية والطبوغرافية، ولا أن يحمل لقب مهندس مساح طبوغرافي، إلا إذا كان مقيدا في جدول هيئة المهندسين المساحين الطبوغرافيين»، وهذا «الإقصاء» ظل مستمرا، حسب الجمعية، خاصة أن البرلمان لم يصوت بعد على مشروع قانون رقم 12-57 رغم إحالته على المجلس من طرف الحكومة منذ 12 ماي 2012. وهو التأخر الذي عمق الخلاف بين الطرفين، واعتبرته الجمعية في بياناتها بمثابة «رضوخ للضغوطات التي تمارسها بعض اللوبيات المعروفة بهدف خلق أزمة لخنق قطاع التحفيظ العقاري» .
التقنيون الطبوغرافيون يردّون على هيئة المهندسين في مذكرة وجهتها الجمعية الوطنية للتقنيين الطبوغرافيين إلى البرلمان وإلى وزير الفلاحة قدمت فيها شروحات وتوضيحات من الناحية القانونية والتقنية حول عمليات التحديد والعمليات اللاحقة، مشيرة إلى أن البرلمان يشهد حربا من المذكرات بين التقنيين الطبوغرافيين والمهندسين الطبوغرافيين، حيث تقدمت الهيئة الوطنية للمهندسين المساحين الطبوغرافيين بمذكرة في الموضوع تلخص أن المهندس الطبوغرافي هو القادر على حل مشاكل ومعوقات قطاع التحفيظ العقاري، لكن حسب الجمعية الوطنية للتقنيين الطبوغرافيين فإنه منذ سنة 1913 تاريخ صدور ظهير التحفيظ العقاري ودخوله حيز التنفيذ سنة 1915، ظل التقنيون الطبوغرافيون يقومون بعمليات التحديد والعمليات اللاحقة بنسبة 90 في المائة، إلى جانب المهندسين الطبوغرافيين الذين ينجزون الباقي، وهذا ما تؤكده أرشيفات مصالح المسح العقاري ال74 الموزعة على تراب المملكة إلى حدود 24 نونبر 2011 تاريخ صدور قانون 07-14 بالجريدة الرسمية، والذي على إثره امتنعت هذه الفئة، أي التقنيين، عن متابعة القيام بعمليات التحديد والعمليات اللاحقة، وهو ما أصاب مصالح المسح العقاري بالشلل شبه التام، حيث لم تنجز ما بين 80 إلى 90 في المائة من هذه العمليات لعدم توفر العدد الكافي من المهندسين الطبوغرافيين، وهو ما يعتبر معيقا لمصالح المواطنين ومصالح الدولة والمستثمرين على حد سواء، إذ إن مصالح المسح العقاري لوحدها تشغل 840 تقنيا طبوغرافيا، في حين أن عدد المهندسين الطبوغرافيين لا يتجاوز 180 مهندسا، مع العلم أن عدد عمليات التحديد العقاري وصلت سنة 2011 إلى أزيد من 43 ألف عملية، والعمليات اللاحقة أزيد من 187 ألف عملية، أي بمعدل 950 عملية في اليوم. وهذا ما جعل الحكومة تتقدم بمشروع تعديل ظهير 12 غشت 1913 المتعلق بالتحفيظ العقاري بعد أقل من أربعة أشهر على تعديله بقانون 07-14 في 24 نونبر 2011، لتجاوز الهفوة التي وقعت فيها من قبل وأصيبت على إثرها مصالح المسح العقاري بالشلل شبه التام. و أشارت الجمعية إلى أن البرلمان يقوم حاليا بدراسة مشروع قانون 12-57 ليتم بموجبه تدارك الخطأ بإرجاع المياه إلى مجاريها كما كان عليه الحال قبل تعديل الظهير سالف الذكر، نتيجة رفض الجمعية الوطنية للتقنيين الطبوغرافيين القيام بهذه العمليات التزاما بالقانون، وهذا ما أثار حفيظة المهندسين الطبوغرافيين الذين يسعون إلى «احتكار» مهنة المساحة الطبوغرافية، حسب الجمعية.