إعداد وتنفيذ مخطط المغرب الأخضر يثير عدة تساؤلات إذا كان من السابق لأوانه تقييم النتائج التي يمكن أن تترتب على إنجاز مخطط المغرب الأخضر باعتبار أن الموضوعية تقتضي إتمام إنجاز هذا المشروع، فإن المقاربة التي اعتمدت في إعداد هذا المخطط والاختيارات التي تبناها كانت موضوع عدة تساؤلات وملاحظات. 1- تهيئ مخطط المغرب الأخضر بمقاربة تقليدية: شكلت المنهجية التي اعتمدت في إعداد الميثاق الوطني الأول حول إعداد التراب والذي انطلق مع الرسالة الملكية ل 26 يناير 2000 قطيعة مع المنهجية التقليدية التي تم بها إعداد مختلف المخططات التي عرفتها بلادنا. ففي 22 فبراير انطلق العمل في المرحلة الأولى من خلال عمل الورشات المحلية والتي فتح فيها نقاش مستفيض وواسع مع كل الفاعلين المحليين الاقتصاديين والسياسيين والاجتماعيين والثقافيين حول مختلف القضايا التي يهتم بها إعداد التراب المغربي. وقد استمر النقاش والحوار في هذه المرحلة عبر عدة ورشات في مواضيع تنطلق من خصوصيات كل منطقة مدة أربعين يوما. ثم انتقل الحوار بعد ذلك في المرحلة الثانية من خلال المنتديات الجهوية والتي عرفت بدورها حوارا ولمدة شهري ماي ويوليوز، مع كل الفاعلين في كل المجالات. أما المرحلة الثالثة فهي التي عرفت تنظيم يوم وطني عرضت فيه النتائج والخلاصات التي تم التوافق حولها خلال المرحلتين الأولى والثانية، بهدف الخروج بتصور يقوم على تشخيص دقيق للإمكانات التي يتوفر عليها التراب المغربي والعمل في إطار مقاربة تشاركية على وضع إستراتيجية المستقبل. وبالتالي صياغة ميثاق وطني لإعداد التراب بالمغرب والذي كان أول وثيقة عرفها المغرب في هذا المجال . غير أن المنهجية التي تم اعتمادها في إعداد مخطط المغرب الأخضر أعادتنا إلى المقاربة التقليدية، التي كانت تعتمد في إعداد المخططات والبرامج الحكومية والتي ساد الاعتقاد بأنه تم القطع معها من خلال المنهجية التي اعتمدت، سواء في إعداد الميثاق الوطني لإعداد التراب أو المخطط الوطني الاقتصادي والاجتماعي 2000 – 2004. فقد أسندت مهمة إعداد مخطط المغرب الأخضر إلى مكتب ماكينزي الأمريكي مقابل 25 مليون درهم. وبعد ذلك عرض على عدد من الفاعلين ليس من أجل إبداء الرأي والتشاور من أجل الأخذ بها في إعداد تصور لإعداد سياسة فلاحية أو مخطط يأخذ بآراء هؤلاء الفاعلين، ولكن الهدف من عرض تصور مكتب ماكينزي كان يكتسي طابعا آخر يتمثل في فتح حوار مع الفرقاء والمتدخلين في الميدان الفلاحي حول مضامين واختيارات المخطط الأخضر، الذي هو عبارة عن أفكار غير مصاغة في أية وثيقة رسمية يمكن أن تشكل مرجعا للدارسين ولمختلف الفاعلين في الميدان الفلاحي. من أجل تثمينه، وإضفاء الشرعية عليه. لهذا فإن إرساء سياسة فلاحية حقيقية تستوجب إشراك كل الفاعلين في بلورة الاختيارات التي تتبناها أي سياسة فلاحية. -2 استنزاف الثروة المائية: يعتمد النشاط الفلاحي وبشكل كبير على عنصر الماء. فالفلاحة المغربية تمتص ما بين 80 % إلى 90 % من الاستهلاك الوطني. ونتيجة الاستغلال المفرط الذي تتعرض إليه هذه المادة الحيوية والتي تتسم بالندرة، فإن ستة من بين ثمانية من الأحواض المائية الرئيسية تعرف وضعية عجز على المدى القريب والمتوسط. ويتعلق الأمر بالأحواض المائية لكل من ملوية (- 265 مليار م3) وسوس ماسة ( - 124 مليار م3) وأم الربيع ( - 58 مليار م3) وتانسيفت الجديدة (-65 مليار م3) والجنوب الأطلسي ( - 49 مليار م3) وأبو رقراق ( - 23 مليار م3) .( وضعية 2010). ويقدر حاليا الطلب على الماء والذي يهم الماء الصالح للشرب والصناعة وكذا السقي بما يقارب 12,5 مليار م3. ومن المنتظر أن يرتفع هذا الطلب إلى 16 مليار م3 في أفق سنة 2020. كما أن العجز المسجل حاليا سيتفاقم بسبب زيادة الطلب على الماء من جهة ومن جهة ثانية، فإن هذا العجز سيشمل أيضا باقي الأحواض التي لا تشكو من خصاص حاليا مثل سبو واللكوس. فقد سجلت حصيلة مياه الفرشة الباطنية بجهة الغرب الشراردة بني حسن خلال السنة الفلاحية 2004 – 2005 انخفاضا ملحوظا في مستوى مياه فرشتها المائية : ويعزى هذا التراجع في جهة الغرب الشراردة بني حسن إلى الاستغلال العشوائي للمياه الجوفية وانتشار عدد من الآبار للتزود، سواء بماء السقي أو الشرب أو الصناعة وكذا إلى توالي سنوات الجفاف في سنوات 1980-1983- 1989 – 1990 – 1995 – 1998 – 2000 ...كما أن الثقافة السائدة في استهلاك هذه المادة من طرف الساكنة المحلية والتي تفتقر إلى ثقافة الاقتصاد في هذه المادة عامل أساسي فيما آلت إليه الوضعية الحالية التي توجد عليها الموارد المائية في هذه الجهة وفي باقي المناطق الأخرى. لهذا فإن دخول مخطط المغرب الأخضر حيز التنفيذ والذي يسعى من جملة ما يسعى إليه تكثيف الإنتاج، فإن ذلك من شأنه أن يساهم في تعميق العجز الذي يتهدد الثروة المائية وأن يؤدي إلى وضع بيئي خطير خصوصا وأن بلادنا تشهد إنجاز مجموعة من المخططات والمشاريع لا تقتصر فقط على مخطط المغرب الأخضر ولكن أيضا المخططات السياحية والصناعية والعمرانية ... كما أن تنفيذ مخطط المغرب الأخضر من شأنه أيضا أن يساهم في الإفراط في استنزاف التربة عن طريق الاستعمال المكثف للمخصبات والمبيدات. فعلى الرغم من أن استعمال هذه المواد ما زال ضعيفا بالمقارنة مع عدد من الدول، فإن طريقة استعمال هذه المواد بشكل عشوائي تترتب عليه عدة آثار بيئية خطيرة مما يجعل من الإشكالية البيئية موضوعا من الأهمية بمكان وتقتضي معالجة فورية. وهذا ما دفع العديد من المهتمين بالسياسة الفلاحية ببلادنا إلى التعبير عن تخوفهم من أن يتحول المخطط الأخضر إلى مخطط أصفر إذا لم تراع في تنفيذه احترام شروط التنمية المستدامة. -3 الأمن الغذائي وتعميق التبعية الغذائية: راهن المغرب وبشكل كبير على الصادرات الفلاحية من أجل جلب العملة الصعبة وفي نفس الوقت الرفع من الإنتاج في المواد الفلاحية الغذائية من أجل تقليص الواردات الغذائية، التي شكلت ومنذ عقود عبئا ثقيلا على الميزانية العامة للدولة. غير أن الاختيارات التي اعتمدتها السياسة الفلاحية عجزت عن تحقيق الأهداف المرسومة. فالميزان التجاري ومنذ سنة 1974 سجل عجزا مسترسلا. ذلك أن نسبة تغطية الواردات بالصادرات التي كانت تتراوح ما بين 50 و60 % خلال التسعينيات تراجعت إلى 46 % كمعدل ما بين 2000 و2003. وبالتالي فإن ما تحقق خلال الفترة الأخيرة لا يختلف كثيرا عما تحقق خلال الثمانينيات. ففيما يتعلق بالحبوب فالواردات المغربية من هذه المادة عرفت تأرجحا حسب السنوات حيث إن الإنتاج الوطني يعرف بدوره تذبذبا بسبب مجموعة من العوامل، أبرزها التغيرات المناخية التي ترتبط بها الفلاحة المغربية بشكل كبير. فخلال الفترة الممتدة ما بين 1980 – 1995 بلغ معدل الواردات المغربية من الحبوب 20 مليون قنطار. غير أن هذه الكمية سترتفع إلى 40 مليون قنطار خلال الفترة ما بين 1996 – 2004. وهي الفترة التي صادفت مرحلة تحرير الواردات التي دخلها المغرب سنة 1996. وسيزداد الطلب على هذه المادة في السنوات المقبلة، إذ من المنتظر أن يرتفع الطلب في أفق سنة 2020 إلى 132,5 مليون قنطار أي أن نسبة تغطية الحاجيات ستصل إلى 76 % في الوقت الذي كانت هذه النسبة تقدر ب59 %سنة 2000 بإنتاج وصل إلى 103 ملايين قنطار. ورغم أن هذه المعطيات تشير إلى أن نسبة تغطية حاجياتنا من هذه المادة ستعرف نوعا من التحسن، فإن هناك عوامل من الصعب التحكم فيها قد تؤثر بشكل كبير سواء على مستوى السوق الدولية أو الوطنية. أما بالنسبة للسكر: فالمغرب يعتبر من بين خمس دول الأكثر استهلاكا في العالم لهذه المادة بمليون و200ألف طن في السنة .. وعلى الرغم من الجهود المبذولة في الميدان السكري فإن الإنتاج الوطني لا يغطي سوى 40% من حاجيات الساكنة (2009) مقابل 45 %سنة 2008. ومن أجل سد الحجز الحاصل الذي تعرفه مادة السكر، فإن المغرب يلجأ إلى السوق الدولية حيث بلغت وارداته 800000 طن سنة 2010 و854000 طن سنة 2011. والملاحظ أن تراجع الإنتاج السكري بالمغرب يشكل بدوره عبئا كبيرا على الميزانية العامة. ففي سنة 2010 كان ثمن الطن المستورد من السكر يقدر ب 4125 درهما للطن وفي سنة 2011 عرفت فاتورة السكر زيادة مهمة بلغت 4,8 مليارات درهم. يعزى هذا الارتفاع إلى أن قيمة الطن الواحد من السكر في السوق العالمية بلغت سنة 2011 حوالي 850 دولارا أي ما لا يقل عن 6800 درهم للطن. وتشير مجموعة من المؤشرات إلى أن بلادنا ستواجه عجزا في الإنتاج السكري مع نفور العديد من الفلاحين من الزراعات السكرية وإغلاق مجموعة من المعامل السكرية. ففي منطقة الغرب واللكوس وحدهما تم إغلاق ثلاثة معامل للشمندر السكري ( سيدي اسليمان، سيدي علال التازي، القصر الكبير) وفيما يخص قصب السكر فقد أغلق معملان (مشرع بلقصيري، العوامرة). كما أن منطقة الغرب التي تعتبر من أهم المناطق الفلاحية من حيث الزراعات السكرية، فإن الإنتاج الفلاحي بها يتأثر بشكل كبير بالتقلبات المناخية والكوارث الطبيعية. فالفيضانات التي تعرضت لها المنطقة سنة 2009 تسببت في خسائر تقدر ب 90000 طن من السكر أي ما يمثل استهلاك البلاد من السكر لمدة شهر .. كما أن إنتاج المنطقة سجل تراجعا كبيرا، حيث انتقل الإنتاج من 470000 طن سنة 2008 إلى 400000 طن سنة 2009. عبد الله صدقي بطبوطي