في ال 2 من أبريل سنة 1913 تمت المصادقة على نتيجة لجنة المناقصة، التي أعلنت عن اسم الشركة التي وقع عليها الاختيار لبناء ميناء الدار البيضاء، برسالة سلطانية من طرف السلطان مولاي يوسف، وفي 2 أبريل 2013 احتفل البيضاويون بمرور 100 عام على هذا الحدث، الذي يشكل بداية حقيقية لميناء شهد مجموعة من الأحداث الجهوية والوطنية والدولية. ميناء شكل على مر عقود طويلة مجالا للتبادل التجاري بين المغرب ومجموعة من الدول الأخرى، ورغم ظهور الكثير من الموانئ على الصعيد الوطني، إلا أن هذا الميناء حافظ على مكانته الرائدة، "المساء" تعود إلى الوراء قليلا لكشف أهم المحطات التاريخية التي ميزت ميناء العاصمة الاقتصادية. حركة غير عادية بالقرب من فندق حياة رجنسي بالدارالبيضاء، مواطنون يتساءلون ويتهامسون عن أسباب هذه الحركة، المصورون يلتقطون صورا تذكارية للفرقة الموسيقية التي كانت تعزف أمام باب الفندق، الحدث لم يكن سوى احتفاء الدارالبيضاء بالذكرى المئوية لمينائها الموجود على بعد أمتار قليلة من الفندق، والذي تزامن مع الثاني من أبريل. وزير الدولة محمد باها، ووزير التجهيز والنقل، عبد العزيز الرباح، ووالي الجهة محمد بوسعيد والعمدة محمد ساجد وشخصيات أخرى توافدت على الفندق في حدود الساعة العاشرة صباحا، للإشادة بالميناء والدور التاريخي الذي لعبه. مرت سنوات كثيرة على إحداث الميناء بصورته الحديثة، وظل شاهدا على مجموعة من الأحداث التي عرفتها الدارالبيضاء والمغرب عموما، ميناء يحمل الكثير من الذكريات بالنسبة إلى البيضاويين، خاصة سكان المدينة القديمة، فهو لوحده يشكل ذاكرة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية، فما هي أهم المحطات التاريخية التي ميزت الميناء، وماهي الأحداث التي ساهمت في خروج النسخة الحديثة لميناء الدارالبيضاء، وماهي العلاقة التي تربط المدينة بمينائها؟. المهندس "رونو" لم يكن المهندس الفرنسي "رونو"، الذي أشرف على إنجاز الدراسات لوضع تصور جديد لتطوير البنية التحتية لميناء الدارالبيضاء سنة 1904، يعتقد أن هذا الميناء وبعد مرور كل هذا الوقت سيحتل صدارة الموانئ المغربية. المهندس "رونو" وهو يضع اللمسات الأخيرة كان يضع في الحسبان أن الأمر يتعلق بإحداث ميناء في مدينة ستشكل قاطرة اقتصادية للمغرب، فرغم الكثير من المتغيرات ظل الميناء الركيزة التجارية للمدينة وذاع صيته في جل بقاع العالم. كل الأمور اتخذت من أجل أن يمر الاحتفاء بهذه الذكرى على أحسن وجه، الجهات المنظمة نظمت معرضا يضم مجموعة من الصور التذكارية لهذا الميناء، الذي عرف مجموعة من المتغيرات منذ أن أطلق الملك العلوي مولاي يوسف الصفقة القاضية بإحداث هذا الميناء، الكثير من المواطنين توافدوا لمعرفة ما يضم هذا المعرض من صور تخلد لهذه الذكرى، المصورون الصحافيون استغلوا المناسبة لالتقاط الكثير من الصور داخل الميناء، بعد تنظيم جولة لوسائل الإعلام داخله، الزيارة لم تدم سوى ساعتين، لكنها كانت فرصة للتعرف على ما يجري داخل واحد من أهم الموانئ المغربية.
النشاط الأول مر ميناء الدارالبيضاء من مجموعة من المحطات التاريخية، فأول نشاط تجاري عرفه الميناء كان سنة 1572، إذ تم تصدير القمح، وفي سنة 1785 منح السلطان محمد بن عبد الله ترخيصا لتصدير الحبوب إلى الشركة الإسبانية «كومبانيا دي لوس سينكون ما جوريس»، لتكون بذلك بداية سياسة تجارية للمملكة ترتكز على تشجيع المبادلات التجارية، وفي الوقت الذي بدأ ميناء الدارالبيضاء يجد له موقعا في المبادلات التجارية، اتخذ قرار من قبل مولاي سليمان بإغلاق الموانئ، نظرا لمجموعة من الظروف السياسية التي ميزت المغرب في سنة 1805، وبعد أزيد من25 سنة وبالضبط في عام 1830 قرر السلطان مولاي عبد الرحمان ومن أجل مواجهة آثار الجفاف إعادة فتح الميناء، وكان ميلاد جديد لهذا الميناء، حيث كان قبلة للتجار الفرنسيين والاسبان والإنجليز والألمان. وتمكنت شركة "كومباني باكي" سنة 1862 من افتتاح خط بحري بين ميناءي الدارالبيضاء ومرسيليا، وهو ما كان يتطلب اتخاذ خطوة لتجديد هذا الميناء، الأمر الذي حدث سنة 1873، حيث تم تجهيز الرصيف برافعات، نظرا لتطور الحركة التجارية بالميناء، وبدأ ميناء الدارالبيضاء يتقدم عن باقي الموانئ المغربية الأخرى كالجديدة والصويرة، ومنذ هذا التاريخ أصبحت جميع المؤشرات تدل على أن ميناء البيضاء سيحتل الرتبة الأولى، خاصة أنه في سنة 1904، ومع بداية القرن العشرين انطلقت الأشغال لبناء ميناء صغير لرسو القوارب التي كانت تستخدم لتحميل وتفريغ حمولات السفن، وفي 2 ماي 1907 تكلفت شركة مغربية وشركة "شنايدر" بشراكة مع شركة "فيني" بالقيام بمجموعة من الأشغال داخل الميناء، إلا أن هذه الأشغال سرعان ما ستتوقف بسبب الأحداث التي عرفها المغرب في شهري غشت ويوليوز في السنة نفسها. لجنة المناقصة وبعيدا عن الدارالبيضاء، وبالضبط في مدينة طنجة، عقدت لجنة المناقصات اجتماعا تم من خلاله الإعلان عن اسم الشركة، التي وقع عليها الاختيار لبناء ميناء الدارالبيضاء بمواصفات حديثة، ولم يكن اسم الشركة سوى المجموعة التي تضم (الشركة المغربية) وشركة (شنايدر)، وفي 2 أبريل 1913 تمت المصادقة على نتيجة المناقصة برسالة سلطانية، لتبدأ من هذا التاريخ حكاية جديدة لميناء سيشكل على مر عصور طويلة القاعدة الأساسية للاقتصاد الوطني. بعد اكتشاف الفوسفاط في المغرب سنة 1921، سيعرف ميناء العاصمة الاقتصادية منعطفا جديدا، حيث أصبح النقاش منصبا حول طريقة تصدير الفوسفاط وتخزينه.
الحرب العالمية مرت سنوات عديدة عرف خلالها ميناء الدارالبيضاء مجموعة من التغيرات، إلا أنه في الفترة الرابطة بين 1939 و1945، تاريخ الحرب العالمية الثانية، عرف ميناء البيضاء جمودا كبيرا، بل إنه تعرض لقصف جوي في العملية المسماة "الشعلة"، ما أدى إلى تعطيل الحركة التجارية به..مرض ولم يمت، فمباشرة بعد حصول المغرب على الاستقلال، تواصل بناء الحاجز الرئيسي وتشييد باقي البنى التحتية وأعطيت الأولوية لتنمية التجارة البحرية ودخل الميناء عصر الحاويات، حيث أشرف الملك محمد السادس على بناء المحطة الثالثة للحاويات بالميناء وتتوفر هذه المحطة على رصيف يبلغ طوله 529 مترا مربعا وعمق يتراوح ما بين 12 مترا و14 مترا وأراض مسطحة تبلغ مساحتها حوالي 30 هكتارا. باها يتحدث لم تكن الذكرى المئوية لميناء الدارالبيضاء لتمر دون الحديث عن أهمية هذا الميناء، فقد صرح عبد الله باها بأن «الاحتفال بالذكرى المئوية لميناء الدارالبيضاء لا نسعى من خلاله للوقوف على المحطات المتميزة لتاريخ هذا الميناء، الذي يمثل ذاكرة جماعية للمغرب، بل نهدف أيضا إلى استشراف رؤية مستقبلية لتطوير هذا الميناء ومن خلاله جميع الموانئ المغربية»، وأضاف أن المغرب يتوفر على 38 ميناء من بينها 13 ميناء مفتوحا في وجه التجارة الخارجية، وتعالج مليون طن من الأسماك و92 مليون طن من البضائع. وأكد عبد الله باها أنه نظرا للدور الحيوي للموانئ فهي تحظى بالاهتمام في السياسات العمومية، واعتبر أن البحر في المغرب يحتل مكانة كبرى في الماضي والحاضر والمستقبل، بسبب تمتع البلاد بخصوصيات مينائية لها امتدادات تاريخية واقتصادية واجتماعية على واجهتين بحريتين. وحضر مراسيم الاحتفال بالذكرى المئوية لميناء الدارالبيضاء إلى جانب وزير الدولة عبد الله باها كل من وزير التجهيز والنقل عزيز الرباح ووالي البيضاء محمد بوسعيد والعمدة محمد ساجد، وتم التأكيد خلال اللقاء المنظم بهذه المناسبة أن مساحة ميناء الدارالبيضاء، الذي يحتل المرتبة الأولى وطنيا ويعتبر ميناء متعدد الأنشطة تصل مساحته الإجمالية إلى 605 هكتارات، وأرصفة يصل طولها إلى حوالي 8 كيلومترات بإمكانها استقبال 35 سفينة في وقت واحد، كما يؤمن عبور مختلف أنواع البضائع كالمواد الصلبة والمقطورات والحاويات والبضائع المختلفة.
أرقام في الميناء يعالج ميناء الدار البيضاء أكثر من 24 مليون طن أي أكثر من 35 في المائة من حركة المرافئ الوطنية، ويرتبط الميناء بخدمات الخطوط البحرية المنظمة بأكبر الموانئ في مختلف القارات، وتقدر قيمة السلع المعالجة فيه سنويا بحوالي 100 مليار درهم، أي ما يعادل 22 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، ويوفر أزيد من 10 آلاف منصب شغل مباشر بمؤهلات مختلفة و35 ألف فرصة عمل غير مباشرة، وبنشاط لا يتجاوز500000 طن فقط في العشرينيات من القرن الماضي، عرف نشاط الميناء توسعا حقيقيا من خلال تحقيقه لعشرة ملايين طن لأول مرة في عام 1960، ليصل في 2007 إلى الذروة بتسجيل 26،3 مليون طن. ويؤكد المنظمون للذكرى المئوية لميناء الدارالبيضاء أن الهدف من هذه الذكرى تشكل فرصة للوقوف على الرهانات الإستراتيجية والتحديات التي يواجهها الميناء، وأخذها بعين الاعتبار لمواصلة تعزيز إنجازاته وتطوير إمكاناته التحتية للرفع من مستوى الخدمات اللوجستيكية وتعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الوطني. العلاقة الغامضة وعن علاقة الميناء بالدارالبيضاء، فإن مجموعة من المنتخبين يؤكدون أن الدارالبيضاء لا تستفيد من هذا الميناء، الذي يشكل بالنسبة لها عائقا على مستوى حركة السير والجولان، وهو الأمر الذي جعل أحد المهتمين بهذا الشأن يؤكد أنه حان الوقت لفتح نقاش عمومي يشارك فيه جميع الأطرف حول علاقة المدينة بمينائها، خاصة أن هناك مجموعة من المشاريع الأخرى التي سيعرفها، ستعزز المكانة الاقتصادية للمدينة في ظل المنافسة المفروضة عليها من قبل مجموعة من الأقطاب الاقتصادية التي بدأت في الظهور على المستوى الوطني، وهو الأمر نفسه الذي تم التأكيد عليه خلال الندوة التي تم تنظيمها بمناسبة هذه الذكرى، على اعتبار أنه يجب على كل منطقة الاستفادة من الدور المحوري الذي تلعبه الموانئ في الاقتصاد الجهوي والوطني لضمان تنمية متناسقة للمدينة مع مينائها.
مرافق ميناء البيضاء في سطور يتكون ميناء الصيد من رصيف طوله 350 مترا ومنصة تقنية الممارسة الأنشطة المتعلقة بالصيد على مساحة تناهز 4 هكتارات، وتشتمل محطة المقطورات على أربعة مراكز للرسو ومركزين مستغلين من طرف شركة مرسى المغرب ومركز مستغل من طرف "صومابور ومركز مكرس لرواج المسافرين، ولن تتعب كثيرا في ركن سيارتك داخل ميناء البيضاء، حيث توجد محطة للسيارات مساحتها 20.000 متر مربع مشيدة على خمسة طوابق، وتصل القدرة الاستيعابية للتخزين إلى حوالي 5 آلاف سيارة، وتشتمل محطة أحواض إصلاح السفن على حوض جاف وورش لإصلاح السفن وحوض إرساء السفن مكون من 3 أرصفة بطول 350 مترا.