الأرشيف سؤال لا يتعلق بالتاريخ والماضي فقط، بل يتجه نحو المستقبل في سياق بناء الدولة الحديثة والحفاظ على ذاكرتها باعتبارها القاسم المشترك بين جميع مواطنيها، وأداة فعالة في بناء جسور المصالحة وجبر الضرر ولحم مشاعر أفراد المجتمع والتعايش الإنساني، فضلا عن حق المواطنين في الوصول إلى المعلومة.هذه هي خلاصة اللقاء الذي شارك فيه كل من المؤرخ جامع بيضا، مدير مؤسسة «أرشيف المغرب»، والمؤرخين محمد كنبيب ومصطفى بوعزيز وحسن لمعلم، إضافة إلى عبد الرزاق الحنوشي عن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتونسي منصف فخفاخ، مدير عام الأرشيف الوطني التونسي. التوجه الحالي في هذا المجال داخل التجارب الديمقراطية الرائدة يولي الأهمية القصوى للوثيقة منذ نشأتها، مرورا بمراحل تطور سياقها التاريخي والزمني، في حين أن الاهتمام بالأرشيف وحفظ الذاكرة في البلدان العربية حديث العهد، بالنظر إلى طبيعة التطور السياسي بهذه البلدان التي ما تزال في طور ترسيخ أسس الانتقال نحو الديمقراطية وبناء دولة الحق والقانون. كما أن سيادة الثقافة الديمقراطية، خاصة في المجتمع الرقمي، أدت إلى إزالة الحدود وتعزيز مطلب الحق في الوصول إلى المعلومة، وبالتالي عرفت نظم الوصول إلى الوثائق تطورا كبيرا أضحى معه مجال الأرشيف أحد مكونات وأسس الدولة والمجتمع الديمقراطي، علاوة على أنه يشكل المادة الأساسية التي يعتمدها المؤرخ من أجل كتابة التاريخ، والسياسي من أجل صوغ أسئلة الحاضر والمستقبل. الندوة توقفت عند التجربة التونسية الرائدة في هذا المجال، والتي قطعت أشواطا هامة على مستوى تنظيم أرشيفها وعصرنته. كما استعرض المشاركون التجربة المغربية، في إطار برنامج مواكبة توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة في مجال حفظ الأرشيف والبحث التاريخي ونشر وتعميم المعارف حول التاريخ الراهن للمغرب وحفظ الذاكرة. اللقاء قدم، أيضا، بعض البرامج المعتمدة من أجل تفعيل عمل مؤسسة «أرشيف المغرب»، ودعم تثمين الأرشيف الخاص بالفترة الممتدة ما بين 1956 و1999 ودعم تدريس التاريخ الراهن وإنجاز الدراسات والأبحاث وإنتاج الدعامات التواصلية.