حلّ فصل الربيع، وأقام الذئب عرسه.. أعلنت إحدى رفيقات جلساتي رغبتها في الارتباط بقولها: «بلعمان فتّحْ، زوجني آبويا ولاّ نْفرْتحْ»، في إشارة منها إلى رغبتها في الارتباط والخلاص من مرحلة العزوبية، التي ترى أنه قد حان الوقت لأن تغادرها في اتجاه قفص الزوج.. ونحن نجلس كعادتنا عند إحدى رفيقات الدرب في بيتها، عرّج بنا الحديث حول الزواج ومتاعبه وأيضا حجم المسؤولية التي تلقى على المرأة المتزوجة والعاملة، وخاصة عند وجود الأطفال، فإذا بإحدى رفيقات الجلسة تثور في وجهنا، والسبب أنها ليست متزوجة بعدُ، إعلانا منها عن رفضها النقاشَ، لكونها ليست معنية به.. قالت: وانا تزُوجْتْ بْعدا! خليوني نتزوج.. وأعيش معاناتكنّ مع أزوجكنّ وأبنائكنّ لأشارككنّ الحديث.. تنبهنا إلى الأمر، وأدركنا أنها على صواب، وحتى نخفف من حدة توترها ونطبع الموضوع بطابع هزليّ، شرعنا في رفع «الدعاء» لها، وهي ذات الثلاثين ربيعا، من أجل أن تتزوج في الصيف المقبل.. رفعت بدورها يديها نحو السماء، بكل صدق، أملا في أن يُستجاب لدعواتنا، فبادرت واحدة من الجليسات إلى تقديم النصائح.. من قبيل «اختيار» زوج براتب شهريّ جيد وقارّ وليس ذا الجمال و«القلدة»، مؤكدة قولها بالمثل المغربي الشهير: «قال ليه الزين بْحروفو.. دّيه لمّو تشوفو... القرع بفلوسُو.. أرى داكْ الرّاسْ نبوسو».. فردّت عليها من صنف أمثلتها إعلانا منها عن رغبتها في الزواج من دون أدنى شرط، قائلة: « أبويا بلعمانْ فْتّحْ.. زوّجني ولا نفرْتحْ».. شعارات تحتوي على مدلولات دفينة في دواخل كل فتاة ترغب في أن تجد شريكا، «ينقذها» من الإجابة عند كل لقاء عائلي عن سبب تأخر زواجها، بحجة زواج من هنّ أصغر منها، الأمر الذي يجعل صديقتي، شأنها شأن غيرها من الفتيات، يجعلن هدفهن في الحياة هو البحث عن «زوج»، بغضّ النظر عن قصص الحب والغرام التي لم نعد نرى لها مكانا غير في أغاني عبد الحليم حافظ.. كلما اشتاقت مسامعنا إلى كلمات الزّمن الجميل، حيث الكلمات المُداعِبة للمشاعر.. أخصّ بحكايتي لهذا اليوم في «نبضات» صديقتي التي لم تتزوج بعدُ، بوصفها نموذجا مصغرا للكثير من الفتيات، اللواتي لم تعد عذريتهن تمنعهن من مرافقة الشبان إلى «الدار» من أجل تحقيق المتعة وأيضا اختبار من تنويه للزواج.. معايير كانت بالأمس القريب من المُحرّمات، لكنْ اليوم أصبحت موضة «السرير» أولا ليأتي «العدول» بالنسبة إلى الفتاة، بخلاف الرجل، الذي ما يزال لا يحبّذ الارتباط بمن سلّمته جسدها خارج إطار الزواج.. إذ ينعتها الأغلبية ب«السّهْلة»، لقدرتها -في نظره- على تكرار ما فعلته معه مع غيره، لتفاجأ الواحدة منهنّ، بعد أول «سقوط» لها على السرير بأنّ البطل «المرشح للزواج»، قد زوجه أهله من دون علمه.. حجة تكررت مع صديقتي أكثرَ من مرة. إنها حجة «الخلاص»، التي صار الرجل يختبئ وراءها اليوم لفكّ الارتباط بمن منحته جسدها من دون أدنى قيد أو شرط، وإن كان عذرها هو إرضاء من تظنه أنه سيتقدّم للزواج منها.. لكنْ أخطأت صديقتي وغيرُها من الفتيات، حيث تختلف المعادلة عند الرجل، الذي يضع السرير «نهاية» لكل امرأة، وإن كان يعشقها، بمجرّد استجابتها لرغبته في قضاء سويعات على فراشه.. حاولتُ توجيه النصح لصديقتي من دون أن تنعتني بذات الأفكار البالية، بأنْ ليس كل رجل تلتقي به هو، بالضرورة، مَن سيرتبط بها، عملا بمقولة جدي «الرّاجْلْ بْالهْمّة.. أمّا اللحية راها حْتى عْند العتروسْ». إذن، ورغم ادعاءاتنا بأننا بنات اليوم ولنا زمنٌ غير الزمان، فما تزال لنا ركائز تربوية يصعب علينا تجاوُزها، بحجة الانفتاح والحرية والمساواة الميكانيكية مع الرجل. سيدتي.. لا داعي إلى العجلة والوقوع في فخّ ممارسة الحبّ قبل الزواج، لأنه شتان بين شعارات اللافتات و»التربية» التي تلقاها كل واحد منا، سواء كان رجلا أو امرأة، وإن كانت حجتك هي أنه من حقك الإعلان جهرا عن رغبتك في احتضان رجل، ما دام «صبرك» قد نفد وأعلنتْ أنثاك ثورتها على فترة العزوبية بقولك: «بلّعمانْ فتّْحْ».. أقول لك: اللهمّ نزوجوك وَلا تْفرتْحِي»..