في الكثير من اللقاءات يؤكد بعض المسؤولين في الدارالبيضاء أن هناك جهدا كبيرا يبذل من أجل وضع حد لحالة الاختناق المروري الذي تعرفه جل شوارع المدينة، لكن هناك فرق شاسع بين النوايا المعبر عنها في هذه اللقاءات والواقع، فلم يعد الاكتظاظ مرتبطا فقط بالشوارع الرئيسية الكبرى في وسط المدينة أو في منطقة المعاريف، بل وصلت العدوى إلى العديد من المناطق الأخرى. وهو الأمر الذي يستدعي، حسب الكثير من المتدخلين، التفكير الجدي في وضع مشروع قابل للتنفيذ يحول دون أن تتحول الدارالبيضاء في العشرية القادمة إلى مدينة شبيهة بتلك التي توجد في أمريكا اللاتينية أو الهند. في كل صباح يستيقظ عبد الله، موظف بالقطاع العمومي، يقطن في منطقة عين السبع، يتناول وجبة الفطور في منزله، يخرج مسرعا رفقه ابنه، فعبد الله دائما يحرص على الخروج في ساعة مبكرة، ليس لأنه لا يرتاح في منزله أو يحبذ شرب قهوة الصباح في إحدى المقاهي في وسط المدينة، ولكن همه الوحيد أن يتفادى الضغط والاكتظاظ، الذي تعرفه الشوارع خلال أيام الأسبوع باستثناء الأحد. سؤال محرج يشعر عبد الله كل يوم بحرج كبير حينما يسأله ابنه عن الأسباب التي تجعل شوارع الدارالبيضاء مكتظة بهذا الشكل الفظيع، وفي كل مرة يحاول الأب أن يعثر لابنه على جواب مقنع، لكن سؤال الابن يظل معلقا. يقول عبد الله ل «المساء«: «دائما يسألني ابني عن الأسباب التي تجعل الدارالبيضاء مكتظة بالسيارات والشاحنات إلى هذه الدرجة، فلا أجد جوابا يشبع فضوله الطفولي، علما أننا تعبنا كثيرا من سماع الأخبار التي تتحدث عن قرب انفراج الأزمة وإيجاد حل لهذه الظاهرة التي تقلق راحة البيضاويين». ليس عبد الله وحده من أصبح بالنسبة إليه الذهاب إلى العمل أو العودة منه مسلسلا من العذاب اليومي، بل هناك بيضاويون كثيرون يؤكدون أنهم لا يشعرون بالتعب في مقرات عملهم، ولكن في الطريق المؤدي إلى هذا العمل، كما جاء في شهادة يوسف، موظف بالقطاع الخاص، «لم أعد أطيق سياقة السيارة إنها مهمة شاقة في الدارالبيضاء، فهذا الأمر أصبح يثير بالنسبة إلي الكثير من الانزعاج»، وأضاف أنه أصبح يفضل ركن سيارته بدل سياقتها في شوارع لم تعد تطيق السيارات التي تتجول فيها. الأزمة تتفاقم وقد تفاقمت أزمة النقل الحضري بشكل كبير في مدينة الدارالبيضاء خلال السنوات الأخيرة، وكان الاعتقاد أن أشغال «الطرامواي» هي السبب وراء ذلك، لكن هذا الأمر كان مجرد اعتقاد واهن، فالمحنة لا تزال مستمرة في جل شوارع المدينة، ولم يعد هذا الأمر مقتصرا فقط على وسط المدينة والمناطق المحيطة بها، بل طال كذلك حتى الأحياء الأخرى، كالبرنوصي والفداء واسباتة والحي المحمدي، وبسبب الاكتظاظ الذي تعرفه شوارع المدينة أصبح مجموعة من سائقي سيارات الأجرة يرفضون التوجه إلى بعض الأماكن ذات «الصيت السيء» على مستوى الاكتظاظ، وفي هذا الإطار يقول سائق طاكسي:» لايمكنني أن أتوجه إلى مكان مكتظ بالسيارات والشاحنات، فهذا الأمر لا يمكن تحمله، وإنني أفضل الاشتغال فقط في بعض المناطق التي لا تعرف حدة على مستوى الاختناق المروري»، وقال مواطن آخر» لقد كنت في زيارة إلى باريس قبل أيام ورغم الاكتظاظ الذي تعرفه هذه المدينة، إلا أن هناك تنظيما كبيرا على مستوى حركة السير والجولان». الصورة الثابتة ويثير الاكتظاظ في الشوارع سخط العديد من المواطنين البيضاويين، الذين ضاقوا ذرعا بالوضعية الحالية التي توجد عليها مجموعة من وسائل النقل الحضري، التي لا تحترم الحد الأدنى من آدميتهم. ورغم إحداث سلطة منظمة للتنقلات الحضرية على مستوى مدينة الدارالبيضاء قبل ثلاث سنوات تقريبا، من أجل تنظيم حركة النقل الحضري وإحداث شبكة للنقل الجماعي تستجيب لطموحات مستعمليه من عموم المواطنين، فإنه لحد الساعة الصورة لم تتغير، حسب مصدر جماعي الذي أكد ل «المساء» أن مجموعة من الأهداف المرسومة للمخطط المديري للنقل الحضري لم تخرج لحد الساعة إلى حيز الوجود. وأوضح مصدر آخر أن المجالس المنتخبة في جهة الدارالبيضاء تضخ 600 مليون سنتيم لغرض تنظيم حركة النقل في الجهة، لكن لا يظهر أي أثر لهذه العملية، وقال «لا يحتاج المرء لأي دليل من أجل القول إن الدارالبيضاء تختنق وأنها أصبحت من المدن الآكلة للبشر». وتطرق أعضاء بجهة الدارالبيضاء إلى هذه القضية بشكل كبير خلال أشغال الدورة الأخيرة للجهة، حيث تم التأكيد على ضرورة معالجة الإشكالية المتعلقة بالنقل والتنقل في المدينة، وقال أحد المستشارين» لابد من معالجة هذه القضية، فلا يعقل أن تبقى المدينة تعيش هذه الإشكالية، ولابد من عقد دورة استثنائية لدراسة هذا الملف»، لكن هذا الانتقاد لم يكن حائلا دون مصادقة أعضاء المجلس في الدورة ذاتها على مشروع الحساب الإداري لميزانية الجهة لفائدة السلطة المنظمة للتنقلات الحضرية، وبرمجة الفائض الحقيقي لميزانية السلطة المنظمة للتنقلات الحضرية لسنة 2012، وهو الأمر الذي لم يثر أي ضجة داخل المجلس، رغم الانتقادات المسجلة على وضعية النقل والتنقل في جهة الدارالبيضاء. الحلم المعلق وخلال كل المراحل المتعلقة بإحداث «الطرامواي» ظل الحديث منصبا حول أن هذه الوسيلة ستخفف من حركة السير والجولان في المدينة، إلا أن هذا الأمر ظل مجرد حلم جميل، وقال مصدر في مناسبة سابقة ل «المساء» إنه «لا يمكن من خلال إحداث «الطرامواي» الادعاء بأن مشكل النقل الحضري سوف يتم حله، فهذا الأمر مستبعد كثيرا، لأن الأمر يحتاج إلى رؤية شمولية تستحضر جميع القضايا المرتبطة بهذا القطاع، ومن بينها مراقبة الفاعلين في قطاع النقل العمومي وتتبع تنفيذ الخدمة ومعاينة مدى احترام التنظيم المعمول به ومقتضيات عقود الاستغلال والتنسيق بين مختلف الفاعلين، بغية تحسين ملاءمة تسيير المرور والبحث عن تمويل المشاريع المرتبطة بالتنقلات الحضرية». وقال مدير شركة الدارالبيضاء للنقل في حوار سابق مع المساء «إن الدراسة التي أنجزها المركز الجهوي للاستثمار أظهرت أنه وقع نقص بخصوص جاذبية المدينة في العشر سنوات الماضية، بسبب مشكل الاكتظاظ، فالشركات الدولية أو المحلية تفكر كثيرا قبل أن تقرر الاستثمار في الدارالبيضاء، نظرا لهذا المشكل، وأصبحوا يفضلون الاستثمار في مدن أخرى، إضافة إلى القضية المتعلقة بتزايد عدد السيارات، كما أن مشكل الاكتظاظ لا يرتبط بمشروع «الترامواي» فقط، بل أيضا بمجموعة من المناطق الأخرى، وهذا راجع إلى أنه لم يكن هناك مخطط لمواكبة المتغيرات المتعلقة بالسير، والذي يجب أن يراعي مجموعة من الأشياء المرتبطة بتنظيم أماكن وقوف السيارات، إضافة إلى المسألة المتعلقة بحركة الشاحنات الكبرى وسط المدينة وغياب التنظيم الخاص بالمدارات، ويمكن أن نحل المشكل بضرورة الاهتمام بالنقل الحضري، لأنه إذا كان هذا النقل منظما، فإن السكان سيستعملونه وهذا من شأنه أن يخفف بعض العبء». وأوضح أن عدد السيارات تضاعف في الدارالبيضاء بشكل لافت في السنوات الأخيرة، فقد كان عددها في سنة 2001 حوالي 300 ألف سيارة، في حين أن العدد حاليا يتجاوز مليونا و200 ألف سيارة، وهذا ما يعني أنه مهما كان عرض الشوارع كبيرا، فإنه لا يمكنه أن يستوعب كل هذا العدد، ولتجاوز مشكلة النقل والتنقل في الدارالبيضاء لابد من معالجة شمولية تستحضر مشكل مرائب السيارات والحافلات التي تجوب الشوارع، إضافة إلى الحركة التجارية في بعض الشوارع، مؤكدا أنه لا يمكن بأي حال القول إن «الطرامواي» سيحل مشكل النقل والتنقل، بل الأمر يحتاج إلى منظومة متكاملة، فجميع الأمور المتعلقة بهذه القضية لابد أن تعالج من أجل وضع حد لمشكل النقل في المدينة، و«الترامواي» يمكن أن يكون قاطرة ستلزم الجميع باتخاذ تدابير حقيقية لتجاوز كل المشاكل المرتبطة بقضية التنقل». غضب أصحاب الطاكسيات وقال مصطفى الكيحل، رئيس الفيدرالية الوطنية لمهنيي النقل الطرقي «إن هذه المرحلة التي يعرفها المغرب من تحولات تحتاج من مجلس المدينة أن يواكبها، وذلك بإشراك فاعلي قطاع سيارات الأجرة في اللجنة المتخصصة في النقل على مستوى جهة الدارالبيضاء، فرغم أن دورها يكمن في تدبير ملف قطاع النقل داخل المدينة، إلا أن الملاحظ هو إقصاء فاعلي القطاع بشكل عام ومهنيي قطاع سيارات الأجرة بشكل خاص، وهو ما يعني وجود احتكار سافر للقرارات دون إشراك المعنيين بالقطاع». وأوضح أنه «لم يكن هناك إنصاف لقطاع سيارات الأجرة بالمدينة، وذلك في العديد من الملفات المطلبية، التي بعثتها الفيدرالية الوطنية لمهني النقل إلى مجلس المدينة تطالبه من خلالها بعقد لقاءات من أجل حل المشاكل العالقة، أما فيما يخص مشروع «الطرامواي» فهذه التجربة أثبتت فشلها في عهد الحماية الفرنسية، وتم التخلي عنها بعد الحصول على الاستقلال، نظرا لأن محاور المدينة لا تستوعب هذا النوع من وسائل النقل الجماعي، لأن الدارالبيضاء مدينة اقتصادية، وليست سياحية، وهذه الوسيلة لا تخدم مصلحة المدينة لشلها محاورها الطرقية ومسها بأرزاق فئة كبيرة من مهنيي قطاع، خاصة بالنسبة لسيارات الأجرة. وقال «مباشرة بعد انطلاق الشطر الأول لمشروع «الطرامواي» اتخذنا موقفا نندد فيه بسياسة التعنت والإقصاء الممنهج التي يمارسها مجلس المدينة وأصحاب المشروع بضربهم عرض الحائط مصالح طبقة كبيرة من مهنيي قطاع سيارات الأجرة يبلغ تعدادها 15000 سيارة أجرة وتذر على مجلس المدينة وخزينة الدولة الملايير سنويا، وقد عقدنا العديد من اللقاءات مع عمدة الدارالبيضاء، الذي التزم بتقديم الدعم لقطاع سيارات الأجرة لتحسين الجودة وخلق فضاءات نموذجية لهذا القطاع داخل المدينة وقد وعدنا بضرورة الاهتمام بهذا القطاع، لكن جميع هذه الوعود لم تتحقق». فرقة الدراجين وللحد من حدة الاختناق الذي تعرفه المدينة، أعلنت ولاية الأمن في مدينة الدارالبيضاء قبل شهور عن تشكيل الفرقة الولائية للدراجين الناريين، وذلك في محاولة لإحداث نوع من السيولة والمرونة في حركة السير والجولان في العاصمة الاقتصادية، واعتبرت الولاية أن دور هذه الفرقة سيكون وقائيا، لتجنب حالة الاكتظاظ الشديد الذي أصبحت تعرفه جل الشوارع في المدينة، خاصة في السنوات الأخيرة. وأكد المدافعون عن هذه التجربة أن إحداث فرقة للدراجين الناريين في الدارالبيضاء سيضع حدا لحالة الفوضى الكثيرة التي تعرفها مسألة ركن السيارات في مواقع غير قانونية، خاصة أن هذه الظاهرة التي استفحلت مؤخرا تزيد من تعميق أزمة النقل والتنقل في المدينة. وأضاف الواقفون وراء هذه التجربة أنه إلى جانب الدور الوقائي، فإن فرقة الدراجين الناريين لن تتردد لحظة في تطبيق القانون من أجل وضع حد لكل المخالفات التي يرتكبها بعض السائقين، كما أنها ستلعب دورا كبيرا في سد الخصاص الذي تعرفه بعض النقط السوداء على مستوى حركة السير، حيث ستكون هذه الفرقة المشكلة من رجلي أمن في كل دورية، على استعداد للمساهمة في حل معضلة الاكتظاظ في أي منطقة بالدارالبيضاء. استمرار المشكل الخطط المتعلقة بالنقل والتنقل في الدارالبيضاء كثيرة، لكنها تبقى عاجزة عن حل هذه الإشكالية التي تؤرق بشكل كبير سكان هذه المدينة، الذين أصبحوا يعانون يوميا من التلوث على مستويات عدة، وهو الأمر الذي يستدعي، حسب مراقبين كثيرين للشأن المحلي، منح هذه القضية الأولوية القصوى من قبل جميع المتدخلين، حتى لا يستفيق سكان المدينة يوما على مناظر مشابهة لمدن نيودلهي أو القاهرة أو إسلام أباد، فليس هناك طريق ثالث أمام البيضاء، فإما أن تكون مدينة توفر لسكانها كل سبل الحياة الكريمة ومن بينها وضع حد لحالة الاختناق المروري، أو أن تصبح شبيهة بالمدن الآكلة للبشر، حيث تنعدم كل شروط الحياة الكريمة.
خصصت الدارالبيضاء مبلغا يقدر بحوالي 34 مليار سنتيم لإحداث قنطرتين وهما قنطرة «الوازيس»، وقنطرة ملتقى «شميكولور»، حيث تم رصد 12 مليارا بالنسبة للنفق الذي سيحدث بمنطقة الوازيس وسيمر تحت محطة القطار الوازيس وتحت شارع مكة وسيتواصل مع شارع تدارت، نحو مخرج الطريق السريع الحضري، وسيتم إنجاز هذا المشروع باتفاق مع المكتب الوطني للسكك الحديدية، لأن النفق سيكون تحت منشأة سككية وهي محطة الوازيس، أما المشروع الثاني، فهو المتعلق بملتقى شيميكولور، وسيربط هذا النفق بين شارع محمد السادس مرورا بساحة دكار، ثم شارع المقاومة ليمر تحت شارع محمد الخامس قبل أن ينتهي نحو ساحة الزلاقة، ورصدت له 22 مليار سنتيم.